سؤال غريب ولكنه حقيقي وضروري في ظل اختلاط الاوراق وغياب التشخيص الدقيق لكل ما يجري حولنا فأين المختصون في السياسة والاقتصاد والاجتماع والفن والادب والدين والثقافة والرياضة والعلوم الطبيعية وغيرها من التخصصات العلمية والادبية والتي يأخذ فيها الناس شهادات عليا ويقضون اعمارهم في دراستها وتدارسها وينالون بعد ذلك الالقاب العلمية والشهادات الفخرية فلم لا يحاولون ان يطبقوا ما لديهم على ارض الواقع ويبتعدوا عن دنيا التنظير قليلاً الى التطبيق فهو الفيصل في قوة شهاداتهم او ضعفها وصحة آرائهم من خطأها فلا فائدة من مدينة فاضلة مثالية على الورق والواقع فاسد وجهنم تعصف بحياة الناس وبدنياهم وبأخراهم على حد سواء!
ما يدفع الكاتب الى تناول هذه المواضيع هو التقاعس عن اداء الواجب العلمي والاخلاقي والانساني مما يجري حولنا فتجد عالم الاجتماع ينظر وينظر ويؤلف الكتب وينشر المقالات في مستوى اعلى من العامة لا تناله ايدي ولا عقول الا الخاصة من المثقفين وكذلك عالم الاقتصاد والسياسة والفلسفة والطبيعيات والالهيات وكلهم فلا احد منهم يحاول مثلاً ان ينظم مؤتمرات منتظمة اسبوعية او شهرية او سنوية لنشر ما ينفع الناس في دنياهم واخراهم سوى بعض رجال الدين الذي امتهنوا الخطاب الروتيني الذي لم يعد يجدي نفعاً في دنيا النانو والفضاء والعلوم المتقدمة والتخطيط لمئات السنين مستقبلياً والغزو الثقافي والتبعية الاقتصادية والسياسية لدول الاستكبار وجريان الناس مع التيار صماً بكماً عمياً فهم لا يفقهون!
امثلة للتطبيق:
حتى نبتعد عن التنظير بلا امثلة للتطبيق ونسقط في فخ القول بلا فعل او منهج للتطبيق نورد بعض الامثلة على ما يمكن ان يفعله المختصون في بعض المجالات علماً ان الامثلة لا تحصر كل التخصصات لكثرتها وانما هي لمحات عسى ان تفيد من يريد ذلك:
في مجال السياسة: يفترض بمختصي علم السياسة ان يصبحوا سياسيين او على الاقل مستشارين لسياسيي اليوم يوجهون تصرفاتهم ويعطونهم النصح لما فيه صلاح العباد والبلاد ولا يكتفوا فقط بالتنظير والتحليل السياسي عن بعد فهذا يجعلهم مثل افواه متكلمة لأناس لا اذان لهم فكونهم سياسيين او مستشاري سياسيين يجعلهم قريبين من مواقع اتخاذ القرار وجزءاً من الية التغيير والتطوير وليس فقط محللين سياسيين او مؤلفي كتب وغيرهم من اصحاب الافكار الضيقة او الناقصة يشكلون الاحزاب ويعيثون في الارض الفساد والحليم تكفيه الاشارة.
في مجال العلوم الطبيعية: حين نرى ان بلداً تصل فيه نسبة الامية الابجدية 60% والامية الالكترونية الى اكثر من 80% فهذا يعني وجود خلل في السياق العلمي للبلد ككل في مدارسه كلها من الابتدائية ولغاية الاكاديمية وهناك خلل في ارباب العلم والتعليم والتدريس فهم لم يحاولوا ولو محاولة ان يشيعوا ثقافة (اقرأ – تعلم – تثقف – ناقش – تطور – شغل عقلك!) والتي نحن بأمس الحاجة لها فشعب الطائفية ونار الجاهلية لا يرشده الى الطريق الصحيح الا تنوير العقول وتفتيح الاذهان لما يجري حولنا وما اكتشفه الاخرون من علوم ومعارف وعمق فكري وطاقات عقلية كامنة يمكن تحريرها ان اجيد تحفيزها والاستفادة منها بدل صرف الطاقات والجهود بالاقتتال والاحتراب والكلام الفارغ والنبش في ما لا يضر ولا ينفع واثارة الفتن لأتفه الاسباب.
بل ان شعباً تؤديفيه مباراة كرة قدم بين فريقين تافهين الى قتل الاب لأبنه والصديق لصديقه وتؤدي كبسوله مخدرات واحدة يتناولها شاب طائش فيه الى ابادة عائلة كاملة او اغتصاب الاطفال وقتلهم! اقول ان شعباً كهذا لحقيق بعلمائه ان يضجوا بالصراخ من على المنابر والمنصات ان تثقفوا تنوروا تأملوا تعقلوا عودوا الى انسانيتكم حركوا عقولكم وان يدخلوا على الناس الى بيوتهم ويجبروهم على التعلم والتثقف والترقي الى الذات الانسانية الحقة بعيداً عن الحالة البهيمية الحالية التي يعيشها اغلبنا.
في مجال علم الاجتماع: يفترض بالمختصين ان يدرسوا تجارب الاخرين من الامم التي تشابه تجربتنا من ثقافة التسطيح والتجهيل المتعمد من قبل الحكومات المتعاقبة وكيف نهض الاخرون بشعوبهم وبنوا اممهم وبلدانهم فلا خير في بروفيسور مختص في علم لا تطبيق له على ارض الواقع ولا خير فيمن يدرس المدينة الفاضلة ويعيش الرذيلة بكل تفاصيلها كل يوم!
في مجال الاقتصاد: فأن دور علماء الاقتصاد كبير في تشخيص ما يحتاجه البلد من عناصر لينهض ويعتمد على نفسه فالنفط الى زوال ولو بعد حين فلا بد للاقتصاديين من النزول بقوة الى ساحة العمل وتوجيه النصح والارشاد الى عامة الناس والى الحكومة لتصحيح المسار والتوقف عن الاستهلاك المستمر للثروات الطبيعية والبدء بالتصنيع والانتاج كما فعل غيرنا فلسنا اقل منهم بأساً او قوة او عقلاً ولكننا اقل منهم في شيئين اثنين فقط وهما الناس الذين يشعرون بالمسؤولية والتخطيط الصحيح.
في مجال الرياضة: قد يبدوا الحديث عن الرياضة هنا تغريداً خارج السرب او كلاماً بعيداً عن كل ما سبق ولكنها الان احد مقومات الحركة والتحريك لمن ملأ الشحم كروشهم وانتفخوا من كثرة الاكل وقلة الحركة ومن التخمة والناس حولهم تنام جياعاً عراة، اقول ان مختصي الرياضة يجب ان يعملوا على اشاعة الرياضة منهجاً للحياة اليومية وليس للعب والتخصص فقط فالإنسان الرياضي وصاحب اللياقة البدنية منتج اكثر وعامل اكثر ومبدع اكثر فالعقل السليم في الجسم السليم وما احوجنا الى عقول سليمة في بلد المليون يتيم– بل عدة ملايين- والمليون فقير -بل عدة ملايين-وبلد الملايين من الانانيين واللامباليين وبلد المليون سياسي كلهم في صراع مع كلهم ولا احد منهم يمتلك رؤية واضحة لما يجري وما سيجري فلعل ممارستهم للرياضة اليومية تحركهم بعد سبات وتنبههم بعد غفلة والله المستعان.
في مجال الدين: والحديث هنا يحتاج الى كتب والالف الصفحات اختصر القول بأن كل رجال الدين ومختصيه يعلمون ان الدين منهج حياة تضمن السعادة في الدنيا والاخرة واؤكد في الدنيا قبل الاخرة وان الله تعالى قد ضمن لمن يحسن التطبيق لتعاليم الدين عيشة هنية في الدنيا وجنة علية في الاخرة فهل ما يتداوله الناس من دين او ما يسمى ديناً يضمن ذلك الان؟ اعتقد ان اغلب الناس يتفق على غير ذلك فتفرق الناس وتبعثر الفتاوى وتناقضها والتكفير والتفجير والتهويل في التنظير والعجز في التطبيق و(كل حزب بما لديهم فرحون) و(لا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) وسياسة التسقيط والتسقيط المقابل لم يترك للناس من احد الا لوث وشوهت سمعته وكثرت الاقاويل عنه حتى بات ايجاد مختص دين منزه عن كل عيب وشبهة واشاعة وتسقيط امراً شبه مستحيل فالحرب ضارية على الدين وكل من يمثل الدين وللأسف اقولها بألم: لم يصل ممثلو الدين لحد الان الى وعي كامل بما يحاك بهم وبالدين وبالمؤمنين من دسائس ومؤامرات ومخططات تهدف الى ابعاد الناس عن دين الله الحق الذي وعدنا بأنه سيحكم ويظهر على الدين كله ولو كره الكافرون ونحن بانتظار الوعد والله تعالى لا يخلف وعده ونحن نعيش على هذا الامل وان طال فلا يضر ان تقدم هذا الامر او تأخر ما دام الانسان يعيش ثقافة الانتظار بروحه وقلبه وعقله وفكره ووجدانه وعمله الخالص لوجه الله تعالى.