الكثيرون في هذا العالم ، كانوا يعتقدون أن محنة العراق ستنتهي بمجرد الإطاحة بالنظام العراقي السابق ونظام صدام حسين .. وسيتحول البلد إلى واحة من الرخاء تغري ملايين العراقيين الذين يعيشون في الخارج بالعودة مع أسرهم للتمتع بثروات البلاد واستقرارها واحترام حقوق الإنسان ، ولكن ما حدث هو العكس تماما ، وشاهدنا العراقيين يهربون بالملايين إلى دول الجوار، ويصطفون في طوابير طويلة أمام مكاتب الأمم المتحدة أو قنصليات الدول الأوروبية والأمريكية بحثا عن تصريح باللجوء هربا من الاضطهاد أو العنف الطائفي , و الحكومات العراقية المنتخبة بعد حكم
( الاحتلال ) جلست على جبل هائل من الأموال ، أرقام مرعبة ، ومــــع ذلك لا تخلو التحقــيقات والتقارير الإخبارية تتحدث عن أطفال يتسولون لقمة الخبز في شوارع بغداد والمحافظات العراقية الأخرى حتى الشمالية منها ولا يزيد عمر بعضهم عن ثلاثة أعوام ، يركضون خلف المارة والسيارات في ظروف مناخية ممطرة وملتهبة بل أن عائلات كثيرة تقف اليوم أمام مكاتب الرعاية الاجتماعية للحصول على إعانات النازحين والمشردين في عراق ما بعد التغير ، وقد بدا عليهم البؤس والفقر والعوز والمرض ، وهي إعانة لم تصرف لهم , لا نعتقد ان قطط الحكومة السمان التي تنعم برفاهية ( المنطقة الخضراء ) ومستشفياتها ومطاعمها وقصورها المكيفة ، تشعر أو تتعاطف مع هؤلاء الفقراء المحرومين ، ومعظمهم جاء من المنافي ، واغرق في الوعود بالانحياز إلى الفقراء وتحويل العراق إلى جمهورية البطالة والخوف والعطل الرسمية والغير رسمية والقتل والدمار والاختطاف ! جميع الشعوب النفطية في الخليج أو المغرب العربي تتنعم بثرواتها النفطية ، والعوائد الضخمة التي تتدفق على خزائن حكوماتهم سنويا ، باستثناء الشعب العراقي أو غالبيته المسحوقة ، التي لا تجد لقمة الخبز أو علبة الدواء ، ناهيك عن الأمن والأمان المفقودين ، سواء بسبب العصابات الإجرامية المسلحة أو القتل على أيادي داعشو الميليشيات الطائفية : العراق يتعرض الى اكبر عملية نهب في التاريخ الحديث ، ومن قبل بعض اللصوص الذين عادوا إليه مع قوات الاحتلال , وتكفي الإشارة إلى ما ذكره برنامج وكشف بالأرقام والوثائق الرسمية عن سرقة مليارات الدولارات من عوائد البلاد النفطية من قبل هؤلاء ، واثبت ان العراق هو أكثر بلدان العالم فسادا في الوقت الراهن , إما آثار هذا الفساد فنراها واضحة في أبراج وودائع فلكية في مدينة دبي ، وشقق ومنازل باذخة في لندن وباريس وبراغ وعواصم أوروبية أخرى ، كلها مملوكة لأشخاص من رجالات العراق الجديد كانوا يعيشون على الضمان الاجتماعي أو مساعدات الفقراء في اوربا ، وكأن هؤلاء أرادوا إن ينتقموا من الشعب العراقي بإفقاره وسرقة ثرواته.فالقانون غائب ، والشفافية معدومة ، وهل يعقل أن يحاسب اللصوص اللصوص ، وما هو أدهى وأمر أن أي شخص ينتقد هذا الوضع الفاسد الذي يجوع شعبا كريما عريقا أبيا ، يتهم فورا بأنه من إرهابي أو من مؤيدي ( النظام العراقي السابق ) من قبل أناس حولوا العراق كله إلى مقبرة جماعية , الشعب العراقي تعرض إلى اكبر خديعة في تاريخه عندما صدق هؤلاء الذين أتوا إليه بالخراب ، والدمار، والفساد ، والقتل ، تحت شعارات الديمقراطية والرخاء والأمان ليجد نفسه بعد( 20 ) عاماً أكثر شعوب المنطقة بؤسا وحرمانا , الإدارة الأمريكية مارست ضغوطا ضخمة على دول الخليج لإلغاء ديون العراق , وكانت دولة الإمارات العربية المتحدة اول دولة تستجيب لهذه الضغوط ، بينما ما زالت دول أخرى مثل الكويت والمملكة العربية السعودية تدرس هذه الخطوة . والسؤال المطروح هو عن مبررات إلغاء هذه الديون لدولة تجلس على فوائض مالية هائلة ، وتنفق اقل من أربعة مليارات دولار في الفترة من بين ( 2005 – 2007 ) على مشاريع إعادة الأعمار التي من المفترض أن يستفيد منها الشعب العراقي ، وظائف ومستشفيات ومدارس وإمدادات ماء وكهرباء , فحكومة لا تهتم بمواطنيها في الداخل أو في الخارج ، وينحصر اهتمامها في توظيف اقارب المسؤولين فيها ، والإغداق عليهم بالمنح وبدلات السفر، وتدفع رواتب عالية لعشرات الآلاف من المحسوبين عليها الذين فضلوا العودة إلى منافيهم السابقة ولكن ليس كلاجئين ، وإنما كموظفين كبار ، بدرجات ورتب عالية ، وامتيازات مالية ضخمة لا يحلم بنصفها أمثالهم من رعايا الدول الخليجية , الشعب العراقي يجب ان يحاكم هؤلاء اللصوص ، وكل من أهدر ثرواته ، وأساء استخدام السلطة ، مثلما عليه إن يحاكم أيضا الذين ارتكبوا المجازر الجماعية الجديدة وبزوا كل من سبقوهم في التعذيب والقتل على الهوية ، تحت حجج وذرائع مختلفة , فعندما يلجأ أطفال العراق الى التسول ، تحت غزارة الامطار في الشتاء وشمس الصيف الحارقة ، بحثا عن لقمة خبز ، فهذه ظاهرة لم يعرفها هذا البلد الكريم الشهم حتى في زمن الحصار الأمريكي الظالم الذي امتد لأكثر من ثلاثة عشر عاما ، ومن شاهد هؤلاء الأطفال وأسرهم فانه يدرك احد جوانب مأساة العراق مع حكامه ومحتليه الجدد معا .. ودمتم