22 نوفمبر، 2024 2:37 م
Search
Close this search box.

ايها المغول ….عفوا فقد ظلمناكم

ايها المغول ….عفوا فقد ظلمناكم

 تقول كتب تاريخنا المثقل بالمبالغات والتزييف بسبب سيطرة الاهواء والتحزب على رواة احداثه وقصصه ، أن المغول عندما اجتاحوا بغداد السلام ، ارتكبوا الشناعات وانتهكوا الحرمات وعملوا المجازر باهلها حتى اصطبغت مياه دجلة الخير باللون الاحمر من كثرة الدماء المسفوحة على جوانبه ( وهذا بالطبع وصف خيالي كعادة رواة تاريخنا ) …
    مع ذلك ليس لنا ان نلوم المغول حتى لو صدقت اكثر الروايات مبالغة في وصف وحشيتهم…فهم قوم بدائيون من سكنة البوادي الباردة المقفرة في وسط اسيا ، مقطوعو الصلة بالحضارة والثقافة ، وهم الى ذلك غزاة غرباء عنا دينا وموطنا ولغة وثقافة ….فان ارتكبوا الشناعات ، فهذا ديدن كل غاز حتى لو كان متحضرا ( الاميركيون مثلا في العراق وفيتنام) …دون ان ننسى ان دخول المغول الى حاضرة الخلافة العباسية العربية الاسلامية بغداد ماكان ليتم لولا تواطؤ وتامر البعض من اهلها ممن ركبتهم وساوس الطائفية وغلبت على انتمائهم الديني والقومي (تماما كما يجري في يومنا هذا ). فكيف الامر مع غزاة في عصر كان يبيح للفاتح فعل مايحلو له دون خوف من مجلس أمن او منظمات حقوق الانسان….
    المهم هو النظر الى حال المغول الهمجيين بعد أن استقروا في البلاد التي فتحوها….فقد انفتحوا على ثقافاتها ودياناتها بتسامح قل نظيره ، واندمجوافيها دون تعصب ، فأسلم من غزى بلدانا اسلامية ، وتنصّر من فتح بلدانا مسيحية ….وبنوا حضارة كبرى في افغانستان على يد محمود الغزنوي ، ومنها فتحوا الهند فلم يتعسفوا ولم يضطهدوا دياناتها العديدة ولم يجبروا احدا على اعتناق الاسلام….والاكثر من ذلك ان السلطان ( أكبر ) وبعد اطلاعه العميق على الديانات الهندوسية والمسيحية ووجد الكثير من المشتركات بينها وبين الاسلام ، شجّع على تأسيس ديانة جديدة تجمع مابين الديانات الثلاث تعرف اليوم بـ ” السيخية ” . ونذكر ايضا ان المغول هم من نشروا الاسلام في شرق اسيا والقفقاس وجنوب روسيا والى تركستان في الصين …
     فأن كنا ندين المغول لغزوهم بلادنا واسقاط اكبر واخر امبراطورية عربية عرفها الزمان  ( وان كان سقوط الامبراطوريات الكبرى – حسب المؤرخ الكبير توينبي – لا يكون الا بسبب ضعفها الداخلي وبالتالي عجزها عن التصدي للتحدي الخارجي ..وهذا ما حدث للامبراطورية العباسية المتهالكة التي كان اخر خلفائها يعتقد انه ظل الله في الارض وان لا احد يجرؤ على لمسه الى ان قتله المغول بطريقة اعدامهم المعروفة وهي الموت تحت ارجل الخيول )….الا اننا نقف باحترام امام تسامحهم الديني والثقافي والقومي تجاه شعوب البلدان المقهورة ، وتفاعلهم الايجابي وانصهارهم في ثقافاتها واكثر الشواهد الاثارية في بغداد اليوم تعود للعصر المغولي….وبذلك يكون المغول قد طبقوا ماقاله فيما بعد ابن خلدون : ” ان الغزو يبدأ بالسيف لكن الاستقرار لا يكون الا بالقلم ” .
   هذا هو حال المغول المتوحشين الغرباء ..لكن ماذا نقول لوحوش اخرى لم تات لا من الشرق ولا من الغرب ولا من اي كوكب بعيد …وحوش نبتت من بين ظهرانينا …تتكلم بلغتنا وتشاركنا ديننا ومكاننا وزماننا ….ثم تستكلب علينا وتكفرنا وتضع جداولا لتصنيفنا ، لا على اساس سنّة التطور التي جاء بها المغفور له دارون ، ولا على اساس الخصائص الطبيعية والكيمياوية التي وضعها طيب الذكر مندلييف ، وطبعا ليس على اساس ما جاء به نبّي الله وقرانه…..بل وفق مذهبيات لم يكن لنا خيار فيها…فكل منا ولد وهو يحمل معه عقيدته ومذهبه كما يحمل اسمه ولقبه….فبأي ذنب تسفك دمائنا من اجل امور لم يكن لنا رأي في اختيارها ؟
    اذن ماذا نقول لهذه الوحوش النابتة من ارحامنا وهي تمارس هواية قطع الرؤوس الحية كما الحجرية لتوغل اكثر في قطع الصلة مع تاريخنا وحضارتنا ؟  ماذا نقول لها وهي تستبدل شرائع السماء وشرعة الانسانية بشرائع لا تمت لعصرنا بصلة وتسيء للانسان وكرامته التي يقال ان الله خلقه بأحسن تقويم وأكرمه وأمر ملائكته بالسجود له تعظيما ؟
   أن كانت هذه الوحوش قد قطعت الصلة بعصرها وأعلنت انتمائها الى أزمان غبرت والى ثقافات اندرست ، فهذا شأنها ، لكن أن تعمم رؤيتها الظلامية علينا وان تأخذنا في احكامها المجافية للمنطق وروح العصر فهذاهو المحال الذي يجب التصدي له واجهاضه .
   المستوحشون الجدد ليسوا وقفا على طائفة دون اخرى .فكلهم في غيّهم سواء…وما يدعّونه من انتماءات سالفة فيه الكثير من المغالطة….فلا تلك العصور التي يزعمون الانتماء لها كانت راشدة ولا هم يحزنون…ومن يصف انتمائهم بالجاهلية فقد ظلمها…فالجاهلية ربما كانت أفضل بكثير حتى من عصرنا هذا الذي تسود فيه ثقافة المحرمات التي كانت محللة في الجاهلية …
    المصيبة هي في ثقافة الاجتثاث…اجتثاث الاخر المختلف معي في الرأي او في العقيدة…لا فرق بين داعش وماعش…وكل من يبّوق في مزامير تاريخنا المثقل بالزيف ويستخدمه مطية يركبها لتحقيق أغراض دنيئة .
   ثقافة قطع الرؤوس والغاء الاخر والقتل بالكواتم تحت شعارات الله اكبر وثارات الحسين لا تعدو الا تعبيرا عن ثقافة اجتثاثية مفلسة ودنيئة تجتاح عامنا العربي……يغذيها الجهل والتخلف والبؤس العاصف بمجتمعاتنا ، خاصة لدى الشباب ، ويغذيها من ناحية اخرى مشايخ وخطباء الفتنة المدعومين رسميا من هذا النظام او ذاك ومن اثرياء جمعوا أموالهم من السحت الحرام …ليس لهم هم الا تكفير الاخر واستدعاء النوازع الشيطانية والاجرامية للحض على قتل الاخر في وضح النهار .
    تاريخنا واكاذيبه أصبح الواسطة لاثارة الفتنة والعداء والكراهية…ودافع الجميع بالطبع ليس الاسلام ولا نبيّه ولا حفيده الحسين …لان هؤلاء لم يمنحوا احدا توكيلا بتمثيلهم ، بل هو السلطة والنفوذ …فالعمى الفكري والاخلاقي بلغ دركا سحيقا.
   نقولها وللمرة الالف أن فكر الاجتثاث ‘ اي كانت مراكبه ، لا يصلح حتى لدول وشعوب ماقبل التاريخ فكف الحال ونحن في القرن الواحد والعشرين ؟ هل المطلوب تطويع البشر والحجر والدولة والمؤسسات وحتى التاريخ لمنطق المذاهب والطوائف وحتى القبائل والعشائر ؟
    ختاما نقول عفوا ايها المغول .ماكان اجتياحكم بغداد العروبة الا بتواطؤ من تخلى عن عروبته وكنتم اكثر تسامحا من المتوحشين الجدد الذين لم يوفروا لا من يقول انا عربي ولا من يوحد الله…وكان الله منهم بريئا. 

أحدث المقالات