23 ديسمبر، 2024 1:43 م

بابل الاولى في الكوليرا .. الاسباب والمسببات

بابل الاولى في الكوليرا .. الاسباب والمسببات

قد يكون من المستغرب الحديث عن موضوع واحد يعتبر هو السبب او المسبب الرئيسي لاستمرار بقاء مرض الكوليرا في العراق لأن الاسباب متشعبة وعديدة لكن أعتقد أن المياه هي السبب الرئيسي لاستمرار ظهور هذا المرض في العراق وخاصة في فصول الصيف ,,نعم هناك عدة اسباب لكن الحقيقة أن كل هذه الاسباب تصب في موضوع المياه الملوثة التي يستسقي منها ابناء الريف بالذات قبل ابناء المدينة ولو أن ابناء المدينة لم يكونوا بمنأى عن هذا المرض لكنهم بنسبة اقل وأيضا الاسباب هي المياه الملوثة ..
من المعروف أن الريف العراقي هو المبتلى الاكبر بهذا المرض لأن هذه القرى والارياف تعاني منذ فترة من شح المياه الصالحة للشرب ولم تدخل ضمن البرامج التخطيطية في أحداث نقلة نوعية لإيصال الماء الصالح لهم عن طريق الانابيب او المشاريع في حقبات وفي أزمان الحكومات العراقية المتعاقبة على حكم العراق لذالك ضلت هذه التجمعات الريفية تعتمد اعتمادا كبيرا على المياه الواصلة ضمن الانهار والسواقي لقراهم واراضيهم وهي فقط من تمدهم بالحياة ويستخدمون المياه من تلك الانهر ومنذ عشرات السنين دون اصابة او مرض لخلو تلك المياه من جرثومة (ضمة الكوليرا)
واستمرار تدفقها وعدم وجود اي قحط او جفاف في تلك الانهار واستمرار الجريان يعني نظافة المياه .
بعد التحول في الحكم بالعراق اي في العام 2003 ووفرة الاموال وتخصيصها الى الحكومات المحلية لكل محافظة خاصة في سنوات الميزانيات الانفجارية سارعت تلك الحكومات كل في محافظته اومدينته لجلب مشاريع مياه ثابتة ونصبها على الانهار في القرى والارياف العراقية وفعلا ظهرت الى العلن عشرات المشاريع على تلك الانهار ولوحظ أن اختيار مناطق نصب تلك المشاريع تدخل فيه عدة عوامل منها المحسوبية وأستمالة الاشخاص في الانتخابات أو ربما العلاقات العشائرية او حتى الرشى والوعود الكاذبة من أجل ان تنصب تلك المشاريع ,,عشرات المشاريع في كل محافظة ظهرت الى
الوجود وبما ان الاشخاص اللذين يحكمون المحافظات او الحكومات المحلية هم اشخاص ليست لهم دراية بالأمكنة الصحيحة وعدم معرفتهم أختيار المكان الاصلح لنصب المشاريع التي تصل طاقة البعض منها الى 400 متر مكعب ولأسباب ذكرت سابقا نصبت تلك المشاريع واستبشر القرويون بتلك الضيوف على قراهم .. ولم تكن مدينة بابل استثناء عن تلك العلاقات وأعضاءها أغلبهم يسكنون تلك القرى والارياف وعلاقاتهم العشائرية تحكمهم بعدم التنصل عنها والابتعاد عن خدمة أهلهم وذويهم حتى لو كان ذالك على حساب الفائدة المرجوة من تلك المشاريع .
لكن للأسف الشديد أن تلك المليارات المبذولة على تلك المشاريع اصبحت عبارة عن خردة منصوبة في أماكن أحيانا تتفاجئ وأنت ترى مشروع ماء كلف المحافظة مليار ونصف المليار دينار عراقي مهمل وسط الصحراء او على شارع لا يمر عليه نهر او شط او حتى ساقية وربما يقودك الفضول الى التوقف ومعاينة الامر لتجد أن هذا لمشروع المكلف كل هذه الملايين لم يخدم هؤلاء الناس او لعلك تلتفت يمينا وشمالا وتستغرب بعدم وجود الناس بالقرب من هذا المشروع ولمديات تصل الى الكيلوات من المترات .
اكيد ستسأل من هو الغبي او الاحمق او السارق او الفاسد الذي جاء بهذه الالات الى هذا المكان ولماذا ؟
والجواب يأتي غريبا ايضا لو عرفنا ان هذا المشروع او ذاك جاء الى هذا المكان اما بسبب الامال الانتخابية والوعود او القرابة او بسبب الغباء ولو تمعنت النظر جيدا أمام هذا لمشروع لعلك تجد نهير جاف او ساقية او بقايا بركة ماء كانت موجودة في هذا المكان لكن وبسبب هؤلاء اللذين اتوا الى مجالس المحافظات او المحافظين او حتى المهندسين هم جميعهم اما جاءوا بالانتخابات الخطأ ووضعوا في اماكن خطيرة تمس حياة الناس وسلمت بايديهم المليارات ليختاروا المشاريع ويختاروا الاماكن ايضا او بعض المهندسين والمشرفين الناقصي الخبرة التي جاءت بهم الاحزاب
والمحاصصات السياسية والحكومية وأجلستهم في مناصب جدا خطيرة وبالتالي قاموا باختيار أماكن لا تصلح لتنصب عليها مشاريع مياه وبمليارات الدنانير والدولارات ..
هؤلاء اختاروا الاماكن الخطأ ونصبوا تلك المشاريع على الانهر الموسمية او أذناب الانهار او على البرك المؤقتة او على ضفاف الانهر الزائلة غير عادين في افكارهم وتوقعاتهم لمواسم الجفاف ولا لشحة المياه وقلة الامطار اي حساب واتخذوا قراراتهم بسرعة كسرعة وصولهم الى تلك المناصب وهذه المشاريع بوضعها المتعارف تحتاج لمناسيب عالية من المياه لتعمل على تصفيتها وليس الى برك او قيعان الانهر الصغيرة مما أدى الى اهمالها وعودة الناس والقرويين الى استخدام المياه المتوفرة لديهم والتي تستخدمها حيواناتهم وكلابهم وطيورهم الداجنة وهذا يؤدي بالتأكيد
الى عودة تلك الجرثومة الى الاستفاقة وإعادة الحياة لها ثانية وثالثة ونحن نعيش في العام 2015 ..
طبعا هذا المرض لم تتحدث به الدول ومنذ اكثر من خمسين عاما وأصبح ذكرى في التواريخ الدولية او حكاية من حكاية الجدات اليوم لأنه لم يعود الى الدول ذات البيئات النظيفة والمياه الغير ملوثة التي يستخدمها الناس وعدم وجود اي عائل او وسيط لنقل تلك الجرثومة القاتلة لأبناء تلك الدول .
اكيد ليس الماء وحده هو السبب لكن نسبة دخول الماء الملوث بتفشي المرض تتجاوز 80% اي هي النسبة الاعظم وكان من الممكن ان تتجاوز الحكومة العراقية ووزارة الصحة والحكومات المحلية ومنها حكومات بابل لو تدخلت بمهنية في عدم اهدار كل هذه المليارات وبناء مجمعات مائية فاشلة وغير مجدية بالاستعانة بوزارة الموارد المائية لاستشارتها وهي تنصب تلك المجمعات او وهو الحل الافضل الاعتماد على المشاريع العملاقة التي يصل مائها الى تلك المناطق الريفية ومعلوم ان هذه المشاريع العملاقة التي يصل انتاجها الى الالاف من الامتار المكعبة وهي تبنى على الانهار
الدائمة الجريان كالأنهار الكبيرة والتي لا تمر بفترات جفاف مثل شط الحلة الذي يمر بوسط وجنوب المحافظة أو نهر الفرات الذي يمر بمدينة الكفل هذه المشاريع توفر الكثير من الاموال اولا وثانيا من تقليل الايدي العاملة ناهيك عن عملها الرئيسي وهي تغذي بأنابيبها العملاقة الناقلة للمياه الصالحة للشرب الى تلك القرى والأرياف التي دائما ما تكون عرضة لهجوم هذا الوباء سنويا دون ان يجد من يحاربه ويتصدى له بالأسلحة الصحية المناسبة لأن الوعي الصحي في العراق غير متطور ولم تكن للحكومة برامج صحية توعوية لتثقيف المواطن من أجل الوقوف ضد هذه الامراض
السارية وكذالك وللأسف الشديد أن الحكومات دائما ما تخشى على سمعتها بعدم البوح او الاستعانة بالمنظمات الصحية الدولية والعالمية في كيفية التخلص من هذه الامراض هذه الخشية على حساب فقدان الارواح تعني انها لا تبالي بمواطنيها وكذالك لا تريد ان تستفيد من تجارب الدول التي سبقتها في التخلص من هذا الوباء الشرس .
ولا يمكن أن ننسى الدور الذي يلعبه المواطن ايضا في الحفاظ على صحته وعدم التعرض لمثل هذه الامراض لأنه المستهدف الاول وهو لا يهتم كثيرا ولا يستخدم الطرق الصحيحة في تفادي مثل هذه التعرضات والابتعاد عنه فهو لايريد أن يثقف نفسه ولا يريد أن يستخدم الحبوب والمواد المعالجة التي توفرها الدولة في تصفية المياه وقتل الجراثيم المعدية ودائما ماترى المواطن يدير بظهره عن هذه السلوكيات الصحية وفي بعض الاحيان يعتمد المواطنون وخاصة في الريف على العلاجات القديمة لتي ورثوها عن ابائهم وأجدادهم مثل الاعشاب والتي في أحيان كثيرة لا تقدم له العلاج ولا
الشفاء لذا صار على الدولة والحكومات اجبار المواطنين على الاستخدام الصحيح للمياه الملوثة بطرق بسيطة وسهلة مثل الغليان وأستخدام الحبوب المتاحة وتسيير الفرق الجوالة من أجل رصد الحالات المشكوك فيها قبل وقوع الكوارث .

[email protected]