23 ديسمبر، 2024 8:37 ص

المال السعودي حين يجتمع مع السياسة الامريكية والتخطيط اليهودي ينتج لابد كارثة فكرية او اجتماعية ما ، ولا شك ان القوى الناعمة وعلى رأسها شاشة التلفاز صارت السلاح الأهم في خضم صراع الحضارات الذي خططت له أمريكا وتعاونت في تأجيجه مع حلفائها في الغرب والشرق ، ومنهم العرب .
لذلك حين تم زجّ شخصية ( سارة ) في الدراما الشهيرة ( باب الحارة ) كفتاة يهودية ( مضحية ) و ( كفوءة ) و( مخلصة ) و ( طيبة ) – وسط انهيار القيم والشخصيات خلال أجزاء المسلسل – جاء الى ذاكرتي تاريخ عائلة ( فوغر ) من ( آوغسبورغ ) الألمانية .
ان هذه العائلة اليهودية في عمقها وتاريخها ، والكاثوليكية في تسويق بعض الاعلام التجاري – وهو امر غريب جدا فهي من فجّرت ظاهرة البروتستاتنية – ، كانت الأولى في تاريخ الرأسمالية الحديثة وغلبة رجال المال على السياسة والدين والتاريخ ، واكبر مؤثر ربوي مؤسس للرشى وشراء الذمم .
بلغت الاسرة أوج تأثيرها في الفترة ١٤٠٠ – ١٥٥٠ م ، حين مارست العمل المصرفي الى جنب العمل التجاري ، وسيطرت على الأمراء وملّاك الأراضي . كان الجد يتاجر في المنسوجات ، وقد ترك عند وفاته ثروة كبيرة نسبياً قام ابنه باستثمارها ، ليترك بدوره في منتصف القرن الخامس عشر تقريباً واحدة من اكبر الثروات في آوغسبورغ .
استثمر أبناء هذه الاسرة المال في اقراض الأمراء في جرمانيا الكبرى ، في مقابل الاستحواذ على واردات الأراضي والمناجم . لتتحول ثروتهم الى قوة اقتصادية ضخمة جداً على مستوى العالم ، في عصر بداية الاستثمار بين رأسمال المال والحرفيين ، وفترة اختزان النقد والذهب .
وقد قامت الاسرة باستخدام كل الفنون المعروفة في إدارة التجارة ، وركزت على مبدأ خضوع راس المال والعمل لافراد أسرة ال فوغر . وقامت بأشهر وأقبح السلوكيات الاحتكارية في تاريخ أوربا ، حيث عقدت اتفاقيات مع مؤسسات عديدة لتضييق الخناق على المراكز التجارية الكبرى حينذاك مثل البندقية ، لرفع الأسعار وإعادة تشكيل السوق بناءً على جشع التجار لا على مبدأ العرض والطلب الطبيعي ، كما وضعت مجموعة من الوكلاء على أبواب المدن لشراء جميع المواد التجارية ومن ثم احتكارها وإعادة بيعها بأسعار مضاعفة .
وعند العام ١٥٠٠ م كانت الاسرة تتاجر بكل شيء تقريبا ، بالاضافة الى التعدين والمناجم والقروض والبريد ، وكانت لها علاقات متينة مع المقترضين من اباطرة ألمانيا والامراء الواقعين ضمن الرقعة الجرمانية او ما جاورها ، بل حتى مع رجال دين كانوا بحاجة الى المال لتغطية نفقات أعمالهم وتحركاتهم ، الى الدرجة التي إدارة فيها نهاية القرن الخامس عشر جزءاً كبيراً جداً من أموال البابا الكاثوليكي .
مع ذلك حاول العديد من رجال الدين الكاثوليك وضع حدّ لاجحاف هذاه الاسرة ، من خلال تحديد الأسعار ، الا انهم فشلوا في سعيهم لحماية المستهلك . فهذه الاسرة بلغت حداً خطيراً من كراهية الأوربيين لها بسبب رشوتها للنبلاء ورجال الدين والساسة ، بل كان هؤلاء المرتشون ذاتهم يكرهونها رغم حاجتهم لمالها ، لأنهم كانوا يعيشون الصراع بين قيمهم والحاجة المالية والاقتصادية التي استغلتها الاسرة فيهم .
وقد أدارت الاسرة فترة الصراع بين الكنيسة الكاثوليكية والبروتستانت ، من خلال ادارتها لثروات البابا الكاثوليكي وسيطرتها على امتياز بيع ( صكوك الغفران ) وحمايتها لمؤسس البروتوستانتية ( لوثر ) من خلال صنيعتها أمير ساكسونيا ، وبعد صناعتها لشمال ألمانيا ومركزها إنتويرب .
وبعد رشوتها لاعضاء هيئة انتخاب إمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة تم انتخاب صنيعتها ( شارل الخامس ) ، الذي منحها بدوره لأول مرة لقب النبالة ، الذي جعلها تمتلك حقوقاً رسمية في إدارة الأراضي .
وعلى الرغم من ان الثقافة التجارية الأوربية السابقة عليهم كانت ترى ضرورة ان تحقق الثروات منفعة عامة ، الا ان الى فوغر خروجا عن هذه الثقافة من خلال بدا ثقافة الرأسمالية الاحتكارية الحديثة ، الامر الذي رفع أسعار جميع المواد بشكل خيالي وسريع خلال فترة قرن من الزمان ادار فيه ال فوغر تجارة أوربا بما لم يسبق له مثيل مطلقا .
لقد ألغت ثقافة رأسمال الجديدة تأثير وتاريخ الأسر النبيلة صاحبة الأراضي ، ومن ثم ألغت جميع ملامح النبالة والقيم المتفق عليها بين هذه الاسرة ، لتضع إعادة رسم ملامح السلوك من خلال المال فقط .
ورغم سعي النبلاء والعلماء ورجال الدين وفقهاء القانون والعوام لتقييد عالم هذه الأسر المالية الكبيرة الا انهم فشلوا بسبب تاثيرات المال نفسه في السياسة والاقتصاد ، ليبدأ عالم اوربي جديد تنهار فيه القيم سريعاً امام المال . بل ان الثقافة والأدب أصبحت تحت تأثير راس المال الاحتكاري نفسه ، والذي كان بلا اخلاق فعلية ، وللقارئ ان يتصور كيف كان يتم انتاج الثقافة والفن ولأي هدف .
انّ أشهر الفضائح التي كشفت روح الخيانة لدى يهود أوربا تلك التي حدثت ضمن المنظومة الفرنسية ، بما يرتبط بمشروع ( القنال ) في ( بناما ). وهي الفضيحة التي ظهرت فيها اختلاسات مالية كبيرة تورّط فيها اليهود عام ١٨٩٢ م . عزز اثرها القبض على الضابط اليهودي الفرنسي ( دريفوس ) بتهمة الخيانة العظمى ، ورغم اعادة محاكمته مرتين ظلّت ادانته ثابتة بالأدلة ، لكنّ الحكومة الفرنسية عفت عنه لاحقاً ، واعادت له رتبته العسكرية ، ومرتبة الشرف ، وعوّضته ! ، وهو ما يكشف القوة التي لها وصل يهود أوربا حينذاك .
لقد كتب ( شاتوبريان ) في كتابه ( عبقرية المسيحية ) – بعد أنْ اعتبر العالم اجمع مدين للمسيحية برومانسيته وإبداعه وجماله وثنائه على ” موسى ” بصورة كبيرة وعالية – : ( انّ التاريخ القديم لبني اسرائيل ليس فقط تاريخاً واقعياً يسرد للغابر من الأيام ، وإنما هو ايضاً الوجه الذي تلبسه الازمنة الحديثة ) . ونرى كيف اتجه جملة من كتّاب أوربا ومثقفيها نحو مشروع ( هودنة أوربا ) .
لقد نشر الكاردينال ( كارو دودريغز ) اسقف سانتياغو عام ١٩٥٢ م كتاباً اسمه ( نزع النقاب عن سر الماسونية ) ، أوضح فيه انّه حتى الماسونيين الكبار من الدرجات ٣٢ و ٣٣ لم يعودوا يفهمون ما يديره ويفعله ( محفل الشرق ) ، ولم يعودوا يستوعبون الخطط العملية المستقبلية بعد ظهور ( بابك ) .
ويمكن ان نضيف انّ من اهم ما جاء به ( محفل الشرق ) ايضاً كان إلغاء المفاهيم الوطنية والأسرية ، وحتى على مستوى السكن ، صار التخطيط يتجه لالغاء الشكل الفردي المستقل ، وهو ما يطلق عليه ( البناء الأفقي ) ، والاتجاه نحو انعدام الاستقلالية ، من خلال ( البناء العامودي ) الصاخب .
انّ الانتشار اليهودي في أوربا ديمغرافياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً كان مركّباً ، حيث احتفظ اليهود – بذكاء – بوجودهم ضمن ( الطبقة الوسطى ) . وبذلك صار بامكانهم دغدغة مشاعر وأحاسيس الجمهور الأدنى للشعوب ، وكذلك التواصل ومخاطبة النخب الحكومية والاجتماعية .
ولو اننا اخذنا مثالاً لحركة اليهود في أوربا ، لكانت ( ألمانيا ) – مع إنجلترا – أفضل الأمثلة . فقد برز في تلك الدول الأوربية المهمة يهود كثر ، ولعلّ من مشاهيرهم ( كارل ماركس ) ، الذي يمكن من خلال دراسة تاريخه وبدعته الاشتراكية معرفة كيف يدير اليهود اللعبة العالمية . لقد تزعّم اليهودي ( ادوارد لاسكر ) حزب الأحرار الوطنيين ، الذي لعب دوراً مهماً في السياسة الألمانية ، كما لعب دوراً محورياً في نصرة الحركات اليهودية . فيما ساهم المتمول اليهودي ( بليخرودر ) بالاموال التي انفقت على حرب ١٨٦٦ م في عهد ( بسمارك ) .
وبعد الأزمة المالية التي احدثتها المصارف ، من خلال ضغط العملة ووقف القروض ، وعجز الأمريكيين عن تسديدها ، أراد الرئيس ( لينكولن ) الحد من نفوذ المصرفيين ، لكنّه اغتيل في عرض مسرحي عام ١٨٦٥ م . وفي عام ١٨٧٦ م سحب المصرفيون نصف السيولة النقدية من مجمل الولايات المتحدة الامريكية ، لتحدث أزمة جديدة ، كسبوا فيها اكثر من بليوني دولار ، تضاف لجيوب الروتشيلد . وتكفّل ( قانون إصلاح العملة ) بتجريد الفضة من قوتها في إسناد العملة الامريكية ، ليتم رهنها الى مخزون الذهب الذي يمله المصرفيون الاوربيون . وبعد عام ١٨٨٢ م حدثت أزمات مشابهة لما سبق ، خلقها المصرفيون . وفي عام ١٨٩٣ م احدث المصرفيون هلعاً عاماً لدى الشعب الامريكي ، بقرارهم سحب ثلث العملة من التداول ، فألقى الشعب باللائمة على الحكومة ، التي كان يتصورها تملك ذلك المصرف فعلا . وبعد اجتماع الصيارفة الكبار في لندن عام ١٨٩٩ م صار ( ج . ب . مورغان ) ممثلاً لعائلة روتشيلد في الولايات المتحدة ماليا . واندمجت مؤسسة ( مورغان ) المالية مع مؤسسة زميله ( دريكسيل ) المالية ، فأسستا ( هيئة التأمينات الوطنية ) عام ١٩٠١ م . ونلاحظ انّ هذه المؤسسات كانت ولازالت تستخدم تعابير ( الاتحادي – الوطني ) في وسم مؤسساتها الخاصة ، لخداع الشعب الامريكي ، والتغطية على صمت الحكومة وسهولة ابتزازها . وقد اشتركت المؤسسة الجديدة مع مؤسسة ( كوهن – لوب ) في احداث الرعب في ( وول ستريت ) عام ١٩٠٧ م . وفي إطار المعالجة التي اعتمدتها الحكومة الامريكية لسلسلة الأزمات هذه ، بعد حملة شعبية ألقت باللوم على الحكومة ، ان أرسلت ( نيلسون الدريك ) الى أوربا ، لمعرفة كيف تتخلص المصارف من ازماتها ، الّا انه عاد ولا من نتيجة معه . و ( الدريك ) هذا كان مقرباً من ( ال روكفلر ) ، عائلة اللص ، الذين صاروا وكلاء ( ال روتشيلد ) في الولايات المتحدة ، وهم من يتحكمون باقتصادها حتى اليوم ، ومن ابرز شركاتهم شركة النفط الامريكية الكبرى ( إكسون موبيل ) . حيث تزوج احد ابنائهم من ابنة ( الدريك ) . فيما جعل ( الدريك ) مشاوره المالي مؤسسة ( واربورغ ) ، المملوكة للروتشيلد . ومن ثمّ اصبح ( الدريك ) شريكاً في مؤسسة ( كوهن – لوب ) ، الى جانب ( يعقوب شيف ) ، الذي امتلك لاحقاً حركات النقل والمواصلات في الولايات المتحدة . ليقدّم ( الدريك ) لاحقاً – بعد اجتماعه بكبار الصيارفة في مقر مورغان في جورجيا – مشروع ( قانون الاحتياط الفيدرالي الامريكي ) عام ١٩١٣ م ، الذي سمح لاثني عشرة مصرفا بالاستحواذ على مجمل المال الاحتياطي . وهو المال الذي تمّ استخدامه في الحرب العالمية الاولى . هذا ما جعل الاميرال الكندي ( وليام غايكار ) يصدر كتابه ( احجار على رقعة الشطرنج ) ، بعد البحث الذي اثارته فيه الصدفة التي تتزامن فيها مجموعة من الحروب والاحداث في دول عديدة في الوقت ذاته ، والذي أوصله الى شبكة يهودية ، اسماها حكومة العالم الخفية ، تدير كل ذلك . وهو البحث الذي أعقبه عدة بحوث لشخصيات مختلفة ، منهم السيناتور ( جاك تبني ) بعنوان ( الإخوة الزائفة ) ، والذي تعرّض بسببه لمحاولة اغتيال ، خرج منها مشلولا .
نشر الكاتب اليهودي ( سعديا غراما ) في ( نيويورك ) قائلاً : ( النجاحات اليهودية في العالم متوقفة بالكامل على فشل كلّ الناس الآخرين . فقط عندما يواجه غير اليهود الكارثة الكلية يجيء الحظ السعيد لليهود ) . والمصرفي اليهودي ( جاكيوس اتالي ) كان واضحاً في بيان مذهبهم ، حيث أراد ( إنساناً متحرراً من كل القيود ، متحرراً من الجذور القومية ، والتقاليد الثقافية ، والعواطف السياسية ، والروابط العائلية الثابتة ) .
وقد كتب ( اسرائيل شامير ) في مقدّمته عن ( الكبّالا ) : (( … على نحو مماثل ، نادراً ما يفهم يهودي ما او يفهم ما يريده اليهود من أنفسهم ومن البشرية المحتارة . هذا العجز عن الفهم يؤدي بكثير من الرجال والنساء الطيبين لإعلان دعمهم ( او معارضتهم ) الى الجسم السياسي المدعو ” اليهود ” . ان تولد وتترعرع كيهودي لا يساعدك على الفهم ، تماماً كعدم فهمك لخطط الأركان العامَّة لمجرد كونك احد أفراد القوات الخاصة … )) .
أسس اليهودي الألماني ( كارل ماركس ) الشيوعية ، التي انجزت الثورة السوفيتية الكبرى ، فظلّ اليهود زعماء هذه المؤسسة في روسيا حتى ١٩٣٤ م تقريباً ، حين اطمأنّوا لرسوخ تعاليمها الإلحادية ، وسريانها نحو المارد البشري في الصين . في شرق أوربا – كما في بولندا وتشيكوسلوفاكيا – كانت أسوأ الأعوام هي التي سيطر فيها النفوذ اليهودي ( ١٩٤٥ – ١٩٥٦ ) . في العشرينات عانى الألمان البطالة والافلاس حين اصبح اليهود اثرى . وفي الولايات المتحدة انشأ اليهود إمبراطوريتهم القائمة حتى اليوم ، ليزدادوا ثراءاً ويزداد الشعب فجوات اجتماعية وطبقية ويُرتهن للمديونية المصرفية ، فازداد الانتحار .
من هنا يمكننا ان نفهم المعالجة التي أتى بها الكاتب الإنجليزي ( وليام شكسبير ) في قصته ( تاجر البندقية ) لشخصية اليهودي المرابي الجشع والدموي .
ان محاولة إظهار الشخصية اليهودية على نحو من الحنان والحب الاخوي او الإنساني يناقض حتى تاريخهم الداخلي المغلق ، اذ كانت جماعات اليهود المحلية في كل بلد تعادي الجماعات الجديدة الوافدة المهاجرة اليها لسبب ما ، فظهرت بينهم تسميات للتمييز العنصري كالسفارديم والقوراشيم والتوفاشيم وبعلي هاكيبوت وبعلي هاميتزنافيت ، ومثال ذلك ان يهود ( الغرانة ) حرّموا الزواج من يهود ( التونس ) في شمال افريقيا لفترة طويلة لأسباب عنصرية بحتة .
اننا اذا أردنا ان نستذكر دوراً ما ليهود سوريا الكبرى فعلينا البدء أولاً باستئناسهم التام للفتن الأوربية التي شقت عصا الوحدة بين المسلمين من الدروز وغيرهم وبين المسيحيين من الموارنة ، بعد ان خلقوا فجوات اقتصادية انانية وانتهازية كوكلاء غير مخلصين لاوطانهم يعملون في مصالح الدول الأجنبية ، حتى بلغوا من استغلال الانهيار الاقتصادي السوري نتيجة السياسة الرعناء للعثمانيين وانخداعهم بالنصائح الأوربية مبلغاً خطيراً حين صاروا راس المال الربوي الأخطر في المنطقة .