لا يمكن نكران الصراع المخفي قديما الذي كان يتأَرْجَح بينَ مَدٍّ وجزر في القدم بين مدرستين شيعيتين (الاخبارية والاصولبة) والذي انتهى بتغلب الاخيرة او بالاحرى بموت الاولى خلال العقد الماضي , فاصبحت الساحة بكاملها للمدرسة الاصولية حتى انني لم اعرف احدا اخباري غير المفكر الاسلامي الراحل المهندس عالم سبيط النيلي ويقال هناك اشخاص اقل من عدد الاصابع في كربلاء المقدسة من اتباع المدرسة الاخبارية , لذا ما كان بودي فتح هذا المف او التطرق له لولا تعرض صديقي في الكوت من قبل اشخاط بشان التبشير بالمدرسة الاخبارية والتشكيك بالمدرسة الاصولية والحالة تكررت مع ابن اخي في الحلة مع ان كلا الشخصين المستهدفين جامعين ومتدينين لكنهم غير مطلعين على هذا الشرخ المخفي , ولهذا استوجب علي ان اعرض هذه المسألة من باب البحث العلمي ليس الا مبينا الاسس التي تقوم عليها كل مدرسة وادوتها ومنهجها وحجتها والشخصيات التي نظرت لها.
1- المدرسة الاخبارية
هي مدرسة تتبع طريقة الوصول للحـكم الشرعي عـن طـريق الأخبار والقرآن مع جعل السنة هي المفسرة الوحيدة للقرآن الكريم بحيث إذا لم يرد نص في تفسير الآية الشريفة، لا تعتبر مصدر للتشريع لكونها مبهمة، مع عدم استخدام العقل والإجماع … والمدرسة الإخبارية ترافض أي شكل للنيابة من قبل مراجع الدين عن الامام المعصوم (ع) لأنها ترى: الرواية صادرة من العقل الكلي ، ولا يمكن أن يرقى إليها عقل البشر العاديين.
لقد ظهرت الحركة الاخبارية ابتداء من سنة 985 ه ثم اتسعت هذه الحركة وتمكنت من شق المدرسة الفقهية عند الشيعة الامامية إلى شطرين متصارعين ، وإضعفت مؤسسة الاجتهاد إلى حد بعيد , ولا نستبعد أن يكون الحكم الصفوي فكر في دعم وتكريس الحركة الاخبارية والاستفادة منها لربطها بالعجلة السياسية إلا ان هذه الحركة رغم هذا التقدم لم تتمتد في ايران كثيراً ، وإنما تكرست في البحرين ، ثم انطلقت منها إلى كربلاء ، وازدهرت وانتعشت فيها ، ثم اخذت تنحسر بالتدريج بفعل المواجهة التي قام بها وصعدها الوحيد البهبهاني .
أهم مبادءهم
الأول : تعتبر (السنة) هي المصدر الوحيد للتشريع لأنها هي المفسرة للقرآن .
الثاني : لا يعترفون بالعقل في تفسير الروايات لأن العقل لا يصل إلى مستوى نص الرواية الصادرة من المعصوم
الثالث : لا يعتبرون الإجماع كمصدر للتشريع .
الرابع : يعتقدون أن طريقتهم هي طريقة الشيعة القدماء .
الخامس : يقولون بأن الكتب الأربعة قطعية الصدور عن المعصوم
ابرز علماءهم المحدث ( أمين الاسترابادي 1023هـ) هو رائد الحركة التجديدية للاخبارين فقد حاول أن يرجع بتاريخ هذه الحركة إلى عصر الأئمة، ويثبت لها جذوراً عميقة في تاريخ الفقه الامامي، فهو يقول أنّ الاتجاه الأخباري كان هو الاتجاه السائد بين الفقهاء الإمامية إلى العصر الكليني ، والاسترابادي أسس الطريقة الإخبارية وأهم كتاب يبين طريقته ومعتقداته (الفوائد المدنية)، اتهم ” الاسترابادي ” الفقهاء الاصولين بانهم اتبعوا أهل القياس والرأي ، فدعى إلى رفضه والعمل بالاحاديث ، فكان يعتقد أن سيرته امتداد لسيرة الفقهاء في زمن الغيبة الصغرى وما قبلها حيث كان الفقهاء يعتمدون على الاحاديث ويرفضون الاجتهاد ، ولكن – على حسب زعمه – بعض الفقهاء انحرفوا عن تلك الطريقة وابتدعوا طريقة الاجتهاد , اما العلامة الإخباري محسن آل عصفور يَرى أنّ كتب الأصول الإمامية كُتب ضلال وتضليل , كَذلك العَلامة المُحقق البَحراني شَن هِجوم عنيف عَلى الأصولية، وبيِّن أنّ عِلم الأصول عِلم سُني وأنّه مُخالف لـ تعاليم الأئمة , والعلامة الحُر العاملي في معرض رده على الأصولية وتبيِّن أنّ الأصولية مُجرد جُهال ولا يَعرفون شَيء: “والذي لم يعلم ذلك منه يعلم أنه طريق إلى رواية أصل الثقة الذي نقل الحديث منه وعلى أي حال استمرت هذه الفكرة حتى القرن الثالث عشر فوصلت إلى ذروتها ، ومنهم الشيخ المجلسي صاحب البحار ، ولهذا من أهم الأسباب التي جعلته يقوم بتأليف البحار أنه إخباري ، ومنهم أيضا الفيض الكاشاني صاحب المحجة البيضاء، وتفسير الصافي تلميذ الملاّ صدرا والسيد نعمة الله الجزائري والشيخ يوسف البحراني صاحب الحدائق الذي ربما قيل إنه تحول عن هذا المنهج إلى الطريقة الأصولية والحر العاملي نفسه الذي يصف نفسه علناً بأنَّه أخباري، لم يشر في أمل الآمل إلى النزاع بين الأصوليين والأخباريين، وله مؤلف مشهور يدعى وسائل الشيعة… الحقيقية ان علماءناً إلى ما قبل الشيخ الطوسي والمفيد والمرتضى كانوا من الأخباريين , وقد أخذت الطريقة الاخبارية تنهار بعد أن وقف أمامها العالم الكبير ” المولى محمد باقر البهباني ” المتوفى سنة 1208 ، ومن بعده الشيخ مرتضى الانصاري ” باني الاصول الجديدة المتوفى سنة 1281
يسال احدهم كيف الشيخ الصدوق عندكم من الأخباريين وأنتم تجلونه وهو يرى سهو النبي والأئمة ويثبت ذلك في “من لايحضره الفقيه؟! بل ويعتبر كل من لايقول بسهو النبي من الغلاة ولا أعتقد أنكم توافقونه في ذلك كما أن معظم الشيعة لاتقول بسهو المعصوم أي أنهم غلاة حسب رأيه؟ أو ليس الشيخ المفيد عندكم من الأخبارية وهو لايرى بقاء الروح بعد موت الجسد بل ويشنع القول على من يرى ذلك ويعتبر هذا القول من قول الغلاة من أصحاب التناسخ؟ كما أنه يشنع على الشيخ الصدوق وربما نسبه إلى الجهل لقوله بسهو النبي؟ وهو لايرى أن للزهراء (ع) ابنا كان اسمه محسنا ولا يعتقد بالرجعة ويقول بأن الروايات في ذلك روايات آحاد رغم أن معظم علماء الطائفة يثبتونها وهو لا يجزم بقتل الظلمة من الأمويين والعباسيين للأئمة عبر قتلهم أو سقيهم السم في غير أمير المؤمنين والحسن والحسين (ع).
ونحن نرد على الاخبارين … ما موقفكم من قول النبي (صلى) (إنّي مخلّف فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي… ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً). ألا يعد إضافة لهذين الدليلين اجتهاداً مقابل النصّ؟! وتلك حجّتنا على أبناء العامّة، وهي حجّة صحيحة؛ إلى غيرها من الأمور التي لو استقصاها باحث منصف لوضح له الانحراف العقائدي الغريب لدى الأُصولين…وإن قلت: بأنّ الأصوليين لا يخرجون عن القرآن والرواية، فأُريد منك أن تجيبني على سؤالي: أعطني رواية تجوّز صلاة الإجارة أو صيام الإجارة؟
2- المدرسة الاصولية
بعد انتهاء الغيبة الكبرى ، برزت الحاجة إلى تدوين الأحاديث في موسوعات حديثية ضخمة، فبرز الحسن بن علي بن أبي عقيل (ت 381هـ) المعاصر للشيخ الكليني- بكتابه (المتمسك بحبل آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم )وكان موضع إعجاب وتقدير كبار فقهاء الأقدمين كالمفيد والطوسي ولاحقاً العلامة الحلي ، وقد قيل عنه بأنه أول من هذب الفقه واستعمل النظر وفتق البحث في الأصول والفروع في ابتداء الغيبة الكبرى وكذلك كان( ابن الجنيد ) بكتابه (تهذيب الشيعة لأحكام الشريعة ) وقد وصفه الخوانساري في (روضات الجنات ) أنه أبدع أساس الاجتهاد في أحكام الشريعة ثم صنف الشيخ الطوسي كتابيه (المبسوط ) و (الخلاف) واعتبرت هذه الكتابات المرحلة الثانية لتطور الفقه الشيعي وهما مِن أوائل مَن أحدثوا انقلابًا فقهيًّا وأصوليًّا في الفِكر الشيعي حينما قرَّرا مبدأَ الاجتهاد وتبعهم المحقّق الحلّي المتوفّى سنة (676 ه) ، إذ كتب تحت عنوان حقيقة الاجتهاد يقول فيه: « بذل الجهد في استخراج الأحكام الشرعية ، وبهذا الاعتبار يكون استخراج الأحكام من أدلّة الشرع اجتهاداً ؛ ولكنّ المحقّق الحلّي لم يتحرّج عن اسم الاجتهاد بعد أن طوّره ، أو تطور في عرف الفقهاء تطويراً يتّفق مع مناهج الاستنباط في الفقه الإمامي ، إذ بينما كان الاجتهاد مصدراً للفقيه يصدر عنه ، ودليلاً يستدلّ به كما يصدر عن آيةٍ أو رواية ، أصبح في المصطلح الجديد يعبِّر عن الجهد الذي يبذله الفقيه في استخراج الحكم الشرعيّ من أدلّته ومصادره ، فلم يعدْ مصدراً من مصادر الاستنباط ، بل هو عملية استنباط الحكم من مصادره التي يمارسها الفقيه.
فالاجتهاد ليس مصدراً للحكم ، بل هو عملية استنباط الأحكام من مصادرها ، فإذا قال الفقيه «هذا اجتهادي» كان معناه أنّ هذا هو ما استنبطه من المصادر والأدلّة فمن حقِّنا أن نسأله ونطلب منه أن يُدِلَّنا على تلك المصادر والأدلّة التي استنبط الحكم منها , ثمن اتطور الامر وقالوا يجب على كل مكلف في عباداته ومعاملاته أن يكون مجتهداً أو مقلداً أو محتاطاً. العروة الوثقى: ج1 و(من لم يكن مجتهدآ ولامحتاطآ ثم لم يقلد المجتهد الجامع للشرائط فجميع عباداته باطله لاتقبل منه وان صلى وصام وتعبد طول عمره ) عقائد الاماميه ص62 وقد استدلوا بدليل على وجوب التقليد لغير المعصوم بالتوقيع الصادر عن الإمام المهدي (ع) في زمن الغيبة الصغرى على يد السفير الثاني محمد بن عثمان العمري والتوقيع هو: (عن إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل أشكلت علي فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان (ع): أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك… إلى أن قال:وأما الحوادث الواقعة فأرجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فأنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله، وأما محمد بن عثمان العمري فرضي الله عنه وعن أبيه من قبل، فإنه ثقتي وكتابه كتابي). الوسائل ج18 ص101 وقد ورد عن الأمام العسكري (ع) انه قال (فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافضا لدينه مخالفا لهواه مطيعا لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه)…اما الدليل على وجوب تقليد المرجع فكان من الكتاب المجيد والسنة الشريفة والسيرة القطعية المستمرة , أما الكتاب فقوله تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } النحل43 وقوله تعالى {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } التوبة122 لذلك يجب على من تعلم الإنذار , ويجب على من سمع الإنذار الحذر وأما السنة فروايات كثيــرة جدا بل متواترة ومستفيضة وكذلك استدلوا بالسيرة القطعية للعقلاء من زمن الأئمة وإلى الآن , حيث كانوا ولا زالوا يرجعون إلى العالم في حل قضاياهم الفقهية والدينية , ولم يردع عنها الإمام ولم يقل لا تأخذوا عن العلماء فقط , بل الإمام سكت , وسكوت الإمام إقرار بحجية السيرة وغير ذلك من الأدلة مضافا إلى أجماع الفقهاء على وجوب التقليد وهو مطلب عقلائي تفرضه سيرة العقلاء ومرتكزاتهم في عودة الجاهل في الاختصاص إلى العالم في ذلك الاختصاص..بقي هل للإنسان حرية اختيار المرجع الذي يريد تقليده وما هو الدليل الشرعي على ذلك ؟! فيكون الجواب على تفصيل حيث يختلف الجواب لاختلاف آراء الفقهاء , حيث أن البعض منهم وهم القليل لم يشترط الأعلمية في مرجع التقليد , وقال لا يجب تقليد الأعلم وإنما الواجب تقليد مجتهد , ولكن أغلب الفقهاء ومعظمهم أوجبوا تقليد الأعلم , وقالوا لا يجوز تقليد غير الأعلم وقد استدلوا على ذلك بعدة أدلة أذكر منها ثلاثة فقط
الأول : الإجماع ـ على وجوب تقليد الأعلم ـ وقد حكي هذا الإجماع عن السيد المرتضى في كتاب الذريعة وغيره .
الثاني : الدليل عقلي , وبناء العقلاء حيث أن العقلاء يرجعون إلى الأعلم في كل مجالاتهم , فالإنسان المريض يذهب إلى أفضل طبيب, فكيف بالأمور الدينية التي هي أساس كل شيء ؟!
الثالث : الأقربية إلى الواقع , حيث قال الفقهاء إن فتوى الأعلم أقرب إلى الصحة وإلى الواقع , وكلما كان الرأي أقرب للواقع لزم ووجب الأخذ به فبناءا على الرأي الأول الذي يقول بعدم وجوب تقليد الأعلم يجوز للمكلف أن يختار من يشاء من المجتهدين , ولكن بناءا على رأي أغلب علمائنا المعاصرين الذين يقولون بوجوب تقليد الأعلم من بين الفقهاء , لا يجوز للمكلف أن يختار من يشاء بل يجب عليه أن يبحث عن المجتهد الأعلم لكي يقلده .
الصراع بين الإخباريين والأصوليين
ان الاسترابادي “أول من فتح باب الطعن على المجتهدين ، وهو الذي وضع تقسيم (أخباري/ مجتهد) وله كتاب “الفوائد المدنيّة في الرد على القائل بالاجتهاد والتقليد في الأحكام الإلهية”.
وقد رد نور الدين العاملي على ما ألفّه الاسترابادي بكتاب أسماه: “الفوائد المكيّة في مداحض حجج الخيالات المدنية ونقض أدلة الأخبارية”، ورد عليه أيضاً دلدار علي الكهنوي بكتاب اسمه “أساس الأصول” وفي الجانب الآخر، أي الإخباريين، ألفّ الميرزا محمد عبد النبي النيسابوري الهندي الشهير بـالأخباري كتاباً أسماه “معاول العقول لقلع أساس الأصول” دافع فيه عن كتاب الفوائد المدنيّة للاسترابادي ، وعنّف القول على مؤلف أساس الأصول واستخدم السباب والشتام، فانبرى عدد من تلاميذ دلدار علي ( نظام الدين حسين ، و أحمد علي وغيرهما) للدفاع عن شيخهم والرد على الأخباري ، وألفّوا كتاب “مطارق الحق واليقين لكسر معاول الشياطين”وهكذا ظل الصراع محتدماً بين الإخباريين والأصوليين خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر، وبرز من الإخباريين في تلك الفترة الشيخ يوسف البحراني ، صاحب كتاب “الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة”، والمولود سنة 1107هـ والمتوفى سنة 1187هـ وكانت المعارك بين الطرفين تدور بشكل خاص في مدينة كربلاء في العراق، حيث كان للأخباريين وجود لافت، ولم يقتصر النزاع على علماء الشيعة من الطرفين، إنما انتقل إلى صفوف عوامهم، وأفتى بعض الأصوليين من علماء الشيعة بعدم صحة الصلاة خلف البحراني.
وفي المقابل أوغل الأخباريون في الازدراء بالأصوليين وتسفيه منهجهم ومؤلفاتهم، إلى درجة أنهم كانوا لا يلمسون مؤلفات الأصوليين بأيديهم خوفاً من نجاستها، إنما كانوا يقبضونها من وراء ملابسهم، كما جاء في كتاب جامع السعادات للنراقي
خلاصة
الأخبارية هي إحدى فرق الإمامية الاثنى عشرية ، التي ظهرت أوائل القرن الحادي عشر الهجري على يد الميرزا محمد أمين الاسترابادي ، ويقابلها طائفة الأصوليين الذين يمثلون الأكثرية داخل الشيعة الإمامية ، والاخباريون ما زال لهم وجود حتى اليوم والخلاف بين الطائفتين يمثل خلافاً في بنية المذهب الشيعي وفي أركأنه ورجاله، حيث ترى الأخبارية أن الاعتقاد السليم يقوم على العمل بالأخبار المنقولة عن المعصومين – حسب زعمهم – أو المنسوبة إليهم بدون النظر إلى شيء آخر فهم لا يعتمدون إلاّ على متون الأخبار التي تروى عن أئمتهم، ويتمسكون بظاهر الحديث، ولا يرون الأدلة الشرعية إلاّ الكتاب والحديث، وهم بذلك يمنعون الاجتهاد وإعمال العقل.
ويرى الإخباريون أن ما في كتب الأخبار الأربعة عند الشيعة أهم المصادر للأحاديث المروية من الأئمة، وهي:
أ- الكافي: لمحمد بن يعقوب الكليني (ت 328هـ)، وفيه 16199حديثاً.
ب- كتاب من لا يحضره الفقيه: لابن بابويه القمي المشهور باسم “الصدوق” (ت 381هـ).
ج- تهذيب الأحكام: لأبي جعفر الطوسي المعروف بـ “شيخ الطائفة” (ت 460هـ).
د- الاستبصار: للطوسي أيضاً.
يقول الفيض الكاشاني (ت 1090هـ) “إن مدار الأحكام الشرعية اليوم على هذه الأصول الأربعة وهي المشهود عليها بالصحة من مؤلفيها فكلها صحيحة قطعية الصدور عن الأئمة، ويقولون ما دام أصحاب الأئمة نقلوا هذه الروايات من الأئمة، فأنها لا تحتاج إلى النظر والبحث والتحقيق والتفتيش، لا عن السند لأنها من صاحب الإمام، ولا عن المتن لأنه من الإمام..
وبالمحصلة فإن الأخباريين يرون الحجة في الكتاب والخبر – حسب مفهومهم ـ، ولا يرون حجة للإجماع أو الاجتهاد أو دليل العقل.
ويعتقدون أن الاتجاه الأخباري كان هو السائد بين فقهاء الإمامية إلى نهاية عصر الأئمة، ولم يتزعزع هذا الاتجاه إلاّ في أواخر القرن الرابع الهجري وبعده ، حين بدأ جماعة من علماء الإمامية ينحرفون عن الخط الإخباري ويعتمدون على العقل في استنباطهم، ويربطون البحث الفقهي بعلم أصول الفقه، تأثراً بطريقة أهل السنة في الاستنباط، ثم أخذ هذا الانحراف – كما يقولون – بالتوسع والانتشار. فهم يعتبرون أنفسهم حركة تصحيح وتأصيل، تطلعت للعودة إلى الينابيع الأولى لفقه الإمامية ، وتجاوز التطورات التي جدّت عليه.
ظهرت الحركة الأخبارية على يد الميرزا محمد أمين الاسترابادي كانت بعض أوساط الإمامية تعتبره “المجدد لمذهب الإخباريين” باعتقادهم أن ابن بابويه القمي (الصدوق)،المتوفى سنة 381هـ هو رئيس الأخباريين استناداً إلى كتابه “من لا يحضره الفقيه”، فقد أراد أن يضع كتاباً في الفقه يرجع إليه من لا يجد فقيها شيعيا يستفتيه، لكن كتابه خرج مجموعاً منتخباً في الحديث.
اما المدرسة الاخرى فأهم ما شغل العلماء الإمامية في بداية عصر الغيبة هو البحث عن الدليل عند استنباط الحكم الشرعي نظراً لوقوع الحوادث والمستجدات فبذل العلماء جهودهم وسنّوا قواعد يستمدون منها أحكامهم الشرعية ويستندون إليها في أقضيتهم وحوادثهم حتي انشأت المدرسة الأصولية , وامّا أركان هذه المدرسة، أربعة فقهاء، حيث عرضوا أربعة كتب مستقلة في أصول الفقه:
الشيخ المفيد (ت 413هـ-1022م) في «رسالته الأصولية» قام بإعادة تأسيس المعارف الإمامية، وتأصيل أصول التفريع الفقهي، وذلك بعد أقل من قرن كامل على الغيبة الكبرى ويعدّ كتابه اوّل كتاب مسقل يتناول علم الاصول الفقه عند الإمامية .
ثم قام السيد المرتضى (ت 440هـ-1048م) في كتابه «الذريعة إلى أصول الشريعة» بتفصيل المباحث الأصولية التي عرّفها الشيخ المفيد وذلك للتشويش الذي ظهر في عصره وذكر في مقدمته أن هذا الكتاب منقطع النظير في إحاطته بالاتجاهات الاصولية.
ثم قام الشيخ الطوسي (ت 460هـ-1068م) بتطوير المدرسة الاجتهادية وبدأ بممارسة الكتابة فكتب كتاب «عدة الاصول» وميّز فيه البحوث الأصولية عن الفقهية وقد جعل مصادر الاستنباط وأدلّة الفقه أربعة: الكتاب، والسنّة، و الإجماع ، والعقل.
وفي القرن العاشر دخل الاجتهاد عند مدرسة الاصولية مرحلة جديدة على يد المحقق الأردبيلي (ت 993هـ-1585م)،حيث يظهر الاتجاه العقلي بصورة واضحة في مجال الفقه الاجتهادي، ويتم تأكيد عملية تربيع مصادر الأحكام في المدرسة الأصولية .
وفي العصر الحاضر تعد المدرسة الأصولية من أكبر المدارس الشيعية ويُنسب إليها أهم الحوزات، منها حوزتي النجف في العراق وحوزة قم في ايران.
اما من يقول ان علم الاصول اصله سني والشيعة اعتمدوه فيما بعد فهذا ليس صحيحا حيث ((إن أول مؤلف لمدرسة أهل السنة في علم الأصول هو رسالة الشافعي ، وفي تلك الفترة كتب الشيعة رسائل مختلفة في علم الأصول ابن أبي عمير ـ المتوفى عام 217 هـ ـ ويونس بن عبدالرحمن ـ المتوفى عام 208 هـ ـ في علاج الحديثين المختلفين ، وكتبا أيضاً في العام والخاص والناسخ والمنسوخ ، وليس الشافعي أقدم منهما زماناً، فقد ولد عام 150 هـ بعد وفاة الصادق عليه السلام بينما يونس بن عبدالرحمن ادرك الصادق عليه السلام وتوفي الشافعي عام 502 هـ مقارباً لوقت وفاة يونس بن عبدالرحمن ، فلم يثبت أن الواضع الأول لعلم الأصول هو مدرسة أهل السنة)) الـرافـــد فـي عــلـم الاصـول ـ محاضرات السيد علي الحسيني السيستاني, كما ان ((إن وجود القواعد الأصولية نفسها في النصوص والروايات ، كالروايات الدالة على حجية خبر الثقة ، وعدم حجية القياس ، وحجية أصالة البراءة والإستصحاب ، وقواعد التعارض ، لا يلغي قيمة علم الأصول بل يؤكد لنا انبثاق هذا العلم من منبعه الصافي وهم أهل البيت عليهم السلام لا من المدارس الأخرى كما ذكر بعض المحدثين . فوجود هذه المسائل الأصولية فى النصوص كوجود بعض البحوث الأصولية في ضمن البحوث الفقهية)) المصدر السابق
اخر المطاف
لا اريد ان اقول لكم اي المدرستين اولى بالاتباع فانتم الذين تقولون لي بعد هذا العرض الموجز لفكرة الاسس التي تقوم عليها كل مدرسة والحجج والذرائع والادلة التي تتبناها فقط اردت ان انوه ان المذهب الشيعي يعتمد على اربعة كتب ثلاثة من مؤلفيها اصليون وان الامام الثاني عشر (ع) غائب فلو كان حاضرا او ظهر لبطلت الحاجة الى المجتهدين وعلمهم الاصولي .
ان أهمية منصب المرجعية الدينية الذي يمثله المراجع العظام للطائفة تكمن في كونهم الامتداد لمنصب الإمامة الإلهية ولتوضيح ذلك : أن الرؤية الشيعية التي تطرحها مدرسة أهل بيت العصمة (ع) تتبنى أن المناصب الإلهية ثلاثة ، وهي: منصب النبوة، ومنصب الإمامة،لا ومنصب المرجعية الدينية وكل منصب من هذه المناصب الثلاثة يعد مكملا للمنصب السابق وامتدادا له , فسلسلة المناصب الإلهية تبدأ أولا بمنصب النبوة الذي ختم بنبوة خاتم الأنبياء صلى الله عليه واله , وقد انقطعت هذه السلسلة – بحسب رؤية المخالفين – بموت النبي الأعظم صلى الله عليه واله ، وعاد الأمر إلى الناس يختارون من يريدون من خلال نظام الشورى .
وعلى ذلك فمنصب الإمامة – بحسب الرؤية الشيعية – يشكل امتدادا لمنصب النبوة ، وحفاظا على هذا الامتداد فإن منصب الإمامة وإن ختم بخاتم الحجج المهدي المنتظر ( ع) إلا أن التشريع السماوي قد أولى هذا الامتداد أهميته وعنايته ؛ ولذلك جعل منصب المرجعية الدينية منصبا امتداديا للمنصبين المذكورين ، بهدف المحافظة على معارف الدين وتعاليم الشريعة التي جاء بها الأنبياء والأئمة (ع) في ظل إمامة إمام العصر ( أرواحنا فداه ) فقول النبي صلى الله عليه واله (العلماء ورثة الانبياء) وقول الصادق عليه السلام : (الفقهاء أمناء الرسل) وقول الإمام الحجة ؛ فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله تبين اهمية الحاجة الى مرجع التقليد.