18 ديسمبر، 2024 8:46 م

اُلسنا بحاجة الى كلية للموظفين؟

اُلسنا بحاجة الى كلية للموظفين؟

يبلغ عدد الموظفين الذين يتقاضون رواتب من الدولة العراقية باكثر من اربعة ملايين شخص، وهو ما يناهز 20 بالمائة من القوة العاملة في البلاد التي يقدر عدد سكانها بنحو 36 مليون نسمة. السبب في هذا التضخم في اعداد الموظفين واضح ومعروف، فالمهم هو ان يكون خريج الجامعة موظفا حكوميا يضمن راتبا شهريا وتقاعدا وحوافز ومكافأت، ولا يحاسب على سوء الانتاجية، ولا يفصل من عمله.

ورغم ان نسبة الموظفين الى السكان تعتبر من اعلى النسب في العالم، ورغم ان الموظف العراقي اقل كفاءة وقدرة من اقرانه في بلدان عديدة في العالم، لا نجد اي مؤسسة اكاديمية تعني بشؤون تدريب الموظفين، ومصممة لتناسب الاحتياجات التدريبية والمتطلبات الخاصة بتحسين قدرة وفعالية الموظف.

السنا حقاً بحاجة الى مؤسسات تعليمية تلتزم بتطوير قدرة الموظف وبتقديم المساعدة لسد الثغرات والاحتياجات في الجهاز الاداري، وفي صقل المهارات والمواهب عن طريق برامج تعليمية تتناسب والجهاز الوظيفي للدولة العراقية، هذا الى جانب تقييم اداء الموظفين باعتباره اساسا مهما للترقية؟

ما يثير الاستغراب هو عدم وجود مثل هذه المؤسسات التعليمية لتدريب موظفين للدولة بالرغم من ضعف تدريبهم خلال دراستهم الاكاديمية في الجامعات، وانهيار مستواهم الاكاديمي والعلمي، وضعف مهاراتهم، وعدم ملائمتهم لاحتياجات سوق عمل الدولة، ووجود نسبة كبيرة من العاطلين عن العمل. ومع ان تعين هؤلاء الخريجين في الدولة يتم بصورة مباشرة ومن دون تدريب او صقل او تنمية للقدرات الوظيفية، واذا تم تدريبهم فالتدريب عشوائي وبسيط لا يخضع لخطط او برامج مدروسة وليس هدفها خلق توافق بين التدريب الجامعي الذي حصل عليه الخريج ومتطلبات الوظيفة.

لهذه الاسباب وغيرها نجد تذمر وامتعاض واحتجاج واسع في اواسط المراجعين لمؤسسات الدولة لسوء الخدمات، وللتعامل السئ من قبل الموظفين، وعدم احترامهم لحقوق ومصالح الآخرين، بالإضافة الى قلة معارفهم بمتطلبات وظائفهم. ونلمس ايضا انعدام الثقة عند الناس بموظفي الدولة بحيث يصبح الموظف جزءاً من البيروقراطية الحكومية وعقبة كبيرة امام جهود التنمية.

من هذا نستنتج ان الجامعات مقصرة في اداء مهماتها تجاه سوق العمل والذي تعتبر الوظيفة الحكومية اهم روافده، وبحيث يبدو ان هدف تدريب موظفين أكفاء لجهاز الدولة ليس من واجباتها. فما هي واجباتها اذن؟ هل ان واجباتها تخريج عشرات الالوف من الطلاب بأسلوب التلقين والحفظ، وبغض النظر عن نوعية تكوينهم وعن احتياجات سوق العمل: طلاب يتحلون بضعف التكوين اللغوي فلا هم يتحكمون بلغتهم الأم بطريقة جيدة، ولا باللغة الاجنبية، ويفتقرون لأبسط المهارات والقدرات الوظيفية.

ألا تبرز الحاجة تجاه هذه المعضلة اهمية انشاء مؤسسة تدريبية للموظفين مثل كلية او معهد جامعي؟ ان وجود كليات للموظفين لتحسين أدائهم، وتطوير مهاراتهم هو مظهر من مظاهر الدولة الحديثة، فهذه الكليات منتشرة في الدول المتقدمة، وهي تقدم تعليم وتدريب متنوع عبر مجموعة من البرامج التي تلبي احتياجات الدولة للوظائف الادارية المتنامية مع الزمن.

لنأخذ على سبيل المثال كلية الموظفين في لندن. تهتم هذه الكلية في تقديم البرامج التدريبية المبتكرة مصممة لتناسب الاحتياجات التدريبية للموظف باستخدام احدث الاساليب لهدف تنمية القطاع العام في بريطانيا، بحيث تشمل البرامج الدراسية الحوكمة والمسؤلية والادارة المالية، والمهارات التجارية،

والادارة الرقمية والمعلوماتية والقوانين الادارية والقيادة ومهارات المهنة وصياغة السياسات والقرارات وادارة المشاريع المحلية والعالمية.

اما برنامج كلية الموظفين في سنغافورة، فيتضمن التدريب على اصول المحادثة والتخاطب والتواصل الفعال، والموارد البشرية وريادة الاعمال، وتنمية المواهب الشخصية، والادارة العامة، وجودة الخدمات وسياسات الحكومة. ويتم توفير هذه البرامج عن طريق المحاضرات الصفية والتعليم عن بعد، و ورشات العمل والمؤتمرات والدورات التدريبية.

وفي ايرلندة يمنح معهد الادارة العامة شهادات في الوظيفة الحكومية ومؤسسات الدولة، وهدف برامجه التدريسية هي تزويد الطلاب بفهم عملي وشامل لنظام الحكومة وأسلوب عملها، وتعريفهم بمهام مختلف قطاعات الحكومة مثل التشريعات والتعليمات ووضع الميزانيات، واتخاذ القرارات الحكومية، والتطوير بحيث يؤهل الطالب للتعامل مع عدد لا يحصى من المهام والمسؤوليات في وظائف الخدمة العامة.

لذلك ارى ضرورة انشاء كلية للموظفين على غرار الكليات المشابهة في العالم لتوفر للطلاب المعارف والخبرات التي ترتبط مباشرة بالقدرة على القيام بوظيفة ما في الدولة بمستوى عال من الاداء، وفي ظل ظروف الادارة العراقية، ولتمكين موظفي الخدمة المدنية من:

1- تحسين كفاءة تقديم الخدمات للمواطنين.

2- تعزيز وتطوير كفاءاتهم وقدراتهم المهنية.

3- تحقيق الجودة في ادائهم الاداري.

4- تعزيز القدرة على القيام باعمال اكثر تعقيدا والتعامل مع مستويات اعلى ومهام تعتبر حيوية لتطوير الستراتيجيات والاهداف المستقبلية لمؤسسات الخدمات العامة.

5- تطوير حياتهم المهنية لتحقيق النجاح واستمرار التعلم مدى الحياة.

6- الاهتمام بالجانب الأخلاقي في الوظيفة، أو ما يسمى بالضمير المهني (Ethics)، واحترام المراجعين والوقت.

اما الشهادات التي تمنحها هذه الكلية فهي ليست بالضرورة ان تكون على مستوى الشهادات الاكاديمية كالبكالوريوس والماجستير، وإنما ستعتمد على فترة ونوع الدراسة ليحصل الطالب على شهادة دبلوم عالي تعادل شهادة المحاسب القانوني او الطبيب الاخصائي، او المهندس المتمرس. برأيي ان هذا افضل من مجرد منح شهادات اكاديمية جديدة تضاف الى العدد الهائل من الشهادات التي تمنحها الجامعات العراقية، والتي لا تأهل الطالب مهنيا وبالمستوى الذي يحتاجه سوق العمل لاعتمادها بالأساس على اسلوب التلقين وحشو المعلومات السيئ الصيت، والذي رفضته الجامعات العالمية وبيدوغوجيات التعليم الحديثة.