ما بين لذة الحب ، واللذة التي يحققها الشاعر وهو يرى تجربته لها وقعها على الاخرين، تقع مسافة كبيرة من الاسئلة بين الحالتين، فمشروع الحب مشروع انساني يفوق كل الاحاسيس، ولذته تكمن في هذا القلق المستديم الذي يساير الانسان، عبر تكويناته التي لا تحد، فالعاشق الشاعر يضمر كل طاقته ليعطي لهذه التجربة حقها، وتتصارع عوالمه في ان يعطي ابعادا جديدة لحالة الحب التي يمر بها، ولان الحب يمر بعدة مراحل حتى يصل الى الوله والعبادة، فأن احاسيس الشاعر تكون متضادة ومحتدمة تجاه من يحب ولان هذه المفردة اصبحت عادية عند البعض. الا انها تكون مقدسة عند الشاعر المبدع، حتى تصل هذه المفردة الى مترادفات ورموز واجواء يدركها الشاعر وكأنه احد المتصوفة الذين وصلتهم حالتهم الى الوجد ، هذا الوجد قد يبعده عن الواقع قليلا. الا انه يتسامى ويرقى الى مستويات الرؤية والرؤيا، حيث تشحن عاطفته بمختلف المفردات والتكوينات والصور الشعرية والدلالات التي تعطي فعلا دراميا لما يكتب ، بل قد يتوحد هذا الشاعر مع من يحبه، لان حالة الاشتراط هذه تأخذ تفسيرات صوفية، لا يستطيع القارىء العادي ان يسبر اغوارها، وحينما اتحدث عن هذا الموضوع الذي شغلني ولما تزل قضيته تطاردني حتى الان، فأنني ادرك واعرف تماما عمق التجربة الانسانية التي امر بها، ولانني متعلق بهواجسي التي تغلف تجربتي في الشعر، فأن ما اكتبه تتواشج فيه جميع الصور الشعرية القريبة من المتصوف، بل انني لعمق توغلي في كتابات التصوف، وجدت نفسي في سورات الشطحات التي كتبها المتصوفة ، حتى انني لم اعالج تجربة الحب، كتجربة واقعية ، فأطعمتها رؤيتي ورؤياي ، ووجدت حالتي في حجب ولجج ومشاهدات لم استطع الفكاك منها، هذا العالم سوّرني بالوجد والعاطفة والحب والوله والعبادة، حتى خلت نفسي في فضاء صاف لوحدي، انقش ما اريده على احجاري المقدسة التي تضيء عالمي ورؤى الاخرين، وتعلقت بهذا العالم الذي طوقني بالفناء، هذا الفناء الذي اخلقه واعيد بناءه من جديد ، بل وصل بي الامر، ان اعطي حياة ملؤها الوجد لجميع مفرداتي التي لا تنفك تضرب في قلبي وعقلي في آن معا، حتى تحول هذا الوجد الى هم شعري وحياتي يلازمني كل حين، فكتبت مئات القصائد التي تتخذ من هذه التجربة ابعاد منجزي الشعري ، واذكر ان عددا من النقاد العراقيين كتبوا عن تجربتي هذه منذ بداية السبعينات وحتى الان، تلك الكتابات النقدية التي اشارت من دون ان تدرس تلك التجارب بعمق وتعطي حقها، فلقد كتب النقاد مقالات وليست دراسات ، امثال : فاضل ثامر ود. علي عباس علوان، ود. عبدالاله كمال الدين ، ويوسف نمر ذياب، وحاتم الصكر، ومحمد الجزائري، وعبدالجبار عباس، وعبد الجبار داود البصري، وحميد سعيد، ويوسف الحيدري، وجاسم التميمي، ود. سعد النعيمي، اضافة الى عدد من الدراسات التي تناولت اشكالية الاحجار في قصائدي حيث كتب الشاعر حسن النواب دراسة عن هذه الاشكالية وكتب الناقد بشير حاجم دراسة عن مجموعة من القصائد التي نشرتها في الصحف ، وغيرهم.
ان تجربة الشاعر ليست ساكنة، وان عنصر الجمال احد الاعمدة التي يستند عليها، اما ثقافته وادواته وتمكنه من تكوين الصور والتكثيف في تلك الصور او اعطائها البعد النفسي الذي يريد، فتكمن في قدرته في اخضاع تجربته والاستفادة من اجوائها، وقوة قاموسه الشعري الذي يمتاز به عن الاخرين، اضافة الى تفرده التام عن اقرانه من مجايليه ، والا ما معنى ان تكتب من دون ان يتحدث او يكتب عنك المبدعون من الادباء..