18 ديسمبر، 2024 9:03 م

باريس تمنع التضامن مع الفلسطينيين!

باريس تمنع التضامن مع الفلسطينيين!

منع وزير الداخليه جيرار دارمنان تظاهرات دعم الشعب الفلسطيني في باريس ضد الهمجية الإسرائيلية المستمرة منذ اكثر من أسبوع على غزة ، لكن هذا المنع انقلب الى حدث وأصبح خبرا تتناقله الوكالات العالمية والتلفزيونات مما يسيء بشكل واسع لصورة فرنسا ليس في المنطقة العربية فحسب بل وفي وفي أرجاء العالم. خلال أسبوع تغير الخطاب الحكومي الفرنسي والإعلامي الذي بدأ بدعم تام وكامل للدولة العبرية وحكومة نتنياهو اليمينية، اذ وبسرعة ، ومن اليوم الأول اتصل ماكرون برئيس السلطة محمود عباس” ليدين بشدة اطلاق صواريخ من قبل حماس وما سماه “بالمنظمات الإرهابية “الأخرى التي تضع في خطر سكان تل أبيب ويؤذي أمن دولة إسرائيل”، اما وزير الداخلية جيرار دارمنان فقد نشر تغريدة يبرر فيها منعه للتظاهرات وهي انها ستسبب كما في عام 2014 بأضطراب للأمن العام معتبرا ان ما يجري هو توتر في الشرق الاوسط ! تبع هذه التصريحات مجموعة أخرى من الشخصيات اليمينية المتطرفة وشخصيات من الحزب الاشتراكي مثل مارين لوبن ورئيس الوزراء السابق مانويل فالس بالإضافة الى شخصيات من اليمين التقليدي الذي يتهيأ للانتخابات مثل فاليري بيكرس وبرونو راتاليه التي اقتنصت الفرصة لتعبر عن دعمها للكيان الصهيوني.
وفي اليوم التالي بدأت كثير من المجلات والصحف الفرنسية والقنوات بتغطياتها المنحازة لإسرائيل ووحشية جيشها ضد الفلسطينيين بطريقة لا علاقة لها بالمهنية ولا بمعايير المبادئ والحقائق بل تتغذى من مشاعر العنصرية والاسلاموفوبيا السائدة والمتزايدة منذ وصول ماكرون للحكم، وليكرسوا المقالات والمداخلات حول الشعب الإسرائيلي المسالم متجاهلين الاخبار التي تتناقلها الوكالات وقنوات التلفزيون من استهداف الجيش الصهيوني وقصفه للمدنيين وللموتى بالعشرات من نساء ورجال وأطفال ومن اعتداءات المستوطنين المتطرفين تساعدهم الشرطة لطرد الفلسطينيين من أراضيهم والاستيلاء عليها.
بل ان الشرطة الفرنسية ، وهذا يحدث لأول مرة وهي سابقة خطيرة جدا ، قد ألقت القبض على رئيس جمعية التضامن الفرنسي الفلسطيني السيد برتران هيلبورن عند خروجه من وزارة الخارجية بعد لقاء مع مسؤول عن الملف الفلسطيني والشرق الأوسط وتم أيقافه طوال اليوم بحجة دعوته لتظاهرة لمناصرة الشعب الفلسطيني. يقول السيد هيلبوورن انه لم يكن هناك في أي يوم من الأيام مشكلة مع الشرطة لتنظيم تظاهرة من اجل فلسطين ، لقد ذهبت مع النائبة ريموند بونسيه والنواب ايلزا فوسيون وسابين روبن وممثل عن الاتحاد اليهودي الفرنسي لوزارة الخارجية لمناقشة الأوضاع في فلسطين وعندما اردنا الخروج من الوزارة قال لي ثلاثة من الموظفين انني موقوف وقد رفعت الصوت لكي يعلم مرافقي بما قيل لي لكي يتصرف زملائي. بعدها تم اقتيادي مقيد اليدين كأي مجرم. لقد تظاهرنا قبل ان نعرف ان البوليس رفض طلبنا وعندما علمنا بالرفض قمنا باخبار جميع المتظاهرين ولم يكن هناك أي مشكلة ولا اخلال بالأمن. ان أيقاف رئيس جمعية التضامن الفلسطيني الفرنسي بهذه الطريقة وتسجيل ادانات للنقابيين المعروفين المشاركين بالتظاهرات في نفس هذا اليوم هو سابقة خطيرة في فرنسا لقمع الرأي الآخر لان القوانين تمنع حظر التظاهرات. وهذه التظاهرة لا تتناقض مع قانون الطوارئ المعمول به منذ سنوات، بل انه اجراء بوليسي لردع الفرنسيين من أصول عربية لدعم القضية الفلسطينية والتضامن مع الشعب الفلسطيني ولتحقيق رغبات الجمعيات الصهيونية وشخصياتها الضاغطة والمؤثرة هنا بشكل واسع في ظل حكم الرئيس ماكرون.
ورغم منع وزارة الداخلية للتظاهرة الا ان كل الجمعيات التي وقعت عليها قد أكدت على استمرارها وحضورها. ولأول مرة تقوم وزارة الداخلية بتحضيرات واسعة لمنع وصول المتضامنين اذ قامت بغلق المواصلات المؤدية الى المكان وتسيجه بالشرطة من مسافات بعيدة قبل ساعات على موعد التظاهرة، ومع تجمع الالاف المتظاهرين أرسلت الشرطة خراطيم الماء والقنابل المسيلة للدموع، كما شارك في قمع وتفريق التظاهرة خيالة وماطورات وتمت ملاحقة المتظاهرين حتى الى داخل الشوارع الفرعية من الحي ولساعات.
وتجاوز منع التضامن الى منصات التواصل الاجتماعي اذ منع الناشطون المعروفون في الساحة الفرنسية من منصات فيسبوك لقطع التواصل بين النشطاء وبين الآخرين ومنع مشاركة أي معلومات واخبار وتداولها حول ما يجري في الداخل الفلسطيني.
في اليوم السادس من الاعتداء الإسرائيلي تغير خطاب الساسة والاعلام حينما ظهر ان فرنسا هي الدولة الوحيدة في العالم التي منعت تظاهرات التضامن مع الشعب الفلسطيني، لكن هذا الخطاب الجديد لم يتنازل عن اساءاته حيث بدأ بالتحجج بأن التظاهرات معادية للسامية وانها تسبب تعكيرا للأمن، ليس ذلك فحسب بل ان الاعلام الداعم لإسرائيل بدأ بأبراز الشخصيات اليهودية التي تلفق وتخترع وتشوه الوقائع الموثقة بالصوت والصورة حول بعض احداث التظاهرات في الأعوام المنصرمة لإدانه الشباب العربي بمعاداة السامية بينما في الحقيقة وفي كل تظاهرة تضامن مع الشعب الفلسطيني تسمح الشرطة الفرنسية لاعضاء في رابطة الدفاع اليهودي وهي مليشيا ممنوعة في إسرائيل والولايات المتحدة وتسمح بها الحكومة الفرنسية للاعتداء على المتظاهرين وعلى الشخصيات المهمة التي تساند القضية الفلسطينية بل ان الحكومة الفرنسية تتغاضى حتى عن اعتداءات أعضاء هذه المنظمة على الشرطة الفرنسية نفسها .وغالبا ما يتسائل بعض السياسيين الفرنسيين المستهدفين من هذه المليشيا عن سبب عدم القاء القبض او معاقبة من اعتدى منهم وطعن بالسكين شرطيا فرنسيا وطرد نائبا برلمانيا من احدى التظاهرات !
منع الحكومة الفرنسية تظاهرات التضامن مع الشعب الفلسطيني هو تحقيق لما تطالب به الأوساط الصهيونية لأنها هي التي تحرض ضد العرب وضد الفرنسيين من أصول عربية ، هي من تقود حملات شيطنة الشباب العربي ونشر الاسلاموفوبيا من اجل منع هذه الجالية من التعبير عن مساندتها لفلسطين ، من اجل تحييد ملايين من المساندين للحق في واحدة من اهم الدول الاوربية ومنع الشعب الفرنسي من الاستمرار في مساندة الشعب الفلسطيني .
بعد أسبوع من الاعتداءات الصهيونية على الشعب الفلسطيني يبدو منع الحكومة الفرنسية لتظاهرات التضامن اجراءا متواطئا مع العدوان وهو ما ردده الشباب المتظاهر في شوارع باريس من هتافات : إسرائيل تقتل ، ماكرون متواطئ”. وهو ما تضمنته أيضا رسالة شخصيات بارزة سياسية من المجتمع المدني الفرنسي الى الرئيس ايمانويل ماكرون تحتج بها على مساواته بين الضحية والمعتدي تذكره بأعتداءات قطعان المستوطنين وهتافاتهم “الموت للعرب” وسرقة هؤولاء للبيوت والأراضي الفلسطينية كما تذكره بقيام الإسرائيليين
بدخول الأقصى في شهر رمضان بينما يصوم المسلمين ويؤدون شعائر دينهم لتعتدي عليهم وتلقي قنابل الغاز وتقول له ان هذه الاعتداءات ليس فردية بل هي حكومية يشجعها نتانياهو وحكومته وحزبه. هذه الرسالة لا تعبر فقط عن نخبة فرنسية من السياسيين والمثقفين لان الحقيقة هو ان غالبية الشعب الفرنسي يدعم الحق الفلسطيني بل ان هذا الدعم الواسع والمتزايد عاما بعد عام منذ عقود هو ما تحاربة الأوساط الصهيونية في فرنسا لانها تخاف من نزع شرعية الكيان الصهيوني بمثل هذا التأييد الشعبي الفرنسي. في كل مكان يعمل الكيان الصهيوني على تجميل صورته امام الرأي العام العالمي ويصرف الملايين بينما الأوساط الصهيونية في فرنسا تدفع للإساءة لصورة فرنسا في الداخل والخارج.
تتوهم هذه الأوساط ان بإمكانها تحييد أكثر من خمسة ملايين مسلم وعربي من التضامن مع الشعب الفلسطيني وحقه في ارضه، فمثلما تولد أجيال فلسطينية وعربية لتحمل الراية ممن سبقها فالأمر لا يختلف هنا : اجيالا جديدة تولد في فرنسا وتكبر متمسكة بدعم الحقوق لا تتنازل ولا تذعن للإرهاب الفكري الصهيوني الذي يريد ان يملي عليها اكاذيبه وإملاءته.