19 ديسمبر، 2024 12:14 ص

اين أنتم (سائرون)؟!

اين أنتم (سائرون)؟!

بنسق واحد؛ تعزف حكومة بغداد، مع جوقة من (المحللين الاستراتيجيين!) على معزوفة المندسين في التظاهرات الاحتجاجية المتصاعدة بدءا من البصرة والناصرية وصولا الى كربلاء والنجف والسماوة والديوانية صعودا .
وتبدو تصريحات رئيس الحكومة مثيرة للشفقة، حين يتحدث عن حماية المتظاهرين من (المندسين) فيما بات جليا ان قوات الأمن مع مليشيات مواليه رديفة تواجه المتظاهرين بعنف يصل الى حد استخدام الرصاص الحي.
وعلى وقع معزوفة (المندسين) يكتشف العراقيون، ان المعتقلين والمطلوبين للعدالة، أعضاء ناشطون في الحزب الشيوعي العراقي، المغرم بعض قادته،بالتحالفات حتى لو كانت مع الاشباح!
فقد وصلنا من احد الناشطين الذين نتحفظ على اسمه لأسباب مفهومة ما نصه::
(أصدر الامن الوطني قائمة بأسماء أربعين شيوعياً في محافظة ذي قار، متهمينهم بالقيام بأعمال شغب فيالتظاهرات الاخيرة، فضلاً عن تلفيق قضايا كيدية لهم، كالترويج لنداء (88)، أو التواصل مع حزب البعثالمنحل، ومن هذه الاسماء الصحفي (حيدر ناشي آل دبس) والناشطين المدنيين (أحمد الرويعي وجواد كاظم شريف وعامر مالك مجيد ومحمد النمر ) وغيرهم ، وقد تم تحويل ملفاتهم إلى جهاز مكافحة الارهاب فيالناصرية، بالرغم إن هذه الاسماء وغيرهم كانوا أول الداعين إلى سلمية التظاهرات، رافضين أعمال العنفوالاعتداء على الممتلكات العامة).
“انتهى النص”.
وهكذا يتضح ان حملة حكومة بغداد و(محلليها الاستراتيجيين) موجهة ضد أعضاء في حزب لم يعرف عنه في العراق ما بعد الاحتلال، غير التقيد بقواعد العملية السياسية المعطوبة، ولم نسمع عنه احتجاجات عنيفة او اللجؤ الى السلاح.
معروف ان بين الشيوعيين مئات انخرطوا في صفوف الانصار مع قوات البيشمركة الكردية رافعين السلاح بوجه نظام صدام حسين.
وفقد الحزب كوكبة من أفضل كوادره في مذبحة (بشتئاشان ) ليلة الاول من أيار 1983 على يد قوات حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، اثر صفقة بين زعيم الحزب جلال طالباني وصدام حسين.
وقد انكشفت تفاصيل الصفقة الدموية؛ ومبالغها المالية، حين تعثر الدفع في احد البنوك البريطانية وما شهدته المحاكم البريطانية من دعاوى ” مام جلال” كسبها اخيرا البنك، ودفع ” الرفيق جلال” أتعاب محامي البنك، وقبض فلوسه من دبش!!
 
الملاحظ انه باستثناء بعض القنوات التلفزيونية الاكثر اهتماما بالاخبار الساخنة، تتجاهل غالبية وسائل الاعلام العربية والعالمية التطورات في العراق.
ولعل للتجاهل أسبابا لوجستية،لناحية ان التظاهرات، انطلقت خارج العاصمة بغداد التي تستحوذ على اهتمام وسائل الأعلام بالدرجة الأساس .
لكن اسبابا سياسة، ايضا، وراء التجاهل. فالعراق بعد ان اجهز الاحتلال الامريكي على بناه التحتية ،ودمر مدنه ومؤسساته ولوث مياهه وهواءه، وقتل مئات الألوف من أبنائه واقعد،واعاق ضعف العدد وسمم أجواءه بكل الأوبئة؛ لم يعد على اجندة ترامب، ولا قادة اوربا المنشغلين بإدارة معركتهم الاحمائية مع البيت الابيض وساكنه غريب الأطوار .
ولم يهرع حلفاء الحزب الشيوعي في ( سائرون) لنجدة رفاق الطريق! وسط معلومات تشير الى ان الحملة على الناشطين الشيوعيين، دعاة المشروع المدني اللاطائفي، يمثل تحديا لكل انواع المليشيات، بغض النظر عن التسميات او الولاءات للفقيه صامتا او ناطقا.
ويتضح اكثر ان المتحكم ب( سائرون) غير معني، لأسباب تبدو ظاهريا غير مفهومة لكنها منطقية في الجوهر، باتساع حركة الاحتجاجات، لانها خارج سيطرة (الريموت كنترول) الذي كانت تتحرك وتُقَاد به الاحتجاجات ( المليونية) السابقة!
وكما التجارب التاريخية المتكررة ، يسير الشيوعيون في الطريق الموحشة حاملين صليبهم لوحدهم ومنتعلين خُف علي بن طالب دون درعه، فيما حلفاء الامس يتغنون بشعارات من قبيل ( خندق واحد) و( الحكومة الأبوية) والكتلة( العابرة) ولا كلمة احتجاج ضد الاعتقالات والتعذيب والإخفاء القسري والإهانات بذريعة ( المندسون) التي تحولت الى علكة يلوكها الساعون لتشويه حقيقة الاحتجاجات الشعبية النابعة من قاع الكارثة.