19 ديسمبر، 2024 1:06 ص

بائع الصحون الملك ..وثائر المواطن 

بائع الصحون الملك ..وثائر المواطن 

كم تمنيت أن بائع الصحون في شارع الجمهورية بأن يكون ملك وأنا مواطن في مملكته لأعيش بسلام وطمأنينة ,بدأت القصة عندما اقتربت منه وتحدثت اليه عن حاله وأموره ووضعه وهو مثقل بالجراح وقسوة الأيام وغدرها وجزعها ,كلما سألته عن أمراً ما قال لي :أحمد الله وأشكره على نعمته الكبيرة التي لا تعد ولا تحصى ,وهو لا يمتلك قوت يومه ويشكر الباري على أي حال هو به,قلت :أريد أن اشتري منك صحنين فبكم تبيعني إياهما ,فمتنع عن البيع لي ,سألته لماذا ترفض فكان جوابه أن شراؤك هو بدافع الصدقة وعزة نفسي تمنعني من ذلك,لكن سأرشدك لشخص يستحق المساعدة يمكنك مساعدته بما تجود به نفسك السخية ..يا بني أهم شيء انك عندما تعود للبيت وتضع رأسك على وسادتك وأنت مرتاح الضمير لا تؤرقك مظلمة أو أثما ارتكبته صدر عنك هذه نعمة كبيرة لا يشعر بها إلا من فقدها .. يا بني لا قيمة للحياة دون صدق وقول الحق والوقوف بوجه الطاغية والمستبد؟..يا بني أحفظ الله في غيبتك وأعلم أن الدنيا فانية ولا تجاهر في عداوتك للباري فانه جبار السموات والأرض … يا بني أترك الحياد وانزل لساحة المعركة وأشهر سيفك ضد الانتهازيين والوصوليين ولا تهادنهم فأنهم ممسوخين لا يعرفوا أي شيء عن الوفاء بالعهد واحترام المواثيق التي يقطعونها مع الناس …يا بني ان التواضع صفة الممتلئين المعبئين بالعلم والمعرفة لأن الأواني الفارغة تصدر ضجيجاً وأصواتاً …يا بني ترفع عن صغائر الأمور وتذكر قول المتنبي القائل : (وتصغر في عين الصغير صغارها وتعظم في عين الصغير العظائم ) ,فقصصت عليه قصة الملك التائه والرجل العجوز الذي أنقذه ,وتبدأ القصة أن ملك عادل ورحيم ويعرف معنى الوفاء ,خرج للصيد مع وزرائه وحاشيته ليصطادوا ما يجدونه في البرية فطاردوا غزالاً وأخذهم بعيداً وسط الغابة فغاب عن أنظارهم ثم تاهوا ولم يعرفوا من أين الطريق الذي يوصلهم من أتوا ,ثم رأوا كوخ صغير فأقدموا عليه فطرقوا بابه فخرج عليهم رجل عجوز جدا طاعن في السن يعيش مع زوجته به ,فقالوا له :نحن تائهون وضللنا الطريق هل بإمكانك أن تدلنا وترشدنا لطريقنا لكنهم أخفوا عنه هويتهم الحقيقية كملك ووزراء.
فقال لهم :على الرحب والسعة وانتم معززين مكرمين ,لكن قبل كل شيء علي أن أضيفكم ,فكانت لديه معزة يعتاشون عليها من مشتقاتها كالحليب والجبن واللبن ,فأحسن ضيافتهم وفي اليوم الثالث قال لزوجته أذبحي الشاة التي لدينا وقومي بشوائها فسمع الملك إيثارهم وتفانيهم في أكرام الضيف ,فقالت له امرأته العجوز وماذا يتبقى لنا بعد ذبحها ؟ فقال لها المهم أن نؤدي واجب أحسان الضيف معهم ,وبعد أن أكلوا الشاة التي كانت تمثل قوتهم في البقاء ,ناموا وعند الصباح قادهم للطريق الذي يوصلهم لديارهم ,لكن الملك أعطاه خاتمه ,وقال له :هذا الخاتم بعه وبقيمة ما تبيعه اشتري ما تريده من الأغنام والمواشي وعش حياتك سعيداً ,وبعد مدة من الزمن ذهب العجوز للمدينة ليبيع الخاتم ,وعند دخوله محل لبيع وشراء الخواتم ليعرض عليه خاتمه المهداة فلما رآه ترك محله وهرب ينتابه حالة من الذعر وتكررت الحالة مع أكثر من محل لشراء الخواتم ,الى أن دخل على محل وعرض عليه خاتمه فلما رأى الخاتم أجلسه وذهب مسرعاً وجاء بالحرس وذهبوا به للسجن فأودعوه هناك ,فطالب مراراً وتكراراً أن يخبروه عن سبب المشكلة التي قام بها فلم يخبره أحد بذلك ,ثم تعطف عليه حارس السجن وقال له : أيها العجوز هذا الخاتم الذي أردت بيعه هو خاتم الملك والانكى من ذلك فيه ختمه الخاص وأنت سرقته يبدو كذلك .
فقال : أقسم بالله لم أسرق طوال حياتي ,وأنا رجل مستقيم ولم أقترب لهذه السلوكيات والانحرافات لأنها تذهب بقيمة شرف المرء وتهدر كرامته .
فقد قام حارس السجن بأخبار كبير حرست القصر بالموضوع ,ثم أخبر كبير حرس القصر بدوره الملك الذي كان في ذلك اليوم يتوج إمبراطور على العالم وجميع الملوك جاءت مقدمة له فروض الطاعة والولاء ,لم يتردد الملك بأن يطلب الرجل العجوز ويؤتى به اليه ,وفعلاً جاؤوا به للملك فستقبله معززاً مكرم وأثنى عليه ببالغ الثناء والاحترام ,ثم قال لهم : هذا العجوز الكبير لولاه كنا نحن في خبر كان تائهون في الغابة تأكلنا السباع والوحوش فبفضله عدنا لديارنا وبسببه نجانا الله من الموت ,فبماذا تقترحون أن نكرمه بأن نسند أليه منصب يتولى من خلاله أدارة شؤون الرعية ,فتعالت الاقتراحات فمنهم من قال نعطيه منصب وزير الداخلية ,وأخر قال :نسند له منصب الزراعة ,وأخر قال : نقدم له حقيبة وزارة الزراعة ,وأخر قال : هو مؤتمن فلنعطيه حقيبة التموين والإعاشة ,فجاء دور الملك فقال : أما أنا فسأقدم له تاج الإمبراطورية ليحكم العالم فبمثله عندما يكون إمبراطور فأني سأكون ملك وإمبراطور نفسي لأمانته ونزاهته وإيثاره وصفاء سريرته وحسن سلوكه وهذه الصفات وغيرها الحميمة هي من تصنع إنسان وتبني هويته .