– في صورةٍ مصغّرةٍ ” مايكروفلمية ” , لعلّ كلّ ” او بعض ” الذين سافروا الى خارج العراق والتقوا وتحادثوا الى المواطنين العرب سواءً في بيروت او القاهرة او عمّان او سواها من الأقطار العربية , قد لمسوا الإنطباع والصورة العربية عن العراق وحكومته وما آل اليه البلد وانحدر .
– فيما مضى من العهود والعقود كان الإعلام العربي يُطلق على اسرائيل عبارة ” دويلة اسرائيل ” , وكأنّ اسرائيل ليست بدولة ولا تحمل مقوّمات الدولة الحديثة , وكأنها ايضا بحاجة لمن يعلّمها الديمقراطية واسلوب الحكم .! واذا كانت اسرائيل كذلك فماذا يسمى عراق اليوم سواءً منذ بدء الأحتلال او بعد انسحاب الأمريكان .! وايةُ تسميةٍ تناسب العراق وفق علم المنطق السياسي , هل نسمّيه بدويلة متشرذمة او متشظّية او جمهورية الميليشيات .!
لو وضعَ ايّ امرءٍ اصبعه ” على عجالة ” فوق خارطة العراق , فأين سيكون موقع الأصبع .؟ فقد يقع على بقعةٍ او منطقةٍ تحتلها داعش وهي خارج سيادة وسيطرة الدولة , او قد يكون على منطقةٍ تحت سيطرة الأتحاد الوطني الكردستاني , او المنطقة المقابلة للحزب الديمقراطي الكردستاني وبمدنها ومحافظاتها وبما احتله لاحقا مما سمّوه المناطق المتنازع عليها .! , فالحزب هناك ينبغي ان تكون له ارض ومدن و عَلَم .
والأمر هذا لم يعد يقتصر على شمال القطر , فحتى الأحزاب الدينية لها اعلامها وراياتها الخفّاقة . وفي العاصمة والمحافظات الأخرى هنالك احياءٌ او مناطق تكاد تكون مقفلة نسبيا لبعض الأحزاب حيث المقرات الرئيسية لها وما يتطلبه ذلك من اغلاق بعض الشوارع المحيطة بها , وتعزيزها بالكتل الكونكريتية , وتزيينها بالمظاهر المسلحة او المدججة من قبل ميليشياتها .
موقعنا في محيطنا العربي هو الأسوأ , ومعظم الدول العربية لا تشعر بالأرتياح من النظام العراقي أيّاً كانت حكومته او رئيس وزراءه , ولا يعود ذلك بسبب أنّ الدول العربية تنتمي الى مذهبٍ واحد والعراق تحكمه احزاب من مذهب آخر , فالعلاقات الدولية تقوم على اساس المصالح كما معروف , فالعراق يسير ويعمل بالضد من كلّ ما هو توجّه عربي ولا يلتزم بالحياد اذا ما تقاطع مع سياسات عموم الدول العربية , والنقطة المثيرة في هذا الصدد أنّ التدخلّ في الشؤون الداخلية لأية دولةٍ اخرى هو حالة قائمة وواردة لدى الكثير من الدول ولكن على ان يغدو ذلك سرّاً , وليس كما في العراق الذي تدعو قياداته السياسية والدينية للتدخل علنا في شؤون الدول الأخرى مما يعطّل ويعرقل عمل وزارة الخارجية العراقية , < ولعلّ اوضح الأمثلة في ذلك هو تصريحات القادة والسادة العراقيين في دعم المعارضة البحرينية وتصريح المالكي بوجوب وضع المملكة العربية السعودية تحت الوصاية الدولية > , ولا ندري ما هي الحكمة الدبلوماسية او الأقتصادية لأن نفتح جبهات اضافية ضد انفسنا .! وكأنّ داعش لم تعد تكفينا .!
لاريب أنّ ايّ نظام حكمٍ جديد يعمل ما بوسعه لكسب قاعدةٍ جماهيرية مهما صغر حجمها , لكنه في العراق وما أن تسنّمت الأحزاب الدينية سدّة الحكم , فما لبثت أن تستفزّ قطاعاتٍ ما من الجماهير وتعادي غيرها وتحاول فرض ايديولوجيتها على من يتقاطع معها فكريا وبصورةٍ سلمية , وبتسخير اجهزة الأمن وغيرها لذلك .
لا نودّ هنا استعراض كلّ المآسي التي سببتها لنا احزاب ما يسمى بالعملية السياسية , ولماذا نستعرضها ونحن نعايشها على مدار الدقيقة , لكنّ التساؤل الذي تصعب اجابته كتابةً , هو طالما أنّ قوات وزارة الدفاع والداخلية تخضع بالكامل لسلطة الأحزاب الدينية , فلماذا تحتفظ معظم هذه الأحزاب بميليشيا خاصة بها وسواءً بالعلنِ او بالسرّ .! وما الهدف الكامن من وراء انشائها وإبقائها .! , وسوف لا يختلف اثنان أنّ استقرار العراق كدولة واستقرار المجتمع مرهونٌ ببقاء هذه الميليشيات , كما لا يختلف ولا يفكّر اثنان أنّ هذه الميليشيات يمكن ان تقدّم استقالتها ذاتَ يومٍ وتحلّ نفسها , وايضا يصعب التصوّر في كلا المديين المنظور والمتوسط أن تتخلى الجهة الداعمة لهذه التنظيمات عنها .
وهذا ما ارادته وخطّطت له امريكا من قبل الغزو والأحتلال , والشعب المسكين مصابٌ بالشلل النصفي السياسي ولربما الفكري ايضا .!