23 ديسمبر، 2024 5:16 ص

-1-
جاء في المصادر التاريخية :
ان معاوية حينما دعا الناس الى بيعة ولده يزيد ، قام (يزيد بن المقنّع) فقال :
أمير المؤمنين هذا – واشار الى معاوية ،فان هَلَكَ ، فهذا ، وأشار الى يزيد – فمن أبى فهذا – وأشار الى سيفه
فقال معاوية :
اجلس فانك سيد الخطباء ..!!
ثم تكلم الأحنف بن قيس فقال مخاطباً معاوية :
” أنتَ أعلم بيزيد في ليله ونهاره ،
وسرّه وعلانيته ،
ومدخله ومخرجه ،
فان كنتَ تعلمه لله رضا ، ولهذه الأمة ، فلا تشاور الناس فيه ،
وإنْ كنت تعلم منه غير ذلك ، فلا تزوَّدْه الدنيا وأنت تذهب الى الآخرة “

فتفرق الناس ، ولم يذكروا الاّ كلام الأحنف
-2-
ونذّكر بما قاله معاوية في حق ولده يزيد (لولا هواي في يزيد لأصبتُ رشدي)
-3-
ان (الهوى) هو مصدر الفجائع والنكسات التي مُنيت بها الأمة ، عبر تاريخها الطويل .
والهوى يعني إغماض العين عن كل الضوابط والمعايير الشرعية والاخلاقية والانسانية والحضارية والسياسية والاجتماعية ،والانطلاق من العاطفة المتأججة ، والحب المتلاطم الأمواج وليكن بعد ذلك ما يكون ..!!
ان هوى (معاوية) في (يزيد) كلّف الأمة أنهاراً من دماء زكية ، وانهيارات رهيبة ، أوشكت أن تأتي على كلّ الاشراقات الرساليّة، لولا نهضة الامام الحسين (ع) وثورته الخالدة على قوى الظلم والظلام والانحراف .
والسؤال الآن :
هل كان حب معاوية وتعلقه بيزيد حالة خاصة ، ونسخة فريدة لم تتكرر، أم انها حالة شهدناها بأم أعيننا، في ممارسة بعض السلطويين مع ابنائهم ،ومحاولاتهم المستميتة في تسويق أبنائهم، واضفاء عناصر البطولة عليهم ،لكن على حساب كل الأجهزة والمؤسسات

 الرسمية ؟!
ان الهوى كارثة شديدة الوطأة ،ورهيبة النتائج والآثار على الوطن والمواطنين …
-4-
ونحن نتأمل ما قاله (يزيد بن المقنع) في حق سَمِيّه (يزيد بن معاوية)، نجد أنَّ المدرسة التي أنتجته- وهي مدرسة الانتهازية والنفاق والانبطاح أمام رغبات السلاطين ،والاندفاع بكل قوة لتأييدهم وتلميع صورهم، والثناء عليهم والاشادة بهم بعيداً عن الدين وعن العقلانية وعن كل الحسابات الموضوعية – ما زالت ماثلةً لها رموزها وفرسانها ، وهم أنجس من خرق الحيض !! يقلبون الحقائق، وينكرون كل الاخطاء والخطايا التي يقترفها السلطان، ولا يعبأون بما يعانيه الوطن والمواطنون من الأزمات الموجعة ، حتى لكأنهم يعيشون في عالم آخر .
ان لهذا الزيف والتضليل والتعتيم على أخطاء السلطان وخطاياه ثَمَناً يستوفونه، لابالأموال والنقود فقط ، بل بالكراسي والنفوذ والتسلط على رقاب الناس …
-5-
وأما المدرسة الأخرى التي تخرّج فيها ( الأحنف بن قيس)، فهي مدرسة الحفاظ على الثوابت والقيم ، مدرسة الحفاظ على المبادئ وإن أضرّت بالمصالح ، مدرسة الصيانة الكاملة للموقف من الشوائب والأدران …
انّ هذه المدرسة بقيت شامخة كشجرة “الحرية ” التي سقاها أبو عبد الله الحسين سيد الشهداء (ع) بدمه الزكي ودماء الصفوة الطاهرة من أهل بيته واصحابه، والذين نعيش ذكريات بطولاتهم وتضحياتهم الحسام هذه الايام ،
انهم كانوا المنعطف التاريخي الفذ في تاريخ هذه الأمة، فلم يكن الحسين(ع) الاّ ثأر الله …. وثأر الله يعني ثأر الانسانية من الطواغيت ورموز الظلم والظلام .
وهكذا ارتبط حب الحسين (ع) بحب الدفاع عن الحق والانتصار للمظلوم ومقاومة الطغيان والاستبداد وكل اشكال الاستغلال ……
ان الارتباط بالامام الحسين ، ارتباط بالقضايا العادلة ، والتطلعات الاصيلة لتحرير الانسان من كل الأغلال والقيود الزائفة، والنهوض بالامة الى حيث تحتل موقعها العالي تحت الشمس لتكون الامة الشاهدة الرائدة ….
ويخطأ من يعتقد ان معركة الطفوف واقعة تاريخية إنقضت فصولها وانتهت أحداثها وأصبحت سطوراً في الكتب
انها سطور في القلب ،
وانها نور في العقل ،
وانها صحوة في الضمير ،
وانها اشراق في المسار …

أرى التاريخ يمشي مستطيلاً
                         وفوق جبينه أَلَقُ الحسينِ
تحدّى بالشهادة غاصبيه
                        ووّفى للمكارم كلَّ دَيْنِ

[email protected]