23 ديسمبر، 2024 6:57 ص

اين من ينصف المظلوم ؟

اين من ينصف المظلوم ؟

-1-
المظالم كثيرة يصعب ان تُعدّ أو تحصر …

وهي ليست من لون واحد ، ولا من مصدر واحد …

ويندر أنْ يخلو منها بلدٌ من البلدان او زمنٌ من الأزمان …

-2-

واذا كان “القضاء” هو المعنيّ بالفصل في الخصومات وارجاع الحقوق الى اصحابها ، فان عملية ” الترافع” قد تستغرقُ وقتا طويلاً حتى يتبين الخيط الابيض من الأسود …

-3-

وهناك على مدى التاريخ حالاتُ انتهاك فظيعة، يستحوذ فيها الاقوياء على حقوق ” الضعفاء ” ويبتلعونها ابتلاعا ….

يقول الشاعر :

في فمي ماءٌ وهل ينطقُ مَنْ فيهِ ماءُ

إنَّ من كان قوّياً أكلتهُ الضعفاءُ

-4-

ويبلغ الظلم أحيانا الى درجة اغتصاب الأرض فتكون هي وغلّتُها للغاصب، بينما يدفع صاحبها المظلوم الضرائب ..!!

وهذه هي الدرجة العليا من الابتزاز والاجحاف .

-5-

وقد قرأتُ ” قصة ” مثيرةً في هذا الباب ، رأيتُ من المفيد اثباتها في هذا السياق :

جلس (ابن الزيات) – الوزير – للمظالم يوما ،

فلما انقضى المجلس رأى رجلاً جالساً ، فقال له :

ألك حاجة ؟

قال :

نعم

ادنني اليك ، فاني مظلوم ، وقد أعوزني العدل والانصاف

قال :

ومن ظَلَمَكَ ؟

قال :

أنتَ ، ولستُ أصلُ اليك فأذكر حاجتي .

قال :

وما يحجبك وقد ترى مجلسي مبذولاً ؟

قال :

يحجبني عنك :

هَيْبَتُك

وطولُ لسانك

وفصاحتُك

قال :

ففيمَ ظَلَمْتُك ؟

قال :

في ضيعتي الفلانية ،

أخذها وكيلُكَ غصباً مني بغير ثمن ،

فاذا وَجَبَ عليها خراجٌ أديتُه باسمي، لئلا يثبت لك اسم في ملكها فيبطل ملكي ،

فوكيلُكَ يأخذ غلتها ، وأنا أؤدي خراجها ..!!

وهذا لم يسمع بمثله في المظالم

فقال – محمد بن عبد الملك الزيات – (الوزير) :

هذا قول تحتاجُ معه الى

بيّنةٍ ،

وشهودٍ ،

وأشياء ،

فقال الرجل :

أيؤمنني الوزير من غضبه حتى أجيب ؟

قال :

نعم قد أَمنَّتكَ

قال :

البينة هم الشهود ،

واذا شهدوا فليس يُحتاج معهم الى شيء آخر ،

فما معنى قوله :

(بيّنه وشهود واشياء ) ؟!

وأيُّ شيءٍ هذه الاشياء، إنْ هي الا الجور وَعُدُولكَ عن العدل .

فضحك محمد وقال :

صدقتَ والبلاء موكل بالمنطق ،

واني لارى فيك مصطنعا ،

ثم وقعّ له بردّ ضيْعتِهِ ،

وأنْ يطلق له مائه دينار يستعين بها على عمارة ضيعته ،

وصيّره من أصحابِهِ ،

فكان قبل أنْ يتوصل الى الانصاف وإعادة ضيعته له يقال له :

يافلان كيف الناس فيقول :

بَشَرٌ بَيْنَ مظلومٍ لا يُنصر وظالمٍ لا ينتصر ،

فلما صار من أصحاب محمد بن عبد الملك ورد ضيعته وانصفه قال له ليلةً :

كيف الناس الآن ؟

قال :

بخير

وقد اعتمدتَ معهم الانصاف ، ورفعتَ عنهم الاجحاف ، ورددتَ عليهم الغُصوب ، وكشفت عنهم الكروب، وانا ارجو لهم ببقائك نَيْل كلّ مرغوب والفوز بكل مطلوب .

أقول :

ان انصاف المظلوم يُعيد له الثقة بنفسه ومجتمعه، وبمَنْ غَسلَ يده منهم من الحكّام، وتنسحب آثاره الايجابية على المجتمع باسره …

واذا كان انصاف المظلوم واجباً بحكم الشرع والقانون، فان تعجيل الحلّ من دون اللجوء الى القضاء ، فرصة ذهبية جدير بالمتجاوزين على الحقوق، أنْ يغتنموها لارجاع المياه الى مجاريها، واسدال الستار على الصفحات السوداء من حياتهم وممارساتهم .

-6-

إنّ كثيراً من السلطويين في (العراق الجديد) لم يكتفوا باغتصاب الأراضي والمباني العائدة للمواطنين فحسب، بل اغتصبوا المباني والاراضي العائدة للدولة ، في ظاهرة مقيتة مرفوضة بكل المعايير.

انّ ضَيْعَةَ اغتصبها وكيلُ ( محمد بن عبد الملك الزيات) من رجلٍ لم تفت التاريخ …

لقد سجلّها ، وسجّل ما دار حولها من حديث ، فما بالك بقائمة طويلة عريضة من العقارات المغتصبة من القطاعين العام والخاص ؟

-7-

واخيراً تقرر تشكيل لجنة نيابية لمتابعة المنهوب من العقارات …

والسؤال الآن :

متى ستعود ؟

وكم يستغرق ذلك من وقت ؟

وهل تذعن الحيتان الكبرى لمثل هذه اللجان ، أم تَبْرَعُ في التهرب والتحايل عليها؟

انّ ارجاع الحق الى أهله يحتاج الى حزم وصرامة ، كما انّ المطالبة بارجاع الحق لابُدَّ أنْ لا تنقطع، فما ضاع حق وراءه مُطالِب .

[email protected]