من يستمع الى خطابات المالكي وتصريحاته الاعلامية ومن يتابع هذا الرجل في نشاطاته اليومية يجد فيه الشخصية السياسية المحيطة بما يحدث داخلياً وخارجيا ويجد فيه الانفتاح وعدم التطرف والتعامل مع العراقيين على حد سواء ودون تمييز ويجد فيه المتأني والصابر رغم ما يتحمله من ضغوط من هنا او هناك ويجد فيه المثابر في عمله والمتابع لشؤون بلده على كافة الصعد وبالتالي يجد فيه الرجل المناسب للحكم في المرحلة الانتقالية الحالية التي تتطلب الحكمة والصبر الكبيرً العمل الكثير ، ولكن التطورات الاخيرة في المشهد السياسي والامني تجعلنا مذهولين ومندهشين ونحن نتسائل عن الدوافع والضغوط التي اجبرت المالكي الى اتخاذ قراره المتسرع بل المتهور في اجتياح ساحة اعتصام الحويجة ؟ وما الذي حدث للرجل ليترك كل ما ذكرناه من صفاته الحميدة ويصبح على حين غرة حاكماً غبياً وقاسياً على شعبه بهذه الطريقة الوحشية والبربرية فلا يوجد شيء يبرر قتل الشعب ؟ ثم نتسائل هل وضع المالكي في حساباته انه ذاهب الى ارتكاب مجزرة شبيهة بالمجازر التي ارتكبها طاغية العراق المقبور ؟ وهل قررالمالكي اقتحام الساحة بعد ان ناقش جميع الاحتمالات التي سيفضي اليها هذا الاقتحام مع نفسه ومع مستشاريه من المدنيين ومع المشكوك بصدقهم وولائهم من العسكريين ؟
واذا افترضنا صحة ادعاء المالكي وقادته العسكريين بان الجيش فوجيء باطلاق نار على افراده من قبل بعض المعتصمين في لحظة الاجتياح وان افراد الجيش فتحوا النيران للدفاع عن النفس فهل كان ذلك محسوباً ومتوقعاً قبل اتخاذ قرار اقتحام الساحة ؟ فاذا كانت هذه الصورة المأساوية مرسومة مسبقاً في ذهن المالكي واصر على اتخاذ قراره المشؤوم فتلك هي مصيبة واذا لم يكن القائد العام للقوات المسلحة قد وضع هذا الاحتمال في حساباته فالمصيبة اعظم ، وهل وضع رئيس الوزراء في حساباته ايضاً ما سيفضي اليه هذا الاجتياح وهذه المجزرة من ردات فعل مناطقية وعشائرية وسياسية ومن صدامات مسلحة وانقسام طائفي حاد لا نعرف الى اين سيأخذ بالعراق والعراقيين ؟ ام انه اعتبر هذا الاجراء بمثابة نزهة وقرصة اذن ودرس يلقنه لاهالي الحويجة المعتصمين ولغيرهم في ساحات الاعتصام في المناطق الاخرى وستكون نتيجة ذلك (وفقاً لاحلامه الوردية ) فرار المعتصمين وتركهم لهذه الساحات وذهابهم الى بيوتهم خوفاً من ان تصل اليهم نيران الحاكم الغاضب وبالتالي التزامهم بكل ما تقوله الحكومة ؟ واذا افترضنا ان المالكي كان يعلم مسبقاً بكل ما سيحصل من تداعيات مخيفة تعقب الاجتياح بحكم منصبه وموقعه الخطير فكيف تجرأ على اتخاذ هذا القرار المدمر ؟ واذا لم يكن يعلم بما ستؤول اليه الامور بعد الاجتياح وليس لديه ما يستطيع به اعادة الحال الى ما كان عليه فكيف نرضى به حاكماً بعد كل ذلك وقد تعمد احراق البلاد والعباد ؟ .
لقد رفضت الحكومة استخدام المتظاهرين للعنف والسلاح ودعت الى سلمية هذه التظاهرات ورفضت الحكومة كذلك مطالب المتظاهرين والمعتصمين غير المشروعة ورفضت رفع الاعلام والشعارات الطائفية في هذه الساحات وكان هذا الرفض منطقياً وعقلانياً وحكيماً وفرض نفسه على الجميع ولكن الطاولة انقلبت على الحكومة وهربت الحكمة واختفى المنطق عندما قرر المالكي اجتياح ساحات الاعتصام واقتحامها بهذه الطريقة وفي ظل ظرف دقيق وحساس تعيشه البلاد وهي تقف على حافة الهاوية والتقسيم ، وكان على المالكي ان يفكر في تفويت الفرصة على اعداء الداخل والخارج ويفشل مخططاتهم واهدافهم التدميرية بدلاً من مساعدتهم على تحقيق ما يريدون بهذه المغامرات الغير محسوبة النتائج ان اهلنا وعشائرنا في الوسط والجنوب مدعوة اليوم وبالحاح الى عدم وضع العراق وشعبه ومصالحه العليا في كفة والمالكي في كفة اخرى وتعتبره نوع من التحدي للطرف الاخر كما حصل في السابق عندما رهن صدام مصير العراق بمصيره وانها مدعوة كذلك الى رؤية اوسع واكبر في معالجة الامور بدلاً من الرؤية الضيقة المستندة الى الطائفية المقيتة ، كما ان التحالف الوطني مطالب وعلى وجه السرعة حتى لو كان ذلك بالتنازلات والاعتذار الرسمي والتعويض المجزي والمحاسبة القضائية للعسكريين المسيئين بهدف امتصاص ردات الفعل والهيجان المسلح الذي سيفضي حتماً الى تدمير البلاد فصورة الوضع في سوريا اقرب ما تكون اليوم الى العراق من اي وقت مضى الا اذا افترضنا ان القوى السياسية تمتلك التصميم المسبق على التقسيم وتعمدت خلق المناخات والمبررات لذلك .
لك الله يا شعب العراق فقد كان قدرك على الدوام ان تكون الضحية وان تدفع فواتير القرارات الغبية .