ايران والكيان : من الرابح ومن الخسران ؟

ايران والكيان : من الرابح ومن الخسران ؟

ما كُتب وقيل حول حرب الاثني عشر يوماً بين ايران والكيان الصهيوني .. ربما يملأ حمولة مائة سفينة من وزن تيتانك .. ومن طبعي في الكتابة الاّ اردد ما قاله اخرون في التحليل العسكري او اللوجستي .. وازعم انني ساقول اشياء مختلفة في مواجهة قديمة جديدة بهذه المنطقة الملتهبة ، لم يكن العرب لاول مرة طرفاً فيها .

ايران دولة كبيرة بكل المقاييس فهي تمتلك ما يزيد على اربعة الاف كيلومتر من الحدود البرية والبحرية غالبيتها العظمى غير مُسيطر عليها ، وهي دولة ترزح تحت وطأة حصار قاسٍ وعقوبات صارمة وحروب طاحنة منذ خمسة واربعين عاماً ، وفيها من القوميات غير المتجانسة ما يجعل نسيجها الاجتماعي هشاً  ومقلقاً .. وتضاريسها متنوعة وقاسية في بعض الاحيان بين الجبال الشاهقة والصحاري الواسعة اضافة الى تنوع المناخ .. كما ان ايران ورثت تاريخاً ضارباً في القدم وحروباً دامية مع جيرانها وتغيرات عقائدية وفكرية انتهت باقصاء حكم الشاه رضا بهلوي وتأسيس نظام جمهوري قائم على ولاية الفقية وتصدير الثورة وقمع اية حركة او قومية او فكرة تعارض هذا التوجه وبالقوة المفرطة .. وقد وجدت ايران بعد الاطاحة بالشاه نفسها في مواجهة امريكا والغرب واسرائيل وجيرانها العرب بسبب اطروحة تصدير الثورة التي جلبت لها العداء والريبة وبخاصة من دول الخليج العربي .. وقد كان متوقعاً بنسبة مائة في المائة اندلاع الحرب العراقية الايرانية ولكن غير المتوقع كان استمرارها لثماني سنوات كاملة … وبعدها اعلان ايران عن طموحها النووي والصاروخي الذي تضع امريكا ودول الغرب ( وبالضرورة اسرائيل ) الف خط احمر تحت هذه الظروف ولذلك حصل الذي حصل في حرب الايام الاثني عشر .. والتي اعلن كلا الطرفين انتصاره فيها : اسرائيل زعمت تدمير البرنامج النووي الايراني بدعم وتدخل الولايات المتحدة وتحجيم القدرات الصاروخية ، وايران بضربها تل ابيب وحيفا وغيرها بقسوة لم تعتدها اسرائيل من قبل كاسرة حاجز القوة التي لا تقهر وملحقة اذىً واضحاً باسرائيل ومشروعها بالتفوق التام على طول وعرض مساحة الشرق الأوسط.. قبلها نجحت إسرائيل بتحقيق عدة نقاط من خلال تحجيم وتحييد حلفاء ايران في لبنان والعراق وتطويع سوريا وإخراجها نهائياً من ساحة الصراع ، حتى اذا خلا لها الجو واعطتها امريكا الضوء الاخضر فقد بدات الجولة الاولى من الصراع الفعلي .. واركز هنا على الجولة الاولى ، لان هناك جولات وجولات حتى مرحلة كسر العظم النهائي .

تفوقت اسرائيل في حرب الاستخبارات واستطاعت ومنذ زمن بعيد من تجنيد عدد هائل من الجواسيس من داخل ايران او من دول الطوق دخلوا ايران بصفة سواح او مستثمرين او زوار مستغلين حاجة ايران الى العملة الصعبة ، بل ان هؤلاء الجواسيس نقلوا اسلحة ومعدات ثقيلة ومتطورة الى الداخل الايراني بطرق شتى مستغلين ايضاً وضع البلد الاقتصادي وضنك العيش وتنوع التركيبة القومية والمذهبية في ايران .. فجاءت افواج العملاء من العراق ( نعم من العراق وخصوصاً من شماله ) ومن افغانستان ومن جهة البحر ايضاً وتحت جنح الظلام وستار التجارة والسياحة .. على ان اكثر مناطق ايران الرخوة التي استغلتها اسرائيل في التسلل الى ايران هي اذربيجان ، بحدودها التي تمتد الى اكثر من أربعمائة كيلومتر من التضاريس الجبلية الصعبة .. فاذربيجان تقيم اقوى العلاقات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية والعسكرية مع اسرائيل وبينهما معاهدة تعاون وشراكة ، وقد ابرم الجانبان قبل أعوام قليلة اتفاقية توريد أسلحة اسرائيلية بقيمة تزيد على المليار دولار.. واسرائيل اكبر داعم لاذربيجان في حربها الازلية ضد ارمينيا ، اضافة الى وجود الطواقم الاسرائيلية علناً للتدريب والتجسس على ايران ، هذه الطواقم التي تمكنت من اغتيال الرئيس الايراني السابق رئيسي بوضع قنبلة في طائرته عندما كان في زيارة لاذربيجان العام الماضي.. وجميع اجهزة استخبارات العالم تعرف هذه المعلومة ، ولكن ايران ولاسباب عديدة انكرت الرواية وعدت الامر قضاءً وقدراً وخللاً فنياً بالطائرة حتى لا تظهر بمظهر العاجز عن حماية ثاني اعلى سلطة في الدولة فتضيع هيبتها وتتدنى ثقة المواطن بموقع سلطة القرار .. ومن غير المعقول لاحقاً ان تتمكن المخابرات الإسرائيلية من اغتيال هذا الكم الكبير من المسؤولين العسكريين والعلماء النوويين بهذه السهولة حتى مع تغيير أماكن سكنهم بمواقع بديلة لو لم تكن هناك ساحة مكشوفة في طول ايران وعرضها تلعب بها المخابرات الاسرئيلية والغربية وتجند الالاف من ابناء البلد لخدماتها تستخدمهم متى تشاء ..وهي بكل تأكيد قنبلة موقوته تستخدمها هذه الجهات متى واين تشاء .. 

ابرز ما يلاحظ المتابع لهذه الحرب ان اتفاقيات الشراكة الستراتيجية بين ايران وكل من روسيا والصين لم تدفع هاتين القوتين العظميين لان تساند ايران سوى بالكلام وعلى استحياء ، في حين ان امريكا لا تدخر اي جهد لدعم وتسليح الكيان الصهيوني بأحدث ما في ترسانتها من الاسلحة بل والتدخل لصالحه في ضرب المنشآت النووية الايرانية وتدميرها ( كما تدعي ) .. وهي دلالة واضحة بان امريكا تدعم قوة الكيان الغاشمة وتفوقه الستراتيجي بلا حدود او ضوابط في حين ان روسيا والصين يدعمان اي جهة وفقاً لمصالحهما الذاتية فقط !. 

ربحت ايران الحرب بايذائها الكيان ومشروع تفوقه الذي لا يقهر وقببه المضادة للصواريخ بتكتيكات عسكرية مبتدعة وربحت تعاطف غالبية الشعب العربي والشارع المسلم .، وربح مشروعها الصاروخي الذي صمم لمجابهة التفوق الجوي الحاسم لاسرائيل .. وربحت اسرائيل حرب الاستخبارات والقصف الجوي البعيد معتمدة على الدعم الغربي ( الامريكي خصوصاً ) اللامحدود لها وباستباحة الاجواء العراقية والسورية والاردنية : بعجز العراق عن حماية سمائه وتواطؤ سوريا والاردن .. ومن المؤكد ان كلا الطرفين ربحا تجربة التقاتل من بعيد وهو ذخيرتهما لحرب او حروب قادمة ، اما العرب الرسميون فقد حافظوا على صمتهم وكراسيهم ومناصبهم وهم بانتظار دفع فاتورة خسائر اسرائيل  من هذه الجولة من الحرب والتي تاتيهم من امريكا واجبة  الدفع ، بانتظار ان يُفني احد الطرفين الآخر ، ويتكفل القدر بفناء الطرف الباقي !!.

أحدث المقالات

أحدث المقالات