18 ديسمبر، 2024 7:59 م

ليس بمقدور أب ضمان تفوق أبنائه دراسياً بمجرد حثّهم على النجاح، ويفشل القائد العسكري بإحراز نصر إن كان مَن يقودهم يستخفّون بأوامره. القوانين تصبح مجرد نصوص تصدّع رؤوس طلبة المحاماة، حين لا تمتلك الأدوات والوسائل التي تكسبها هيبتها. وتضيع أحلام الأب مهما كان طيّباً حنوناً، وينهزم القائد العسكري وإنْ كانت حربه عادلة وخطته محكمة، ويتداعى كيان الدولة وينهار مهما كانت قوانينها دقيقة فاعلة.. فالعبرة ـ دائماً وأبداً ـ في تفصيل صغير يتمُّ نسيانه جهلاً أو عمداً.. العبرة، كلّ العبرة، أنّ النوايا الطيبة وحدها لا تزرع بستاناً، وأنّ الأحلام كي تتحقق يلزمها همّة وإخلاص ومثابرة.
منذ عشر سنوات، أضحى الاستثناء قاعدة والشذوذ طبعاً أصيلاً. أباح عجز الحكومة وضعفها ـ لكلّ مَن تجرّأ على القوانين ـ أن ينعم بالثراء والقوّة والجاه، ويكون قدوة ومثلاً يُحتذى. أضحى الأمرُ بسيطاً جداً لا يستلزم سوى بعض الجسارة للفوز بلذائد يحوزها مَن لا يستحقُّ. وفيما يخسر المتشبثون بسلطة الدولة وسطوة القانون ويتضاءل عديدهم، يربح الجسورون وتتضاعف مكاسبهم وأعدادهم.
يكفي، للحصول على وثيقة تخرّج، رحلة قصيرة إلى أحد المزوّرين وبضعة أوراق خضر.. والرتبة العسكرية العالية يمكن نيلها بالانتماء لأحزاب السلطة.. المنصب الرفيع، بكلّ امتيازاته ومزاياه، متاح لماسحي الأكتاف وجوقات المتملقين.. النعيم وراحة البال يحوزهما من تجرّأ على مُلك عام، سواء أكان شارعاً أم رصيفاً، أرضاً واسعة أم مبنى حكومياً.
على العكس من أيّ مشروع تجاري شرعيّ، فإنّ من أنشأ مشروعه على رصيف أو مُلك عام يكون بمنأى عن دفع الضرائب. قوائم الماء والكهرباء لا تشمل المتجاوزين عليهما، مثلما تستثني آلافاً من مساكن نمت كالفطر في أرجاء المدن. وأراضٍ عامة شاسعة باعها لصوص في وضح النهار، وقبضوا أموالها رزقاً حلالاً طيباً لم يُضنِهم فيه وجعُ ضمير أو ملاحقة شرطي.. على العكس من كلّ بلاد المعمورة، لا أثر للسلطة في بلدي إلاّ ما نراه في سيطرات عسكرية وُظفت لعقاب الأبرياء، أو في ما تبثه فضائيات تتسلى بنكء جراحنا.
في عقود خلت، كان عار الرجل أنّه مسكين تقصر يداه عن أن يلصّ و(يحوف). أخشى أن يصبح عارنا التاريخي عجزنا عن مجاراة الآخرين في (حوسمة) وطن لم يعد يذكره حتى نشيد وطني.
[email protected]