ما احوجنا اليوم الى نبني قوانين جديدة تكون اكثر ردعا لمحاسبة الفاسدين .. ولا باس ان كانت هذه القوانين مستنبطة من قوانين ظهرت قبل الاف السنين فحتما ستكون هذه القوانين اكثر عدالة واكثر مقبولية وتأييدا من المواطنين المتحفزين للانقضاض على السياسيين من سراق المال العام وقدوتنا في ذلك الملك حمورابي الذي دون على مسلته المشهور قوانين تنظم امور مملكته .. وقدوتنا في ذلك ايضا ملك سومر اورنمو الذي اصدر سلسلة قوانين تضمنت الوقوف بوجه الطبقة الحاكمة ونصت صيغة القانون على ” منع الكهنة وكبار الموظفين من استغلال وظائفهم الدينية والحكومية لتحقيق السلطة والثراء على حساب الشعب ” كان ذلك قبل الاف السنين وليس في العام 2006 ونحن بدورنا نطالب مجلس النواب بتفعيل قرارات اورنمو لمكافحة الفساد المستشري في البلاد .. والفساد آفة لايمكن القضاء عليها دون تكاتف كل الجهود .. ويعرف الفساد المالي بانه انتهاك القوانين والانحراف عن تأدية الواجبات الرسمية في القطاع العام لتحقيق مكسب مالي شخصي .. ويعرف من خلال المفهوم الواسع بانه الاخلال بشرف الوظيفة ومهنيتها وبالقيم والمعتقدات التي يؤمن بها الشخص وكذلك هو اخضاع المصلحة العامة للمصالح الشخصية وغالبا ما يكون عن طريق وسطاء ولا يكون مباشرا ..
ان ظاهرة الفساد تعرقل عملية البناء والتقدم في كافة المستويات الاقتصادية والمالية والسياسية والاجتماعية والثقافية لعموم ابناء المجتمع فهي تهدر الاموال والثروات والوقت والطاقات وتعرقل اداء المسؤوليات وانجاز الوظائف والخدمات .. ومن ابرز ظواهر الفساد الملفته للنظر ظاهرة وجود اكثر من 9000 مشروع متوقفة عن العمل بحسب منظمة الشفافية الدولية ومن بين هذه المشاريع الوهمية او غير منجزة والظاهرة للعيان مثل مشروع بناء دار الاوبرا الذي يقع ضمن الارض المحصورة بين جسري السنك والجمهورية والذي شرعت وزارة الثقافة بتنفيذه بالاتفاق مع شركة تركية لكن المشروع بقي معطلا بعد ان قامت الشركة المنفذه بحفر الخنادق التي باتت بركا للمياه الاسنة على انقاض حديقة غناء تعطي جمالية للمنطقة خاصة وانها مجاورة لنهر دجلة .. ومن المشاريع الاخرى المعطلة مشروع تطوير قناة الجيش الذي مازال رغم المبالغ الكبيرة التي صرفت عليه يؤشر وجود الف علامة استفهام واستفهام .. وغيرها الكثير من المشاريع التي بقيت مشاريع معطلة تؤشر وجود فساد مالي .. والفساد المالي لا يشمل شاغلي الدرجات الوسطى في الحكومات بل يشمل حكام ورؤساء دول فسجلات التاريخ المعاصر رصدت سيرة حكام فقدوا السلطة وحوكموا على ايدي خصومهم او شعوبهم التي انتفضت في مواجهة سياسات رؤسائهم فانتقلوا من ابهة العز واضواء القصور ورغيد العيش الى ذل السجون وظلامها الدامس وطعامها الزقوم وهم من كانوا قد اعتادوا الحرير واساور الذهب قبل ان يحولها القدر الى اساور حديدية لينتهي بهم المطاف خلف اسوار وقضبان يغطيها اللون الاسود والظلمة والوحشة وذل المعاملة .. وقد تباين مصير هؤلاء الرؤساء الذين اطيح بهم من سدة الحكم .. فمنهم من زج به الى غياهب السجون ومنهم من اعدم او نفي خارج بلاده .. ولكن تبقى محاكمة المفسدين هو المشهد المشترك فيها خاصة اذا ماكانوا من المسؤولين او كانوا رؤساء دول يخضعون لمحاكمة قضايا فساد سياسي او اهدار المال العام.
ومثلما يوجد رؤساء مفسدين يوجد رؤساء وحكام كانوا مثالا للنزاهة .. فيقال ان لينين الذي بنى الاتحاد السوفيتي من العدم ورحل وجدوا في جيبه 6 روبلات فقد .. ويقال ان ستالين الذي هزم النازية وبنى دولة فيها 20 الف دبابة رحل وهو لايمتلك بيتا وبقيت ابنته سفتلانا تعيش في بيت للايجار بعد انهيار الاتحاد السوفيتي .. ويقال ان كاسترو الذي اسس كوبا الحديثة وامم كل الامتيازات الاقطاعية اهدى اليه صدام حسين سيارتين نوع مارسيدس اخر موديل بعد مؤتمر هافانا لعدم الانحياز لم يركب فيها كاسترو وبيعت في المزاد العلني واضيفت قيمتها للمالية العامة .. اما هوشي منَه الرئيس الفيتنامي الذي اسس في بضعة سنين اعظم دولة صناعية فقد مات في بيت من القش .. فيما اسس ماوتسي تونغ الصين الحديثة وفي غضون 5 سنوات اصبحت الصين القروية المتخلفة من ارقى الدول الصناعية وكان ينزل الى الشارع يكنس الطرق مع عمال النظافة .. وجوهر الموضوع هو ان هؤلاء لم يتربوا فكريا ومعرفيا وثقافيا واجتماعيا على فكرة الغنيمة وما يمكنه من جني ارباح من المال العام .. ولا ننسى ونحن نستعرض القيم النبيلة لرؤساء اجانب من التطرق الى رؤساء ومسؤولين عراقيين اتصفوا بالنزاهة ومنهم الملك غازي الذي مات في الغربة نتيجة مرض عضال وهو يفتقر الى المال اللازم لاكمال علاجه فيما مات رئيس الوزراء نوري سعيد الذي ترك بصمات واضحة في تاريخ العراق السياسي ولم يمتلك اطيان ولا ارصدة في البنوك رغم توليه رئاسة الحكومة العراقية 14 مرة .. اما الزعيم عبد الكريم قاسم فحدث بلا حرج فقد مات هذا الزعيم نزيها عفيفا تاركا مبلغ 17 دينار وليس 17 مليار دينار هي كل مايملك من متاع الدنيا فلم يمتلك هذا الزعيم قصورا او فللا في سويسرا او ارصدة تحمل ارقام سرية فقد فارق الحياة بعد اعدامه تاركا بيتا صغيرا عائدا لاملاك الدولة.. فما احرانا اليوم ان يتشبه حكامنا ولو بجزء قليل من مكارم اخلاق ونزاهته من سبقوهم و لانريد من المسؤول ان يكون نسخة ” كوبي شوب ” من المهاتما غاندي في نزاهته لكننا نريد من المسؤول ان يأخذ جزءا ولو قليلا من نزاهة غاندي الذي احب شعبه فكانت علاقته معه علاقة روحية ترتقي الى مستوى اخلاق الانبياء .