23 ديسمبر، 2024 2:05 ص

باص الخشب بين الذكريات والانقراض

باص الخشب بين الذكريات والانقراض

كانت وسائط النقل محدودة جدا وخاصة السيارات التي تقوم بنقل ابناء القرى الى مركز المدينة وعادة ما تجد باص مصنوعة صفائحه من الخشب موجود في كل ناحية او بعض القرى مع تواجد عدد قليل من السيارات الصغيرة ((التاكسي)) واغلبها من ماركة شركة شيفرولية وموديلاتها مصنوعة في منتصف خمسينات القرن الماضي وبعده ولايملك تلك السيارات الا اشخاص محددين وكانت حصة ناحية الشورة وقراها باص خشبي يمتلكه الحاج جاسم الاحمد الجزاع لينتقل بعده الى ابنه الكبير الحاج علي الجاسم رحمهم الله.. وكان هذا الباص يقوم بجولة صباحية داخل قصبة الشورة مع صوت الهورن المتعارف عليه لينبه الاشخاص الذين يرومون الذهاب الى المدينة بالتهيؤ للانطلاق ويقف بعدها في مكان معين تقصده الركاب لينطلق بعدها مع محطات للوقوف في كل قرية يمر بها وكان سائق الباص يلتفت يمينا ويسارا عسى ان يرى راكب من بعيد ليقف بانتظاره وكان الطريق في بعض مناطقه مخيف وغير آمن لوجود مرتفعات عالية ويكون فيها الطريق بصورة ملتوية وخاصة في منطقة البوسيف القريبة من مدينة الموصل…
كانت اجرة الباص لا تتجاوز الدراهم المعدودة ولمن لا يعرف الدرهم من الاجيال الجديدة فالدرهم يعادل خمسين فلس والدينار يعتبر عشرين درهم يعني الف فلس،… وكان هذا الدينار لا يراه الا اصحاب الرواتب والتي تسمى ((معاش)) والاشخاص الذين نطلق عليهم كلمة ((زناگين))..
كان باص الخشب مقسم الاعدة خانات وعادةً الخانة الاخيرة تكون للمواشي التي يروم اصحابها ببيعها في المدينة اما بقية الخانات للركاب واذا اكتمل العدد فربما يضطر بعض الاشخاص للصعود في خانة المواشي وعادة ما تحدث بعض الطرائف في هذه الخانة او ما نسميها اليوم ((الحوض))…
كان باص الخشب جزء من المشهد اليومي الذي يمر امامنا بالنسبة لنا ابناء القرى التي تقع قريبة من الشارع العام وكانت اعدادها في منطقة جنوب الموصل لا تتجاوز اصابع اليد فكل ابناء ذلك الجيل يعرفون اصحاب اسمائها ويتذكرون باص عبدالله العبيد وباص مصطفى الحنفيش وباص احد السادة لا اتذكر اسمه وربما تخونني الذاكرة عن ذكر البقية…..
كانت لهفتنا ممزوجة بالفرح عند توقفه امامنا وينزل منه الركاب والذي كنا نطلق عليهم اسم ((حوادير)) وعيننا تراقب ما يحمله هذا الحادور من اكياس مصنوعة من الورق في يديه او موضوعة في وعاء مصنوع من السعف يسمى (( گوشر )) والجميع يتسابقون لمساعدته في حمل تلك الاكياس لأننا نتأمل ان يكون مسواگ الحادور فيه نوع من الفواكه او الحلويات والتي عادة ما تكون قطع مصنوعة من مادة السكر ونسميها بنفس الاسم وعسى ان تكون ربة البيت كريمة لتعطينا مما جلب لها رب الاسرة…
كانت حياتنا افراحها بسيطة وغير مصنعة وكنا نقضي يومنا باللهو بألعاب تعتبر بدائية مقارنة بعصرنا الحديث ولم تجد بين اكوام القمامة علبة معجون او دهن فارغة الا وقمنا باستغلالها بصناعة لعبة نتفاخر بها اسوة بكل الالعاب البدائيّة المصنوعة في حينها اما ان تكون اطار دراجة هوائيّة خارج عن الخدمة او غطاء لقناني المشروبات الغازية والذي يطلق عليه كلمة ((سيفون)) لنقوم بربطها بقطعة لا ستيك رفيعة ونضع في وسطها قطعة من (بكرات) الخياطة الفارغة ونصنع منها عجلة تستطيع الحركة بصورة دائرية…
ايام عدت وطوى صفحاتها الزمن ورحل اغلب اصحابها ونحن نعيش اليوم على ذكرياتها تحيط بنا من كل الجوانب العصرنة الحديثة. مع توفر كل وسائل الراحة من وسائط نقل مريحة وطرق معبدة وغيرها من متطلبات الحياة ولاينقصنا سوى راحة البال المشغول في هموم الدنيا دائماً…
ياباص الخشب ما بيك تبريد
وچانت گعدتك حسرة علينا
گضيناها يباص الخشب وياك
فرحانين وبلهفة تناغينا
ما ترجع يباص الخشب دنياك
لان حاضرنا جاهز وانت ماضينا
يباص الخشب موبس انت ماضي اليوم
ضيعنا الدرب ماتوا اهالينا
༺༺༻༺༻༺༻༺༻༻
ملاحظة.. كتبت هذه المقالة بناء على طلب صديقي وزميل الدراسة العميد الركن رافع حميد حويجة والذي عاش طفولته المدلل لوالده رحمه الله ومثل مايگول المثل ((شبعان كباب )).. تحياتي للجميع