17 نوفمبر، 2024 1:55 م
Search
Close this search box.

ايهما الاصح .. من اين لك هذا ؟. ام…. لماذا ليس لديك هذا ؟

ايهما الاصح .. من اين لك هذا ؟. ام…. لماذا ليس لديك هذا ؟

منذ سنتين او اكثر ،نستمع الى تصريحات من عدة مصادر حكومية وبرلمانية حول موضوع مايسمي بالذمم او المصالح المالية للسادة المسؤلين وكبار موظفي الدولة واعضاء البرلمان ، اذ تحدثت هذه التصريحات وفصلت هذا الموضوع على اساس ان يقدم المشار اليهم اعلاه كشفا تفصيليا عن مواردهم وممتلكاتهم المالية محددين مصادرها وطرق الحصول عليها هم وعوائلهم ، على ان يتم ذلك من خلال الاجابة على مجموعة اسئلة تتضمنها استمارات اعدت خصيصا لذلك ، وتأتي هذه الممارسة كجزء من حملة تقوم بها الدولة لمحاربة الفساد الاداري والحد من ظواهر الرشوة والكسب غير المشروع ، حينها تقبلنا الامر وتعاملنا معه بأيجابية متطلعين ومتأملين ان تحقق هذه الاجراءات نتائج طيبة تفيد في القضاء على مثل تلك الافات التي تهتك بالمجتمع ، على الرغم من اننا بالمقابل قد تحفظنا على ما يمكن ان تحققه من نتائج ، لكن اعطاء فرصة او فرص للمبادرات العلاجية التي تبادر بها الحكومة هي قطعا افضل من الوقوف ضد كل المبادرات ، وحتى لايتهم الشعب بأن موقفه سلبي تجاه قرارات الحكومة ، وللتذكير فقط ..فأننا رحبنا ايضا بكل اللجان التحقيقية التي شكلها رئيس الوزراء للنظر في سلسلة احداث وجرائم حصدت الكثير من ابناء العراق ودمرت العديد من الممتلكات العامة والخاصة منتظرين اعلان نتائجها ، ولكن للاسف لم تعلن اية نتيجة تذكر على الرغم من مرور اكثر من تسع سنوات على بعضها !! ومع ذلك نحن مع كل المبادرات التي تحل او تصوب او تعالج اي خطأ مهما كان مصدره ، ولدينا القدرة على الصبر ، لكن لدينا القدرة والقوة على الحوار مع من نشاء ايضا ، حيثما تقتضي الحاجة لذلك .
الان مرت اكثر من سنتين على اطلاق هذه المبادرة ..ماذا تحقق من نتائج ؟ وماالذي تغير؟ وماذا تم اكتشافه؟ .. الامر ببساطة حاله كحال لجان التحقيق! لم يحصل شئ يذكر، ماعدا تواصل التصريحات وتبادل التهم، وشيلني وأشيلك، بينما المال العام يسرق والسارق في مكانه بل ويستند على من يحميه ويتمتع بكل سيادته وحصانته، ،لكن لاتجري الرياح بما تشتهي السفن . ولانعرف سبب او مبرر السكوت والتغاضي عن هذا الامر من قبل الجميع الا اذا كانت الورطة قد احاطت بهم جميعا!!
ان هذا القرار بالتأكيد سوف يمس عددا كبيرا من المسؤلين،ونظرا لما يحمله من اسئلة شخصية فيها كشف مفصل  يقتضي الاجابة عليها، فأنه سيشكل خطورة كبيرة على من يعنيهم الامر فيما اذا طبقت بحقهم القوانين والانظمة ، وهذا امر مشكوك فيه لان ذلك يتنافى وهيبة الحكومة والاحزاب اذا تم الاعلان عن الاف المتورطين من السادة المسؤلين في قضايا الفساد والسرقة!! لذلك بقي تفعيل القرار محصور في حيز التصريحات الكاذبة والتبريرات المشوشة التي يفترضها المسؤلين من انها تقنع الشعب في البداية ثم ينساها الشعب في النهاية، وهذه سياسة انتهجهامعظم مسؤولي الحكومة والبرلمان مستفيدين من مبدأ: اكذب اكذب حتى يصدقك الناس!..معبرين بذلك عن جهلهم بطبيعة الشعب العراقي الذي يمتلك براعة الادراك ودقة الوعي وقوة الذاكرة، والاجمل تعبيرا هو المثل الشعبي القائل: مفتح باللبن!..
الامر الاخر.. ان تنفيذ وتطبيق هذا القرار وصولا للنتائج المرجوة يتطلب وضع اليات دقيقة ومفصلة وربما ستدخل في متاهات لاحصر لها،ذلك ان لاسلطة في تحديد نمط الاجابة ، والسؤال هنا ، كيف يمكن التأكد من صحة الاجابات؟ وهي النقطة الاساسية في الموضوع بل على اساسها تبنى كافة الاحتمالات، لان التلاعب بالاجابات له الف طريقة منها على سبيل المثال لا الحصر، ان الاموال غير مسجلة بأسم الشخص المعني، وكذلك العقارات، ومن يستطيع ان يعرف عدد الاملاك او كمية النقود التي بحوزتهم اذاكانت موزعة على عدة بنوك وفي عدة دول واقطار، وكيف يمكن حصر الممتلكات والعقارات المنتشرة في كل دول اوربا وامريكا وبعض دول الجوار العربية وغير العربية والتي  تقدر اقيامها بالمليارات، وماهي كميات الذهب التي تمتلكها عوائلهم الكريمة والموجود في الداخل عدا المهرب للخارج وهو الاكثر، تحسبا للطوارئ!! مضافا الى ذلك العمولات التي لاحصر لها المقبوضة من الشركات الاجنبية والمحلية والمسجلة حتما بأسماء اخرى ومتعددة في بنوك العالم او الموظفة في شركات عالمية عملاقة مقابل ارباح وفوائد سنوية، كل ذلك وامور اخرى جرت لها ابتكار وسائل جهنمية لاخفاء كل ملامح الشبهات. فكيف والحالة هذه ان يجري اعتماد الاجابات؟
طبعا هذا لايعني ان كل من حمل صفة موظف هو متورط بالفساد، انما هناك قطعا اناس شرفاء يعملون وفق مبادئ الضمير الحي والنزاهة الوطنية التي تضع مصلحة الدولة والشعب فوق كل الاعتبارات ،الخوف هنا ان هذه الظاهرة مرض سرطاني نخشى ان ينتشر ويصيب ماتبقى من الاجسام السليمة التي نأمل ان تبقى صامدة وتقاوم هذا المرض الخطير بكل الوسائل المتاحة . 
اننا امام كارثة كبرى لايمكن معالجتها من خلال استمارات واجابات ، فعلى من هم معنيون بالتصدي لهذه الظاهرة الكارثية ان يدركوا اولا حجم خطورة هذه الافة الفتاكة التي تنخر بالجسم العراقي وتدمر ثرواته الانية والمسقبلية ، وثانيا ان يواجهوا الامر بكل قوة الضمير الحي ، واضعين امام اعينهم مخافة الله وعهد المسؤلية الذي اقسموا بالله من اجله، وعليه لايجب السكوت عن اي موظف مهما بلغت درجته الوظيفية ومهما كان ارتباطه الحزبي او الديني اذا ثبت عليه جرم الفساد والسرقة والرشوة، ويجب التوغل حد الاعماق في هذه القضية، لان كما لديها رؤوس، فلديها اذناب ايضا، فلتعلموا ان بعض المسؤولين الكبار الذين يمارسون هذا النوع من التلاعب باموال الدولة والغارقين بالفساد المالي لم يظهروا في الصورة لانهم صناع الصفقات، ومن ينفذ هم صغار الموظفين المتخصصين، حيث يتم عقد الصفقات وفق اصول قانونية مثبتة على الورق، ولكن ثمة صفقات اخرى تجري خلف الكواليس وهي الاهم اذ تحدد العمولات والحصص وكيفية دفعها، والتي غالبا ما تستلم مباشرة بعد توقيع العقود لضمان سلامة استلامها لئلا تحصل اشكالات ما في التنفيذ!!!
هذا فيما يتعلق بالافراد ،لكن ماهو نصيب الاحزاب والكيانات السياسية والدينية من هذه المسائلة؟ اليست هذه الكتل هي جزء من مكونات الدولة والمجتمع حسب ما تدعيه برامجها، ولديها القدرة للتدخل في تفاصيل عمل الحكومة والوصول الى حد التأثير على قراراتها! ان نظرة فاحصة الى حجم الاموال التي صرفت على الحملات الدعائية الذي كان يفوق التصور، بالاضافة الى اعداد السيارات وتملك بنايات المقرات ورواتب العاملين والحمايات ، كل ذلك يدعونا للتساؤل: من اين لديها كل هذه الاموال؟ فاذا كانت تتلقى دعما ماليا من جهات اقليمية وغير اقليمية والله يعلم ماهو حجم هذه الاموال! فهل يدفع كل ذلك لسواد عيون الساسة؟ ام ان وراء كل هذه المساعدات اجندات سياسية  واهداف دينية وطائفية وقومية  داخل الساحة العراقية تجير نتائجها المخطط لها سلفا لصالح الجهات المانحة بعد ان تنفذ تلك الغايات من قبل الكيانات المستفيدة. بمعنى اخر عملية شراء ذمم وضمائر، وهي من باب الاسس القانونية تعتبر رشوة من جهات اجنبية ، فكيف تبوب هذه الاجابات ضمن استمارات الذمم والمصالح المالية؟؟
اعود واكرر ان معالجة هذه المعضلة هي اكبر من حجم توزيع استمارات والاكتفاء بتدقيق الاجابات التي ستكون حتما مخالفة للواقع ، ولاينبغي ان تستمر الية العمل وفق هذا الاسلوب ، نعم المبدأ صحيح وكشف العناصر المسيئة مطلوب بل واساسي في محاربة الفساد ، لكن لنبحث عن الوسائل الناجعة التي تفيد في تحقيق الغايات التي انطلقت من اجلها هذه المبادرة ، ولعل في مقدمتها هو اعادة النظر في اختيارات الكادر الوظيفي واجراء عملية تطهير جريئة وواسعة بعد التعرف وبدقة على كل الاعتبارات التي رافقت عملية التعيين للوقوف على حجم الاخطاء والتجاوزات والمحسوبيات التي ارتكبت اثناء عملية الاختيار، كفى اذلال ومهانة لهذا الشعب الذي صبر على كل شئ  وهو مرغم على ان يرى ويسمع ويحس من ان المعادلات الاجتماعية التي يمارسها بعض مسؤلي الدولة فيما يتعلق بحقوقه ، كلها خطأ ومجحفة بحق اهليته للعمل وتهميش خبرته وكفائته وقدرته الوظيفية لكي تمنح كل الفرص لاناس عديمي الخبرة والكفاءة بل وحتى بدون شهادات علمية ذات مستوى ،لمجرد كونهم يمثلون او ينتمون لهذا الحزب او ذاك، هذه هي احد اهم اسباب الفساد والسرقة ، ولمعالجتها يجب  ان تأخذ الكفاءات الحقيقية والخبرات الوطنية الشريفة مكانها في الموقع الصحيح في كافة اجهزة الدولة ،بدلا من تركهم عاطلين عن العمل مهجرين داخل وخارج وطنهم، وخلال ذلك يجري اعادة النظر في الاسس والقوانين المعمول بها واجراء التعديلات اللازمة بالاستفادة من تجربة التسع سنوات المرة الماضية  التي انتعش فيها الفساد  وترعرع ليصل حد ان يجعل من الاستثناء قاعدة وليصبح القول المأثور: من اين لك هذا ؟……. لماذا ليس لديك هذا ؟
كاتب ومحلل سياسي – عمان

أحدث المقالات