-1-
المظالم كثيرة يصعب ان تُعدّ أو تحصر …
وهي ليست من لون واحد ، ولا من مصدر واحد …
ويندر أنْ يخلو منها بلدٌ من البلدان او زمنٌ من الأزمان …
-2-
واذا كان “القضاء” هو المعنيّ بالفصل في الخصومات وارجاع الحقوق الى اصحابها ، فان عملية ” الترافع” قد تستغرقُ وقتا طويلاً حتى يتبين الخيط الابيض من الأسود …
-3-
وهناك على مدى التاريخ حالاتُ انتهاك فظيعة، يستحوذ فيها الاقوياء على حقوق ” الضعفاء ” ويبتلعونها ابتلاعا ….
يقول الشاعر :
في فمي ماءٌ وهل ينطقُ مَنْ فيهِ ماءُ
إنَّ من كان قوّياً أكلتهُ الضعفاءُ
-4-
ويبلغ الظلم أحيانا الى درجة اغتصاب الأرض فتكون هي وغلّتُها للغاصب، بينما يدفع صاحبها المظلوم الضرائب ..!!
وهذه هي الدرجة العليا من الابتزاز والاجحاف .
-5-
وقد قرأتُ ” قصة ” مثيرةً في هذا الباب ، رأيتُ من المفيد اثباتها في هذا السياق :
جلس (ابن الزيات) – الوزير – للمظالم يوما ،
فلما انقضى المجلس رأى رجلاً جالساً ، فقال له :
ألك حاجة ؟
قال :
نعم
ادنني اليك ، فاني مظلوم ، وقد أعوزني العدل والانصاف
قال :
ومن ظَلَمَكَ ؟
قال :
أنتَ ، ولستُ أصلُ اليك فأذكر حاجتي .
قال :
وما يحجبك وقد ترى مجلسي مبذولاً ؟
قال :
يحجبني عنك :
هَيْبَتُك
وطولُ لسانك
وفصاحتُك
قال :
ففيمَ ظَلَمْتُك ؟
قال :
في ضيعتي الفلانية ،
أخذها وكيلُكَ غصباً مني بغير ثمن ،
فاذا وَجَبَ عليها خراجٌ أديتُه باسمي، لئلا يثبت لك اسم في ملكها فيبطل ملكي ،
فوكيلُكَ يأخذ غلتها ، وأنا أؤدي خراجها ..!!
وهذا لم يسمع بمثله في المظالم
فقال – محمد بن عبد الملك الزيات – (الوزير) :
هذا قول تحتاجُ معه الى
بيّنةٍ ،
وشهودٍ ،
وأشياء ،
فقال الرجل :
أيؤمنني الوزير من غضبه حتى أجيب ؟
قال :
نعم قد أَمنَّتكَ
قال :
البينة هم الشهود ،
واذا شهدوا فليس يُحتاج معهم الى شيء آخر ،
فما معنى قوله :
(بيّنه وشهود واشياء ) ؟!
وأيُّ شيءٍ هذه الاشياء، إنْ هي الا الجور وَعُدُولكَ عن العدل .
فضحك محمد وقال :
صدقتَ والبلاء موكل بالمنطق ،
واني لارى فيك مصطنعا ،
ثم وقعّ له بردّ ضيْعتِهِ ،
وأنْ يطلق له مائه دينار يستعين بها على عمارة ضيعته ،
وصيّره من أصحابِهِ ،
فكان قبل أنْ يتوصل الى الانصاف وإعادة ضيعته له يقال له :
يافلان كيف الناس فيقول :
بَشَرٌ بَيْنَ مظلومٍ لا يُنصر وظالمٍ لا ينتصر ،
فلما صار من أصحاب محمد بن عبد الملك ورد ضيعته وانصفه قال له ليلةً :
كيف الناس الآن ؟
قال :
بخير
وقد اعتمدتَ معهم الانصاف ، ورفعتَ عنهم الاجحاف ، ورددتَ عليهم الغُصوب ، وكشفت عنهم الكروب، وانا ارجو لهم ببقائك نَيْل كلّ مرغوب والفوز بكل مطلوب .
أقول :
ان انصاف المظلوم يُعيد له الثقة بنفسه ومجتمعه، وبمَنْ غَسلَ يده منهم من الحكّام، وتنسحب آثاره الايجابية على المجتمع باسره …
واذا كان انصاف المظلوم واجباً بحكم الشرع والقانون، فان تعجيل الحلّ من دون اللجوء الى القضاء ، فرصة ذهبية جدير بالمتجاوزين على الحقوق، أنْ يغتنموها لارجاع المياه الى مجاريها، واسدال الستار على الصفحات السوداء من حياتهم وممارساتهم .
-6-
إنّ كثيراً من السلطويين في (العراق الجديد) لم يكتفوا باغتصاب الأراضي والمباني العائدة للمواطنين فحسب، بل اغتصبوا المباني والاراضي العائدة للدولة ، في ظاهرة مقيتة مرفوضة بكل المعايير.
انّ ضَيْعَةَ اغتصبها وكيلُ ( محمد بن عبد الملك الزيات) من رجلٍ لم تفت التاريخ …
لقد سجلّها ، وسجّل ما دار حولها من حديث ، فما بالك بقائمة طويلة عريضة من العقارات المغتصبة من القطاعين العام والخاص ؟
-7-
واخيراً تقرر تشكيل لجنة نيابية لمتابعة المنهوب من العقارات …
والسؤال الآن :
متى ستعود ؟
وكم يستغرق ذلك من وقت ؟
وهل تذعن الحيتان الكبرى لمثل هذه اللجان ، أم تَبْرَعُ في التهرب والتحايل عليها؟
انّ ارجاع الحق الى أهله يحتاج الى حزم وصرامة ، كما انّ المطالبة بارجاع الحق لابُدَّ أنْ لا تنقطع، فما ضاع حق وراءه مُطالِب .