كانت وما تزال قضايا الطفل تمثل أحد أهم المحاور الاساسية في المناقشات السياسية والاجتماعية والثقافية في أغلب المجتمعات ،وعلى الرغم من اختلاف الرؤى الفكرية حول طبيعة التعامل مع قضايا الطفل بين المجتمعات المختلفة ، إلا أنّ الطفل ما يزال يمثل إحدى الدعامات الأساسية التي لا يمكن التخّلي عنها لبناء أيّ مجتمع لكونه يمثل مستقبلها المتطور.
العراق كان من اوائل الدول التي صادقت على اتفاقية حقوق الطفل المقرة من قبل الجمعية العامة للامم المتحدة بجلستها المنعقدة بتاريخ 22/9/1989 مع التحفظ على (حرية الدين لدى الطفل) الواردة في الفقرة (1) من المادة (14) لان تغييره لدينه مخالف لاحكام الشريعة الاسلامية, هذه الاتفاقية نصت بنودها بصراحة على ضرورة أن تتكفل الدولة مسؤولية حماية الطفل وتعليمه ورعايته بصورة كاملة، وعدم تشريع قوانين تقف حائلاً دون نموه بصورة إيجابية وصحيحة, الا ان انشغال النظام السابق بحروب ونزاعات طائشة غير مدروسة مع دول الجوار والولايات المتحدة ادخلت البلاد في ويلات سياسية واقتصادية واجتماعية , مما انعكس بشكل سلبي على واقع الطفل العراقي ادت الى حرمانه من التمتع بالنمو بشكل عادي من الناحية المادية والروحية، والتمتع بالحماية الضرورية من الجوع والمرض والامية, وهذا بدوره يتعارض مع إعلان حقوق الطفل في جنيف عام 1923 الذي نص على ان يكون الطفل أول من يتلقى العون في أوقات الشدة.
وفي عام 2003 ومع التغيير الديمقراطي الذي شهده العراق والتحول من نظام الحزب الواحد المهيمن على مقاليد السلطة الى النظام التعددي الديمقراطي , اهتم الدستور العراقي لسنة 2005 بحقوق الطفل من خلال العديد من بنوده وهي على سبيل المثال : تكفل الدولة حماية الطفولة وترعى النشيء،وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم.(المادة_29_ب) , للاولاد حق على والديهم في التربية والرعاية والتعليم (المادة_29_ثانيا) , يحظر الاستغلال الاقتصادي للاطفال بصورة كافة،وتتخذ الدولة الاجراءات الكفيلة بحمايتهم (المادة29_ثالثا) , تمنع كافة اشكال العنف والتعسف في الاسرة والمدرسة والمجتمع (المادة_29_رابعا), تكفل الدولة للطفل الضمان الاجتماعي والصحي والمقومات الاساسية للعيش في حياة حرة كريمة،توفر لهم الدخل المناسب والسكن الملائم.(المادة_30_اولا) 6-تكفل الدولة الضمان الاجتماعي والصحي للعراقيين في حال التشرد واليتم (المادة-30- ثانيا) , تكفل الدولة حق التعليم وهو الزامي في المرحلة الابتدائية (المادة_34_ثانيا) ,التعليم مجاني في مختلف مراحلة.(المادة_34_ثانيا) , يحرم العمل القسري للاطفال والاتجار بهم , وحق الجنسية لمن يولد لاب او ام عراقية (المادة46).
اهتمام الدستور بحقوق الطفل العراقي لم يجد له صدى واسع في الحياة العملية نتيجة الارهاب والفساد السياسي للحكومات المتعاقبة بعد عام 2003, فهناك آلاف الأطفال في شوارع المحافظات العراقية يمتهنون التسول، وآخرون مثلهم أو اكثر يعملون في مهن صعبة داخل المناطق الصناعية، واخرون استغلوا في العمليات الارهابية , بالإضافة الى أكثر من اربعمة ألف طفل تركوا دراستهم بسبب نزوحهم من ديارهم بعد أن سيطر تنظيم “داعش” الإرهابي على عدد من المحافظات، فضلاً عن عدم وجود رعاية صحية واجتماعية حقيقية لهم.وخير دليل على ذلك , احتلال العراق المرتبة الـ17 عربيا في ذيل القائمة ، والمرتبة 149 عالميا في مؤشر حقوق الأطفال لعام 2016، الذي أصدرته منظمة حقوق الاطفال وشمل 163 دولة، من بينها 17 دولة عربية, وجاء العراق في هذه المرتبه نظرا لما يعانيه أطفال العراق من ويلات الحروب بعد سيطرة “داعش” على أجزاء من ارض العراق.
في الختام رغم انضمام العراق وتصديقه لاتفاقية حقوق الطفل منذ سبعة وعشرون عاما، وبالاضافة الى القوانين والاعلانات الدولية التي تنص جميعها على ضرورة ان تكون للطفل بيئة مناسبة للعيش والتعليم، فإن مجلس النواب فشل في الحفاظ على حقوق الطفل العراقي بسبب المحاصصة والفساد وافتقاده إلى ثقافة حماية الطفل وعدم الاستفادة من مشروع القانون في الصفقات السياسية ذات المردود المادي وانشغال الحكومة بالحرب على الارهاب لذلك للاسف مشروع قانون الطفل العراقي لم يفعل وظل مركوناً في رفوف مجلس النواب تتراكم عليه الاتربة .