بتاريخ التاسع من نوفمبر 2019 حَدّثني أحد ذوي شهداء ثورة الشباب العراقيين في اكتوبر 2019 قائلا والعهدة عليه :
كُلْ العراقيين وبلا استثناء يعرفون مَنْ هُم قناصو ومُختطِفو شباب الثورة العراقية ضد الفساد والدمار ، ورغم كل ذلك فرجال الدين لدينا ورغم الاعمال الاجرامية المتواصلة في قَتْل وخَطْف وتعذيب مئات المُتظاهرين العراقيين يوميا لم يُطالبوا بوضوح لايقبل الشك والتأويل التوقف فورا عن قَتْل وخَطْف وتعذيب عشرات الابرياء المتظاهرين المسالمين يوميا ، كما ان رجال الدين لدينا لم يُطالبوا بوضوح تام لا يقبل الشك والتأويل الحكومة الدينية القمعية بالاستجابة لمطالب المُتظاهرين العراقيين بالتنحي عن الحكم وانهاء فترة ستة عشر عاما من الدمار والفساد المُتمثل بسرقة كل اموال وثروات العراق ومصادرة حقوق وكرامة الانسان العراقي في حرية التفكير والتعبير السلمي ، البعض اخبرني بأن ( قناصو ومختطفو ) شباب الثورة العراقية غالبا ما يُثْنون على الخطابات الانشائية المُبهمة لرجال الدين !!
( الدِين ) مهنة ظهرت فقط منذ فترة قليلة جدا قياسا الى عُمْرِ وجود البشر على سطح الارض والبالغ مئات الملايين من السنين ، وكان السبب في ظهور هذه المهنة هو تَوَسع اعداد البشر وظهور ( المال ) الذي ادى الى حالة استغلال الانسان لاخيه الانسان ، وهنا وفي غياب التطور الاداري والاقتصادي والعلمي حينها كان لابد لبعض العقول الذكية الباحثة عن ( مهنة ) لمعالجة اوضاع الاستغلال هذا من الادعاء بكونها هي الله او انها مرسلة من الله ، ولتقوم بوضع او نَقْل الوصايا والاوامر الالهية بضرورة التعاون والمساواة والرحمة ، وفعلا نَجَحَ الكثير من اولئك الاذكياء في ايصال افكارهم الانسانية الجميلة الى قطاعات واسعة من مجتمعاتهم ، بينما نجح ايضا الكثير من اولئك الاذكياء ليتحولوا هم انفسهم مراكز كبيرة ومُشِعة للدكتاتورية ومصادرة حقوق انسانهم مستندين في ذلك على اسس كونهم يمثلون ( الخالق ) الذي لا يجب مُخالفته او الاستفسار منه ، فـ ( الله ) لديهم يَأمر البشر قائلا : لا تسألوا !
العقل البشري في القرن الحادي والعشرين تَوَصل بصورة قاطعة الى ان كل هذه الاديان ما هي الا نتاج العقل البشري لازمنة مُتخلفة مَضتْ ، وان استمرار وجود مهنة ( الدين ) لا يمثل في الغالب سوى مُخَلفات فترة التخلف الحضاري والفكري والعلمي والاداري للبشرية ، فالعقل البشري تَمَكن من وَضْع القوانين والاحكام التي تساهم في ارساء العدل وحقوق الانسان اللا متناهية طالما لا تضر بحقوق الآخرين ، وان هذه القوانين والاحكام ما تزال في تَطوّر مُستمر حسب تَطوّر الاوضاع الحضارية والاقتصادية والعلمية للبشر .
الغالبية العظمى من البشر اصبحت على يقين الآن من ان ( الله ) او ( الخالق ) ليس بحاجة الى وجود الاديان لبيان وجوده او عدمه ، لاسيما ان كل هذه الاديان فيها ما يسيء الى حقوق الانسان ( بدرجات متفاوتة ) حسب المفهوم الحديث لحقوق الانسان ، ناهيك عن ان كل هذه الاديان لم تَعد تُقاوم وعي وتساءلات البشر حاليا مثلما انها لم تأتي بأي شيء منطقي أوعلمي يُثْبت للعقل البشري مَنْ هو الله وما هو سِرْ وجود ( الحياة ) !!
مهنة ( الدين ) في الغالب ، كادتْ لتنتهي نهائيا لولا وجود مَنْ لا يزال يَستفاد منها بملايين الدولارات يوميا ، ولكم ان تتخيلوا ما الذي سيحصل لحكام السعودية مثلا والذين يحكمون شعبهم بالسرقة والقمع والقتل بأسم ( الدين ) لو انتهى خوف البشر من ( احجار) الكعبة ومن ( قبر ) انسان مات قبل اكثر من 1400 عام ، اضافة الى ما سيخسره أغْلب رجال الدين من ملايين الدولارات من واردات الزكاة ومن واردات الملايين الذين يتوافدون لزيارة هذه الاحجار من اجل نيل جَنْة مليئة ببيوت الذهب والفضة والنساء والغلمان والخمور والماء الصالح للشرب بعد الموت !
كما يمكن ان تتخيلوا ايضا ما سيحصل لحكام ايران والعراق الذين يقمعون ويسرقون ويقتلون شعوبهم بأسم ( الدين ) لو انتهى خوف شعوبهم من عدم ضَرْب انفسهم وروؤسهم يوميا بالحديد والسيوف حُزْنا على مَقتل ( الحُسَين ) الذي هو حفيد الرسول وزوج الايرانية التي كانت احدى مئات الالوف من السبايا الايرانيات الجميلات التي ( غَنَمها ) المسلمون حينما ( غَزُو ) ايران بقوة السيوف لغرض فرض الاسلام على ( الايرانيين ) الذين لا يتحدثون اللغة العربية ولا يعرفون ما هو الاسلام اصلا !!
أغلب رجال الدين في ايران والعراق سيخسرون ملايين الدولارات يوميا من واردات التَحَكم بثروات كل من العراق وايران ، كما سيخسرون يوميا ملايين الدولارات من اموال الزكاة ومِنْ واردات الزيارات لقبور اناس ماتوا قبل أكثر من اربعة عشر قرنا .
الفرق الكبير بين ما يسمى بـ ( ثورة ) حفيد الرسول قبل اكثر من 1400 عاما وبين ( ثورة ) ملايين الشباب العراقيين في اكتوبر 2019 هو ان حفيد الرسول كان يُقاتل من اجل ( سُلطة ) له وحَسبْ ، لأن تَسلّمه السُلطة على المسلمين حينها وبما كانت ستوفره له من جاه واموال وقدرات كان وما يزال لا يُزيد او يُنْقص من ( القرآن ) شيئا ، بينما ان ثورة ملايين العراقيين هي ضد ( السلطة ) وليس من أجل الـ ( سلطة ) ، أنها ثورة ساهم بها نبي الله ( الانترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي ) في توعيتهم بحقوقهم كبشر لعيش حياتهم بحرية وكرامة وعدل دون ان يَكْذِب عليهم الانترنيت بالقول ان الله كَلّفهُ بتوعيتهم بحقوقهم الانسانية .
والد الشاب المُتظاهر المُسالم العراقي الذي استشهد برصاص قناص ما تزال الحكومة وأغلب رجال الدين العراقيين يُصرون على تَسميته ( قناصا مجهولا ) رغم عِلْم الجميع به ، اختتم حديثه معي قائلا باللهجة العراقية :
بأسم الدين كتْلونا الحَرامية !