18 ديسمبر، 2024 10:13 م

بارونات الطائفية السياسية في العراق وشعبه المسكين

بارونات الطائفية السياسية في العراق وشعبه المسكين

في البدء أود أن أعرج على مفاهيم أساسية في السياسة والسياسيين. لقد قيل الكثير في السياسة ومفاهيمها وأساليبها وطرقها. وقد تندر الناس في حكايات أفذاذها أو خيبات أمل من لم يسعفه الحظ في تدبير أمورها. إختلف الناس في أخلاقيات رجالاتها، فمنهم من فرق بين السياسة والأخلاق وجعلهما على طرفي نقيض، في حين عد آخرون المبادئ الأخلاقية أساساً وشرطاً لممارسة السياسة والنجاح فيها. ويقف واقع الحال محيراً بين هذا الرأي وذاك.
والحقيقة التي قد تغيب عن البعض هي أن السياسة، كما يصفها البعض بصدق ودقة، هي علم العلوم. فهي علم فصاحة وإدارة وإقتصاد وأخلاق وعلم نفس واجتماع ودبلوماسية وتاريخ وفلسفة، لا بل ورياضيات وهندسة! كما أن للسياسة في رجالاتها متطلبات أخرى بما فيها الشخصانية البحتة. فهناك من السياسيين من له من الجاذبية والتأثيرية في نفوس وعقول الناس ما يميزه عن غيره من السياسيين الآخرين مثلاً، والعكس بالعكس صحيح.
ولكن هل السياسيون بحاجة الى الحيلة والتحايل أحياناً، أو حتى النفاق والمرءآة والخديعة والخيانة والغدر أحياناً أخرى من أجل تحقيق أهدافهم؟! لقد عجت كتب التاريخ والسياسة في هذا الشأن بجميع القصص والحكايات الصحيحة منها وغيرالصحيحة!
لقد مارس السياسة قادة وحكماء ومصلحون ورسل وأنبياء… وقد مارسها كذلك طغاة وجهلة وطائشون وفاسقون فاسدون ومفسدون…
ولم يرو لنا التاريخ عن سياسي أحبه وأعدله جميع الناس… ولم تأت الكتب على ذكر من لم يخطئ في حكم هنا أو فعل هناك… لكن جميع من مارس السياسة لم يكونوا، بالطبع، سواسية في أعين الناس وفي ضمائرهم وأحكام التاريخ، وهي مسألة تدعمها افعالهم وآثارهم.

وعودة الى الطائفية السياسية في العراق وشعبه المسكين:
كل السياسيين في العراق تقريباً، لا سيما القادة منهم، يلعنون الطائفية والمحاصصة ويعتبرونها المسؤولة عن خراب العراق! كثير منهم لم يعرف الطائفية ولم يتحزب لها إلا عندما وجد فيها الطريق والوسيلة إلى السلطة والجاه والثروة. حتى قسم أولئك الذين كانوا في الزمن الماضي قوميين وماركسيين وعلمانيين حد النخاع يتبنون اليوم الطائفية ويضربون بعصاها السحرية…
لم نكن نعرفهم أنهم من آل البيت، ولم نكن نعرف الآخرين أنهم من أصحاب رسول الله! هكذا فجأة رفعت رايات الحسين الخضراء ورايات لا اله الا الله السوداء!
من المعروف أن العراق بلد غني بثرواته الطبيعية ومنذ الأزل، وهو ما كان وراء كثير من النزاعات والغزوات والاحتلالات. كما أنه عريق بتاريخه وحضاراته، ويكفي انه من عاش فيه إخترع الكتابة وسن القوانين التي شكلتا دعامتي التقدم والتعايش المجتمعي لعموم الإنسانية. لكنه شهد ويشهد بين الفترة والأخرى فترات تناحر وصراع دموي قل مثيل جهله وغبائه الإنساني. إنها مفارقة عجيبة حقاً!
ومنذ بعض القرون من الزمن يعيش العراق تخلفاً على جميع الصعد، ومنذ بعض العقود منه صراعات دموية من أجل الاستحواذ على السلطة والجاه والثروة. فاقتصاد العراق إقتصاد ريعي وثروته ودخله في الوقت الحاضر هي مبيعات نفط، ومن يجلس في كراسي الحكم ويشرع قوانينه يستحوذ على حصة الأسد من ذلك الريع…! ولهذا وعلى ذلك يدور الصراع بغض النظر عما يتستر به البعض الكثير منهم…!
فالرئاسات الثلاث محاصصة، والكابينة الحكومية محاصصة، والهيئات الدبلوماسية محاصصة وكل مستوى يسيل له اللعاب محاصصة!
كما شملت المحاصصة، وإمعاناً في تطبيقاتها، وظائف الدرجة الثانية وحتى الثالثة من الرئاسات والوزارات والإدارات العامة وغيرها.
هذا الوضع دفع بالكفاءات من علماء ومفكرين ومتخصصين وأصحاب الخبرة والقابلية إلى أمر من أمرين: الإنضواء تحت ظل أحد الأطياف السياسية، صدقاً أو نفاقاً او انتهازية، أو الانزواء والانسحاب من ميدان العمل والابداع وبالتالي عدم المساهمة في بناء وخدمة الوطن!
وهكذا راح المتصارعون وداعموهم من خارج الحدود يبحثون عن ستائر وألوان تبيح لهم وتعينهم على تقاسم ونهش كعكة العراق وثروة شعبه الفقير المسكين المنكوب والمخدوع بسياسييه الذين فشلوا في تعمير البلاد ورفع انتاجها وتحقيق العدالة بين أبناء الشعب، ولم يكتفو بذلك، وأنما تسارعوا في نهب وسرقة ثرواته كما نوهنا إليه…
في العراق لم تعد قيم الشرف والغيرة الوطنية هي من يحكم تصرفات أكثر السياسيين ناهيك عن شروطها وضوابطها المهنية والأخلاقية الأخرى… وهذا بحد ذاته الداء الكبير….!
وأختتم بالتذكير باقوال كنا ألفناها في أحاديثنا: الظلم لو دام دمر، ولكل زمان دولة ورجال، وكيف تكونوا يولى عليكم… وبقوله تعالى: “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”