23 ديسمبر، 2024 6:07 ص

ايران وتركــيا .. أغراءات الاسـتراتيجيا

ايران وتركــيا .. أغراءات الاسـتراتيجيا

في خضم تصاعد الأزمة الأيرانية الأميركية ، قد يرى  البعض أن أيران ذاهبة الى التهلكة في عنادها ومواجهتها للمشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة , واصرارها على مشروعها النووي السلمي, وربما هذا البعض  ينطلق من مفاهيمية مادية للسلوك السياسي الأيراني وسط التقلبات والتطورات السياسية في منطقة الشرق وفي العالم عمومآ, بعيدآ عن أي ثوابت  أخرى من قبيل المبادىء او الايدولوجيا ، وكذالك يرى أن جمهورية أيران الأسلامية تخسر الكثير الكثير يوميا, لاسيما في الجوانب الأقتصادية والتي تنعكس بدورها على الوضع السياسي الداخلي  في البلد ويؤدي الى تذمر الجمهور (الرأي العام الأيراني) من الوضع الأقتصادي الذي بدأ ينهش في جسم المواطن الأيراني وهو مايهدد نظام الثورة الاسلامية في البقاء,    وبهذا القدر من التساؤل يبرز الفريق الآخر (الخصم) أو ( الشامت ) من أيران وما تتعرض له من هجوم غربي عنيف في مجالات السياسة والثقافه والاقتصاد والتكلنوجيا ويتمنى المزيد الدامي لهجوم عسكري يحطم هذة الدولة بدواعي ودوافع مختلفة ،  ولعل الطائفية  في مقدمها  او تشكل حيزا عاطفيا هو الاسوء من بين كل الدوافع لبناء المواقف ، وبالتالي يغيب  أدراك أو حساب  الخطوة التالية بعد هذا التدمير . ولطالما تعقد المقارنات بين ايران  و جارتها تركيا التي أمنت نفسها مع أميركا وأسرائيل وجنبت شعبها ودولتها ضنك العيش وسعت الى بناء حياة (مرفهة ) لمواطنيها  وهي واحدة من  الدول الأسلامية  الكبيرة  تدعوا الى مؤتمرات أسلامية وتحي المناسبات والمواليد  و بناء المساجد النموذجية وما ألى ذلك من مظاهر التأسلم ، ولكن الحقيقة وبأقتضاب شديد دون التفصيل  أن مايحكم البلدين في بناء ستراتيجياتهم وسياساتهم  الخارجية مختلف الى حد كبير من حيث المتبنيات والبدائل, حيث ان أيران تتبنى استراتيجية “الاستقلال” وبناء الدوله الأسلامية النموذج دون التبعية لمحاورالقوى العظمى (( لاشرقية ولا غربية)), وهو ما أسس له السيد الأمام الخميني  خلال الثورة الاسلامية التي سميت ثورة القرن العشرين وقائدها رجل القرن , بينما في تركيا أسس أتاتورك التبعية الكاملة لأميركا والغرب الاوروبي عقب الحرب العالميه الثانيه من حيث الشكل والمضمون وربما بأندفاع كبير وخوف شديد من تهديدات الاتحاد السوفيتي في ابتلاع تركيا ومصادرة نقاط قوتها في موقعيتها الجيوستراتيجية وتحويل كامل البحر الأسود الى بحيرة روسية, حيث كان ستالين واضحآ في مطالبه المباشرة لتركيا وترويع الاتراك عبر  نشر قواته العسكرية  وانفتاحها في البحر لتكون ضاغطآ على الحكومه التركية في الانصياع والتايعية لروسيا, وستالين كان يخطط بنفس القدر الى ضم أيران وألحاقها تابعآ له بعد  التمدد  الكبير وسط أوروبا, وما كان من البلدين الا أن يحتميا بالمحور الآخر (أمريكا) في اتون محاور الحرب الباردة, وعبر تعاقب الحكومات في تركيا لم تنفك  عن هذة التبعية, بينما  انفكت أيران وبقوة عن هذا المحور خلال الثورة الأسلامية فيها  1979, وظلت تركيا منسجمة بعلمانيتها  مع الغرب ولاتخرج عن طاعته قيد انملة  بل تسعى لتكون الوكيل الحصري له في المنطقة.
ومن جانب البدائل فأن تركيا لم تعمل أو تشغل نفسها في بناء ذاتها كقوة متكاملة (الاقتصاد والعسكر) بل اتكأت على تحالفاتها مع الدول المدججه بالسلاح والمال مقابل رهن مقوماتها الجيوستراتيجية والعقائدية والتاريخية الى الغرب وبأعتبارها لا تمتلك ثروات بترولية وأن ثروتها الاستراتيجية هي مضائقها   النافذه الى البحر المتوسط ،  وبالنتيجة فأن هذة المواقع طبيعية المنشأ والوجود والجهد التركي هو الاستثمار السياسي لهذة الموقعية, وبالمقابل فأن أيران لاتمتلك هذا العدد من المضائق أو النفوذ الى البحر المتوسط الأ بقدر محدود, الأ انها تمتلك القوة الاستراتيجية الاخرى وهي (النفط والغاز) ليجعلها محل اطماع الاتحاد السوفيتي سابقآ ومحل اطماع واهتمام الولايات المتحدة  ,  والمعروف أن النفط في كل الاحوال  ينضب وينتهي وتبقى الحاجه الى الطاقة ثابته  وبذالك تفقد أيران واحدة من اكبر خواصها الاستراتيجية الطبيعية وعليها أن تفتش عن البديل الاستراتيجي  الناجع قبل أن ينتهي الاول فكان من  الطبيعي جدآ أن تذهب الى البديل النووي كمصدر للطاقة والتكلنلوجيا وتدافع عنه بما أوتيت من قوة قبل أن تصبح دولة هرمة على الهامش, وبالقدر الذي يدرك فيه الغرب أهمية الطاقة النووية لأيران وأعتباره حاجة ضرورية لها وليس كمالية او عدوانية فأنة يعتبره مصدر قوة آخر وبديل ناحج  بأيدي  نظام عقائدي غير تابع أو ذيل  لمنظومتهم.
وان كان من اختصار لمسار الاستراتيجيتين  فأن الاستراتيجية التركية هي أستراتيجية عيش بينما الاستراتيجية الأيرانية هي أستراتجية وجود وبقاء وبالتالي فأن قبول الضنك والشقاء أهون من الموت.