18 ديسمبر، 2024 8:05 م

“مها” فتاة كسائر الفتيات الاخر كانت تحلم بان ترتدي ثوب الزفاف, وتنال قلب احد الشبان لتقضي معه سائر عمرها, يحفها بالعطف والحنان, ويكونان اسرة تغمرها السعادة والاستقرار ويسودها الامن والامان.
بقيت تلك الامنية معلقة بحبل امآلها الطويل المملوء بجملة من الاحلام المقتبسة من الرسوم المتحركة التي تابعتها بطفولتها, على امل ان تتحق في يوماً ما, عندما تنضج وتصبح أمراة. كانت تعتقد بان الأنثى كالشجرة كلما كبرت زادت أغصانها وتفرعت, وكثرت ثمارها, وكفى, الا انها لم تتصور في يوم من الايام ان يأتي من يقطف تلك الثمار ويمضي, لياتي بعده من يقطع الاغصان, ويحرقها ليتدفأ عليها, وتترك هي”جذع عاري ومتيبس”.
تسارعت الايام واذا بها في بيت زوجها, وهي الامنية الاولى التي كانت تعتقد بانها ستجلب لها الحظ السعيد الا ان الامواج لاتسير حسبما يريد ربان السفينة, حيث بدأت الخلافات تنشب بينها وبين زوجها, واستمرت حتى بعد ان بدأت “بطنها” بالانتفاخ, لتنبأ عن تحولهم من فردين متصارعين الى ثلاثة, لعل المولود يرطب الاجواء المحتقنة, الا ان الامور كانت ابعد من ذلك فالرجل كانت به من الصفات المشينة ما لا تستطيع زوجته ان تفصح عنها, تصل الى حد الشذوذ, ما دفعها الى “الطلاق” على الرغم من ممانعة اهلها وتهديداتهم لها بانها ستواجهة مصيرها بمفردها في حال اقدامها على الطلاق.
الا ان طاقة تحملها نفذت فقبلت بالطلاق مهما كانت النتائج مُرة, لانها لن تكون احلى مما تذوقته مع زوجها في الاشهر القليلة التي مضت.
رجعت الى بيت والدها حاملة “طفلة” صغيرة, لتواجه مصيرها المظلم الذي ينتظرها, الاب لم يكن اقل ظلما وفتكاً من زوجها, فهو اوفى بوعده عندما قال لها ان ديناراً واحداً لن ينفق عليها ولا على طفلتها في حال طلقت!! وهو ما جعلها تفكر بما لم ترد ان تفكر به مطلقاً.
“مها” اخذت تزيد من علاقاتها مع “الشباب” وقد لاتبخل عليهم بما تمتلكه من جمال وسحر, وهي في ريعان شبابها, قبال الحصول على “المصرف” لتشتري ما تحتاجه لها ولطفلتها, وهي تحمل احلاماً في التمتع بسنوات شبابها كباقي الفتيات اللواتي يتمتعن بالحياة الرغيدة, والملبس الجميل, والحصول على الماكياجات والإكسسوارات الفاخرة.
الا انها وبمجرد ان تخلوا بنفسها حتى تتفجر دموعها,وهي تندب حظها العاثر الذي اوصلها الى ما لا تتمناه لأبغض أعدائها, اذ أصبحت بائعة هوى , تختلف عن الاخريات بانها لاتذهب للحانات والملاهي, وانما تتصيد الاخرين تحت مسمى “الحب”, وتقبض ثمناً لذلك.
لربما غالبية قصص بائعات الهوى تبدأ من ماسات وألم وظروف قاهرة, ومجتمع متوحش لا يرحم ورجل اشبه بالحيوان, وذئاب لايعطون المساعدة من دون ان يشبعوا نزواتهم ورغباتهم, لكننا لم نفكر في يوم من الايام بان نستمع الى هذه الفئة التي تنحدر من حيث لاتعلم بمستنقع الرذيلة, نشتمهن ونحتقرهن, ونقتلهن احياناً اخرى دون ان نعلم دوافع ذلك الانزلاق, ومسسبباته , وقصصه الحزينة والمؤلمة التي تنبع من وحشية واجرام ونجاسة “رجل”.
اتعس حياة يعيشها المرء هي ممارسته لمهنة يبيع جسده من خلالها لاجل الحصول على دراهم معدودة, واغرب قصص في المأساة تجدها عند ابواب بائعات الهوى… اغلى امنية تسمعها من لسانها ان تكون لها اسرة ورجل غيور, واداة لمحوا تاريخها من ذاكرة المجتمع لتعود “انسانة”.