نعم .. في السياسة لا توجد حقائق ثابتة ولا ثوابت حقيقية , وكذلك العلاقات بين الدول وبين التابع والمتبوع أيضاً , لا توجد عداوات وحروب دائمة , وكذلك لا توجد صداقات ومماحكات دائمة , بل توجد مصالح دائمة , وهذه أصبحت من البديهيات ومن أبجديات السياسة , كانت وما تزال وستبقى . الولايات المتحدة الأمريكية منذ أن أصبحت قوة عظمى , ومنذ أن توهمت أنها انفردت بحكم العالم والهيمنة على مقدرات الشعوب ونهب خيراتها وثرواتها , لم تغزو أي بلد في العالم لسواد عيون أبناء شعبه , وعلى رأسهم أبناء الشعبين الأفغاني والعراقي 2001 – 2003 , عندما تم غزو البلدين وتدميرهم وتسليم السلطة بيد عصابات وعملاء ومرتزقة مع سبق الاصرار كي نصل إلى ما وصلنا إليه.الإدارات الأمريكية المتعاقبة كانت وما تزال تتحجج وتتذرع بشتى الذرائع والخدع … تارة باسم محاربة الإرهاب ؟, وتارة أخرى باسم نشر الحرية والديمقراطية ؟, وترسيخ قيم ومبادئ حقوق الإنسان وغيرها من الخزعبلات التي ثبت عدم صحتها أو تحقيق واحد بالمليار منها … بل على العكس تماماً , الغزو الامبريالي الأمريكي البربري لدول العالم منذ إبادتها للهنود الحمر ’ ومنذ الحرب اليابانية وضربها الشعب الياباني بالقنابل الذرية قبل انتهاء الحرب العالمية الثاني في هيروشيما وناجاساكي عام 1945 , مروراً بحرب الكوريتين والحرب الفيتنامية وغزو باناما و والصومال وصولاً لإحتلال أفغانستان والعراق , الذي لم يُدمر ويقتل ويهجر ملايين الناس , بل دمر تدميراً كاملاً منظومة القيم والأخلاق والعادات والتقاليد في هذه البلدان , ناهيك عن الاستهداف المباشر للدين الإسلامي الحنيف,عن طريق شق صف وحدة المسلمين من خلال تلاقي مصالح وتلاقح المشروعين الأمريكي الصهيوني والفارسي الصفوي بعد أن كرسوا الطائفية في كل مكان عن طريق دعم وتمويل الجماعات والعصابات والميليشيات الطائفية في أغلب دول المنطقة العربية كما هو حاصل في العراق , سوريا , لبنان , اليمن , ليبيا , البحرين , تونس .. ألخ .
بالعودة لصلب العنوان … من منا لا يتذكر أزمة الخليج الثانية , بعد دخول العراق للكويت في آب 1990 , وما شابها من استعدادت وتحضيرات لشن العدوان والقيام بأكبر عمل عسكري عرفه العالم بعد الحرب العالمية الثانية , شبه حينها بحرب عالمية ثالثة !؟, وجرى ما جرى للعراق والمنطقة من تخريب ودمار شامل وابتزاز وشق صف الدول العربية والإسلامية , وجعلهم يلجئون للاستعانة على بعضهم البعض بألد أعدائهم . وكيف كانت للأسف الشديد رهانات القيادة العراقية خاسرة وغير مدروسة , وكان خطأ استراتيجي حسب اعتراف القيادة العراقية نفسها , عندما راهن على الشعوب العربية وعلى مواقف بعض الدول المؤثرة كــ ” ألمانيا وفرنسا والصين وخاصة على روسيا ” بأنها لن تسمح بضرب العراق وستستخدم حق النقض الفيتو إزاء أي قرار يتخذ ضد العراق في مجلس الأمن ؟, وحدث ما حدث بعدها , وكيف خذلت روسيا العراق , عندما وصفها وزير الخارجية العراقية المرحوم طارق عزيز في أحدى لقاءاته وشهادته الموثقة , حيث قال بالنص ( لقد باعت القيادة الروسية بقيادة الزعيم ” ميخائيل غورباتشوف ” العراق مقابل خمس مليارات دولار ) !؟, دفعتها المملكة العربية السعودية لروسيا , كما جاء على لسان السفير السعودي في واشنطن آنذاك ” بندر بن سلطان ” , بشرط أن يتم توزيع هذه الأموال على الجمهوريات الإسلامية … ؟؟؟؟, كما قال في أحدى اللقاءات الموثقة أيضاً .
الآن بدأ التاريخ يعيد نفسه … فبعد الحرب الضروس التي دارت وما تزال تدور رحاها في سورية , التي انطلقت شرارتها منذ خمس سنوات , والتي راح ضحيتها أكثر من نصف مليون سوري بريء , وأكثر من مليوني جريح , وأكثر من نصف أبناء الشعب السوري باتوا مشردين ونازحين من ديارهم ومدنهم , بعد أن تم تدمير 70% من المدن والقرى السورية تدمير شبه كامل , على يد النظام الوحشي الذي استعان بالمليشيات الطائفية الموالية لنظام الولي الفقيه في إيران وبجنرالاته وقادة جيشه وحرسه الثوري وبأداته القمعية كحزب الله اللبناني وغيرها من المليشيات العراقية والأفغانية والهندية والباكستانية … ألخ , وعندما أصبح الجيش الحر على مشارف مقر وقصر” نيرون دمشق بشار الوحش ” , تقدم الأخير بطلب العون والنجدة من الرئيس الروسي ” فلادمير بوتين ” لإنقاذ الموقف , وبالفعل تم استدراج روسيا للفخ والمستنقع السوري من قبل النظام السوري وإيران وتوريطهما له قبل أكثر من خمسة أشهر في هذه الحرب الطائفية التي تديرها وتشرف عليها وتمولها إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن , وكادت تورط روسيا أيضاً في المستنقع العراقي واليمني أيضاً لولا الفيتو الأمريكي – الغربي !؟, لكن سارت الرياح بما لا تشتهي السفن والبوارج والغواصات والأساطيل الروسية .
صحيح روسيا … المكسب الوحيد الذي حققته هو جعل المياه والأجواء والأراضي السورية مختبر وحقل تجارب بامتياز لآلتها العسكرية , جربت خلال هذه الأشهر القليلة مختلف أسلحتها وترسانتها الحديثة والقديمة , وأول مرة في تاريخها استطاعت أن تطلق صواريخ بعيدة المدى من البوارج والغواصات , لتستعرض قوتها أمام أصدقائها وأعدائها على حدٍ سواء !؟, لكنها في نفس الوقت فقدت كبريائها وهيبتها كقوة عظمى عندما افتعلت إسقاط الطائرة المدنية فوق جزيرة سيناء المصرية , التي كان من المقرر والمخطط لها أن تسقط فوق الأراضي التركية لتوريط تركيا في عملية إرهابية !؟, وعندما فشلت المحاولة والخطة الأولى تحرشت طائراتها الحربية باختراق المجال الجوي التركي الذي انتهى بإسقاط القاذفة الروسية ومقتل أحد الطيارين .
لكن بغض النظر عن كل ما تقدم هنالك أمور وأسباب ومؤشرات جعلت روسيا وبوتين شخصياً يصدر هذا القرار المفاجئ بسحب قواته من سوريا , على رأس هذه الأسباب … الضغط الشعبي الداخلي , هبوط أسعار النفط وعدم قدرة روسيا تحمل تكاليف الحرب الباهضة , التي لا جدوى منها , بعد أن أيقنت أنها تراهن على حصان خاسر ونظام زائل لا محالة , بسبب صلابة الموقف الشعبي السوري , وقوة المعارضة والجيش الحر , ناهيك عن استلامه أسلحة متطورة بامكانها اسقاط الطائرات الروسية , هذا بالإضافة للموقف العربي الإسلامي وكذلك التركي الداعم للشعب السوري باختيار حكومة وقيادة جديدة له , وكذلك الموقف الأوربي المتمثل بدعم الاتحاد الأوربي للموقف التركي , وقبول تركيا ضمنياً كعضو جديد له قريباً , مقابل أن تكون سد منيع لأوربا بوجه جميع شعوب دول الشرق الأوسط . ومن أجل وقف الهجرة غير الشرعية التي باتت كابوس يؤرق ويقض مضاجع القادة والزعماء الأوربيين وعلى رأسهم الزعيمة الألمانية السيدة أنجيلا ميركل .
نجزم بأن الرئيس الروسي فلادمير بوتين قد باع بشار الأسد بثمن بخس جداً ربما أقل من خمسة روبلات وليست مليارات !؟, وسيتخلى عنه تماماً ليذهب هو ومن هم على شاكلته إلى مزبلة التاريخ غير مأسوف عليهم , كونه أصبح عبء ثقيل جداً على روسيا وحتى على إيران وحصان خاسر … إن لم يكن ” زرافة ” في الحديقة الإيرانية أو متحف الشمع الإيراني . © 2016 Microsoft الشروط الخصوصية وملفات تعريف الارتباط المطوِّرون العربية