23 ديسمبر، 2024 3:32 م

الغرامات على المشروبات الكحولية والموطا والحلويات

الغرامات على المشروبات الكحولية والموطا والحلويات

نشرت ( االوكالات ) وثيقة صادرة من وزارة المالية / الهيئة العامة للكماراك بالرقم 8160 في 5/ 4 / 2018 طالبت من خلالها المنافذ الحدودية كافة بفرض غرامة مالية على المشروبات الكحولية المستوردة بنسبة 200% ، فيما فرضت ضريبة على الحلويات والمثلجات ومنتجات الألبان والعصائر والمشروبات الغازية المستوردة بنسبة 25%، وحسب المصادر التي نشرت الخبر فان الأمر التوجيهي بفرض الغرامات والرسوم يستند إلى احد النصوص الواردة في قانون الموازنة المالية الاتحادية لعام 2018 ، والهدف منه هو الحد من الإنفاق على السلع غير الضرورية وتنويع وزيادة مصادر إيرادات الموازنة وعدم الاعتماد الكلي على مبيعات النفط أو لتشجيع المنتج المحلي ودعم الاقتصاد . لقد انتظر الكثير وطيلة العقود والسنين الماضية إصدار قرارات متأنية ومتدرجة تتعلق بزيادة الغرامات على المشروبات الكحولية لتقليل تعاطيها وحماية صحة المواطنين وتقليل الهدر في العملات الصعبة التي تذهب للاستيراد وجعل استخدامها لدى فئات محددة لمنع انتشارها لدى القاصرين والشباب ، ولم تجدي الدعوات المتعلقة بالموضوع حيث لم يتوقف استيراد المشروبات الكحولية قبل وبعد 2003 ، وبين الحرام والحلال وتقييد الحريات الفردية ولكي تتاح بعض المرونة للديانات الأخرى والبعثات الدبلوماسية صدرت المادة الخاصة بالموضوع في قانون موازنة 2018 ، وهي ليست أفضل الحلول ولكنها واحدة من البدائل التي يمكن اللجوء ليها في الوقت الحاضر ، والسبب إن الوضع الأمني غير مسيطر عليه بالكامل لذا فان المنع الكامل يمكن أن يؤدي إلى ترك ثغرات لتمويل الجماعات المتطرفة إذا استخدم تهريب المشروبات سبيلا للتمويل ، كما إن هناك من لديه تحفظات من موضوع المنع الكامل خوفا من استشراء وانتشار الحشيش والمخدرات التي تحاول بعض دول الجوار جعل العراق ممرا آمنا للتهريب والتعاطي والإدمان ، ويستند البعض إلى تجارب بعض المحافظات التي حظرت بها المشروبات الكحولية بهذا الخصوص إذ تحولت بعض المناطق إلى أماكن جذب للمخدرات للتعويض عن المشروبات الكحولية التي منعت على عجل دون دراسة ما سيتبع ذلك من خراب ، والأمور التي تثير التساؤلات إزاء الموضوع تقع في عدة احتمالات أولها ان موعد تطبيق الغرامات قد حصل فجأة وهناك مواد مستوردة ومخزنة بمليارات الدنانير ستذهب إلى جيوب التجار وتجار التجزئة فبضاعتهم مخفية بسبب زيارة الاستشهاد الإمام موسى الكاظم ( ع ) في بغداد وبشكل يسهل تسريبها وبيعها بالأسعار الجديدة وتحقيق أرباح احتكارية كان من المفروض أن تذهب إلى خزينة الدولة ، والثاني هو احتمال إن تكون الزيادة محفزا للبعض في زيادة حالات الفساد في المنافذ الرسمية أو ولوج منافذ غير رسمية للتهريب من خلال المردودات العالية من الغرامات أو بدائلها وثالثها احتمال تنامي الصناعات المنزلية والمحلية غير المجازة صحيا للمشروبات الكحولية مما يعني ظهور حالات التسمم والوفاة وغيرها من المشاكل الصحية ونشير بهذا الخصوص ان صناعة الكحول منزليا عملية بسيطة وبدائية ولا تحتاج إلى تقنيات وهي رائجة في بعض المناطق والعزوف عنها حاليا هو بسبب رخص أسعارها في الأسواق الداخلية ولكن هذه الصناعة من السهولة جدا تحولها إلى سموم عند حصول خطا في احد المراحل أو بسبب نقص الخبرات وقد تكون نتائج الخطا فيها هو الموت المحتم وأكثره ليس فجائي ، أما الاحتمال الرابع فيتعلق بارتباط رفع الأسعار على الأوضاع الاجتماعية فالإدمان على الكحول مرض وتنتقل آثاره على العائلة والعمل والعلاقات الاجتماعية مما قد يولد بعض المشكلات ويسهم في زيادة الرشاوى والمخالفات الإدارية وعلى الجريمة لتدبير قيمة المشروبات بعد رفع غراماتها بنسبة 200% ، وتعني هذه الغرامات مضاعفة الأسعار إلى الضعفين على الأقل بمعنى إن سعر العلبة الذي كان بعشرة آلاف دينار سيتحول إلى 30 ألف دينار على الأقل وهو ليس سعرا رادعا ويحوله إلى 200 ألف مثلا كما انه ليس معتدلا فيجعله من 20 إلى 30 ألف دينار مثلا ، ويبقى السؤال لماذا تم شمول المشروبات الكحولية بالزيادة في حين إن السكائر لم تشمل بزيادة الأسعار طالما إن الهدف ليس شرعيا وإنما لزيادة إيرادات الموازنة ، والسكائر أكثر استهلاكا من الكحول ويتم تهريبها للخارج نظرا لفروقات الأسعار كما إنها تسبب أضرارا لمستخدميها وغيرهم من المضطرين على استنشاق السموم ؟ .
وفي الوقت الذي نرى فيه أهمية وضرورة فرض الرسوم العالية على بعض السلع المستوردة مع زيادة الغرامات عليها مثل السكائر والعطور والألبسة الجاهزة والإكسسوارات والمشروبات الكحولية ، ونقصد الضرائب التي فرضت على الحلويات والمثلجات ومنتجات الألبان والعصائر والمشروبات الغازية المستوردة بنسبة 25%، فإننا نستغرب فرض الرسوم على السلع الأخيرة مادامت لم تحقق الاكتفاء الذاتي في الإنتاج ووجود حاجة إليها لأغراض الاستهلاك وإشباع حاجات المستهلكين وهي منتجات بسيطة ولا تشكل عبئا على الاقتصاد الوطني كما ان استيرادها لا يشكل أرقاما عالية في التحويلات الخارجية التي يتولاها البنك المركزي العراقي ، فالرسوم ستزيد من أسعارها في أسواقنا المحلية وبذلك تحرم الكثير من العوائل منها رغم أهميتها في السلة الغذائية مثل منتجات الألبان والعصائر آخذين بنظر الاعتبار إن الجهات المنتجة لم تتخذ الإجراءات الكفيلة لتعويض المستورد من خلال الصناعة الوطنية ، ومن بين الأمور التي تستحق التساؤل ما يتعلق بزيادة الرسوم الكمركية في وقت تمنح فيه التسهيلات للتصدير للعراق ، إذ أصدرت الجهات المعنية قوائم تضم مئات السلع المعفية من الرسوم الكمركية عند استيرادها من الأردن بموجب اتفاقية وقعت لهذا الغرض مما سيشجع المملكة الأردنية الهاشمية من إنتاج وتصدير السلع الخاضعة للرسوم الجديدة لغرض إيجاد موطأ قدم في الأسواق المحلية ، وكنا نتمنى أن يكون هناك منع وتسعيرة عالية تحقق أهداف الموازنة الاتحادية بدل شمول ( الموطا ) بهذه الزيادات ، ونقصد بالذات هنا وقف استيراد السيارات والدراجات النارية والأجهزة الكهربائية والسلع الكمالية وزيادة التضييق على السلع التي تنافس المنتج المحلي مثل السجاد والأقمشة والمنتجات الحيوانية والفواكه والخضر ( داخل مواسمها ) والتمور بدلا من اختلاط الأمور ، فالأمور اختلطت لدرجة إن احد المسؤولين قال في إحدى وسائل الإعلام إن التمور لا يمكن شمولها بالمنع والتقنين لان التمور العراقية ليست من الصناعات التحويلية متناسيا إن التمور الخام تصدر من باب الاضطرار بعد إغراق الأسواق بالمنتجات لان صناعتنا من التمور تخلو من حماية بالمعنى الصحيح وهذه الحماية ادت إلى انخفاض أسعار النفط بعد تدني أسعارها التي لا تغطي التكاليف .
ويتضح من خلال ما تقدم إلى حتمية تقنين المستورد وإعطاء الحماية للمنتج المحي على أن يكون ذلك بصورة تكاملية وترابطية وتأخذ بنظر الاعتبار الجوانب كافة فيما يتعلق بأركانها الاقتصادية والاجتماعية والنفسية من ترك ثغرات تكون ملاذا للحرمان والفساد فالمشروبات الكحولية ليس لها علاقة بالموطا وفرض رسوم بنسبة 25% لا يعادل مليارات الدولارات التي يبيعها البنك المركزي العراقي لاستيراد مختلف السلع بضمنها سلع غير ضرورية ويمكن الاستغناء عنها ، كما إن المنع لا يعني تحريمه من جهة وفتح ثغرات له من جهة أخرى من باب المجاملات أو لدعم مواقف محددة ليس علاقة بها بالموضوع ، ومن المفروض أن يكون تحديد سياسات التسهيل والتقييد من قبل جهات معينة تكون كل الإطراف المعنية بها ممثلة في اتخاذ القرارات أو صياغة المقترحات لأنها ليست أعمال مكتبية يتم التعامل معها بيروقراطيا وإنما عملية سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية ونفسية ولها جوانب وتداعيات تسهم في وضع استراتجياتها بهذا الخصوص ، ومن الممكن الاستفادة من تجارب دول أخرى مرت بمثل ظروف العراق فلاطلاع على تلك التجارب وهذا أفضل كثيرا من التخبط والاعتماد على سياسات الصدفة والمحاولة والخطأ .