27 ديسمبر، 2024 12:58 ص

الجزء الثاني
في هذه الفترة قام اهله بزيارته مع المقربين له بعد ان اتصل بهم لحظة وصوله مستشفى الرشيد العسكري وابلغهم بما حصل له من اصابة…
غادر مستشفى الرشيد على عكازتين مقطوعة احد ارجله وكان معه احد اخوانه مرافقاً له لمساعدته في طريقه.. وبعد ان وصل الى كراج السيارات التي تنقله الى مدينة الموصل ومعروف عن هذا المرآب انه يقع في منطقة وسط العاصمة بغداد يسمى كراج العلاوي…
شعر في تلك اللحظة باسل بآلام ومعانات الانسان المعاق وخاصة عندما اراد ان يصعد السيارة حيث واجه صعوبة الصعود فيها وتذكر زملائه الذين كانوا معه وهم يدعون من الله ان تصيبهم احد الشظايا وان يفقدوا احد اعضاء اجسادهم حتى ينتهوا من الخدمة العسكرية هذه الخدمة المزعجة والإجبارية لكل مواطن عراقي..
شباب في عز شبابه مبتوره احد ساقيه متوجها من العاصمة بغداد الى مسقط راسه في مدينة الموصل وهو يعيد شريط الذكريات القديمة مع اصدقائه وجيرانه سارت السيارة لمدة اربع ساعات تقريبا وما ان وصل اهله حتى كان هناك استقبال كبير من قبل كل ابناء منطقته السكنية وكان الجميع يحييه و يدعو له بالسلامة واخوانه بجانبه هنا دخلت ابنه جيرانهم رجاء والتي كانت معه في دراسته الابتدائية التي امتلأت عيونها بالدموع عندما شاهدته بهذه الحالة نظر اليها نظره حبيب لحبيبته لأن في داخله عاشقا ولهان لها وكانت تبادله نفس الشعور ولكن الظروف لا تسمح بذلك شاهد ملامح وجهها قد تغيرت وابتسامتها قد انقطعت فقال لها وبصوت خفيف لا تبكين فهذه هي نتائج الحروب ولو انك شاهدت ما شاهدته من جثث الشهداء المرمية في المستشفيات من الشباب لقلت انني بخير بل بقمة الخير.. لا تبكي يا حبيبتي فهذه هي الحياة وهذه اقدارنا نحيا لكي نعيش ولكننا نعيش تحت رحمة السلطان الذي لا يهمه اي شيء..
كانت رجاء حبيبته هي طالبة في الصف السادس اعدادي وكانت من المجتهدات في الدراسة بقي باسل طريح الفراش لعده اشهر متنقلا بين البيت والمستشفى لتلقي العلاج ولتجديد اجازته العسكرية بين فتره واخرى.. ليحال بعدها الى لجنة طبية تقرر اعفاؤه من الخدمة العسكرية ثم ارسال اوراقه الى مديرية تابعة لوزارة الدفاع واجبها متابعة الاشخاص الذين حالتهم إسوةً بحالة باسل تسمى مراكز تداوي الجرحى والتي تحيلهم عن طريقها الى مديريه التقاعد العامه ليمنحوا راتبا تقاعديا وكذلك الى المديرية العامه للخدمات الشخصية التي تقوم في حينها بمنح سيارة من نوع مواصفات خاصه لكل مصاب تصل درجة العجز لديه الى النسبة المقررة وحسب القوانين المعمول بها في حينها….
شهر واحد تقريبا وابلغوه بالذهاب لاستلام سيارته فاخذ معه احد اخوانه الذين يجيدون السياقة وذهب الى العاصمة بغداد والى الشركة العامه للسيارات التي كان مقرها في اطراف المدينة وقام باستلام سيارة من نوع تويوتا يابانية المنشأ تسمى سيارة المعوقين لأنها تحمل مواصفات خاصة حسب نوع العوق الموجود لكل شخص عاد هو واخوه وسيارته الجديدة والهوية التقاعدية التي استلمها قبل اسبوع في جيبه وبالمقابل برجل واحدة وانسان بدا يعيش مع الضغط النفسي والتفكير بمستقبله المجهول وكان تفكيره الاكبر هل تقبل رجاء بنت الجيران ان تعيش مع شخص اصبح معاق جسديا..
كان اخاه يشرح مواصفات السيارة وما فيها ولكن باسل كان شارد الذهن وهو يشعر في تلك اللحظات ان بلاده قد ظلمته وان الحرب للدفاع عنها قد سرقت ساقه وربما قد يأتي يوماً ويشعر بانها قد ذهبت هباء منثورا . وخاصة بعد مشاهدته لمعيشة الناس في العاصمة بغداد اثناء مراجعته الى الدوائر الخدمية الموجودة فيها وعندما استلم سيارته الخاصة حيث عرض عليه احد الاشخاص طلب شراءها لزوجته لانها بحاجة لسيارة اثناء التسوق العائلي..
عرف حينها باسل بان الحرب هي لأبناء الفقراء فقط وان ابناء الاغنياء غير مشمولين بشيء وان مايسمى المبادئ او القيم الوطنية هي مجرد دروس ثانوية نتلقاها في احد صفوف المدارس وان هؤلاء الناس ومعهم ابناء المسؤولين الذين يجيدون لغة الخطاب الوطني ولكنهم لا يجيدون القتال على السواتر..
كم انت كبير ايها الوطن ونحن الفقراء نضحي بدمائنا من اجلك… كم انت كبير حين يجلس المسؤول على مائدة الافطار فيها ما لذ وطاب ويعيش المواطن او الجندي البسيط في السواتر على اكل من نوع محدد وصمون تصل قوته الى قوة الحجاره..
كم انت كبير ايها الوطن ونحن نرتدي الخوذة العسكرية من نوع فولاذي لمده شهر خوفا من رصاصه او شظيه طائشة تدخل الى الراس مباشرة.. وغيرنا يبحث في المترفات ويبحث عن تسريحة مميزه اثناء حلاقته في صالونات الحلاقة في المناطق التي تسمى المناطق الراقية..
آه ايها الوطن انا افكر في حبيبة تعيش معي كزوجة قالها باسل ولكن ماذا يحدث اذا رفضتني رجاء التي احببتها من كل قلبي هذه الفتاة التي ربما لن تقبل بإنسان معوق ولن تقبل ان تكون ممرضة طوال حياتها ربما لا يوافق اهلها لان الامور قد اختلفت الان فباسل ذلك الشاب الذي يحمل كل المواصفات الجميلة في اخلاقه وفي جسده اصبح اليوم محطم الروح مبتور احد ساقيه اسئلةً كثيره تدور في رأسه لا يجد لها جواب وهو يصعد في سيارة كان يحلم في يوم من الايام ان يمتلكها ويقوم بالتجوال فيها..
ما ان وصلوا الى مدينتهم والى منطقتهم السكنية حتى استقبلته والدته وهي تنثر الحلويات فوق السيارة وربما سمع زغرودة احدى أخواته ولسان اخوانه يقولون له مبروك لك السيارة والجميع لا يعرف ماذا يدور في افكار باسل التي اصبحت هواجس مخيفة.. ايام قضاها مع الحياء محاولا ان يفاتح اهله بالتقدم لخطوبة ابنة جيرانهم وحبيبته التي يحبها رجاء وما هي الا ايام معدودة لتخوض رجاء الامتحانات النهائية للصف السادس الاعدادي وكانت المفاجأة كبيره جدا حيث انها حصلت على معدل عالي جدا في حينها يؤهلها الى دخول كلية الطب…
هنا اصبحت الحالة النفسية لباسل صعبة جدا وخاصة ان الجميع يعرف العادات في مجتمعنا في حالة قبولها وتخرجها من الكلية المذكورة فانه لابد للطبيبة ان تتزوج من نفس اختصاصها وان يكون زوج المستقبل لها طبيب…
آه يا باسل ما انت الا خريج الدراسة المتوسطة وقد التحقت في الجيش لكي تعين عائلتك وكانت مكافاة الخدمة العسكرية لك هي قطع رجلك وانت اليوم انسان معوق يتقاضى راتب تقاعدي ورجاء سوف تذهب طالبة في كلية الطب…