بعد مرور أكثر من خمسة وثلاثين عامًا من الوعيد والتهديد المتبادل بين إيران من جهة، وأمريكا وإسرائيل من جهة أخرى، إلا أن هذه التهديدات بقيت حبيسة الشعارات والهتافات، في حين قاموا بضرب عدد من الدول العربية، وبعد فترة من الوقت نجد أن “طهران، وتل أبيب، وواشنطن” توقفوا عن التهديدات العسكرية المباشرة، وحتى عن الشعارات العدائية المتبادلة. عقب التوصل إلى الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة (5+1)، في 14 يوليو عام 2015، بعد أكثر من اثنى عشر سنة من المفاوضات المارتونية المتقطعة، أقدمت أمريكا على رفع اسم إيران من “محور الشر”، بالتزامن مع أحاديث عن حلف جديد بين واشنطن، وطهران، في حين أعادت بريطانيا فتح سفارتها في طهران، بعد أربع سنوات من إغلاقها، بالتزامن مع ظهور لافتة كبيرة في أحد شوارع “تل أبيب”، تبين العلم الإيراني إلى جانب العلم الإسرائيلي، و كتب عليها عبارة “ستفتح هنا السفارة الإيرانية في إسرائيل”، خطوات قابلتها إيران بسحب أشهر الشعارات الإيرانية “الموت لأمريكا – الموت لإسرائيل” من الساحات العامة ومساجد المدن الإيرانية، هذا هو حال العلاقات بين إيران، وإسرائيل، وأمريكا عكس كل الشعارات.
هل الذي يجري بين إيران، وإسرائيل قائم على نظرية عدو عدوي صديقي؟
هل تصاعد المخاوف الخليجية من الطموحات الإيرانية المتنامية في شتى المجالات سياسيا وعسكريا ومذهبياً، يعني العداء لإيران، يقتضي الوقوف في خندق واحد مع إسرائيل؟
إيران، واسرائيل هم أعداء الأمة العربية! فهل الوقوف في خندق واحد مع إسرائيل يؤمن حماية هذه الدول من إيران؟
وأين موضع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من الأزمة؟
ألم تنتبه إسرائيل، وأمريكا لكل تلك التهديدات الإيرانية الصارخة؟
التعاملات السرية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة الأمريكية للدكتور تريتا بارسي، هو الأكثر أهمية على الإطلاق من حيث الموضوع وطبيعة المعلومات الواردة فيه والأسرار التي يكشف بعضها للمرة الأولى في سياق الأحداث المتسارعة في الشرق الأوسط وسط الأزمة النووية الإيرانية مع الولايات المتّحدة الحالية لابد من التعريج على حقيقة العلاقة بين إيران وإسرائيل وأمريكا،.
في تفسير هذا النزاع الكلامي ضمن إطار اللعبة السياسية التي تتّبعها هذه الأطراف الثلاث ( ايران واسرائيل وامريكا )، وفي تفسير العلاقة الثلاثية لوجهتي نظر متداخلتين في فاحصة للموقف بينهم:
أولا: الاختلاف بين الخطاب الاستهلاكي العام والشعبوي (أي ما يسمى الأيديولوجيا هنا)، وبين المحادثات والاتفاقات السريّة التي يجريها الأطراف الثلاث غالبا مع بعضهم البعض (أي ما يمكن تسميه الجيو- استراتيجيا هنا).
ثانيا: يشير إلى الاختلافات في التصورات والتوجهات استنادا إلى المعطيات الجيو- ستراتيجية التي تعود إلى زمن معين ووقت معين. ليكون الناتج محصلة في النهاية لوجهات النظر المتعارضة بين “الأيديولوجية” و “الجيو- ستراتيجية”، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ المحرّك الأساسي للأحداث يكمن في العامل “الجيو- ستراتيجي” وليس “الأيديولوجي” الذي يعتبر مجرّد وسيلة أو رافعة، بمعنى ابسط، وأنّ العلاقة بين المثلث الإسرائيلي- الإيراني – الأمريكي تقوم على المصالح والتنافس الإقليمي والجيو- استراتيجي وليس على الأيديولوجيا والخطابات والشعارات التعبوية الحماسية…الخ.
وفي إطار المشهد الثلاثي لهذه الدول، تعتمد إسرائيل في نظرتها إلى إيران على “عقيدة الطرف” الذي يكون بعيدًا عن المحور، فيما تعتمد إيران على المحافظة على قوّة الاعتماد على “العصر السابق” أو التاريخ حين كانت الهيمنة “الطبيعية” لإيران تمتد لتطال الجيران القريبين منها. وبين هذا وذاك يأتي دور اللاعب الأمريكي الذي يتلاعب بهذا المشهد ويتم التلاعب به أيضا خلال مسيرته للوصول إلى أهدافه الخاصّة والمتغيّرة تباعًا. واستنادًا إلى الكتاب، وعلى عكس التفكير السائد، فإن إيران وإسرائيل ليستا في صراع أيديولوجي بقدر ما هو نزاع استراتيجي قابل للحل.
والجدير بالذكر ان يكشف الكثير من التعاملات الإيرانية – الإسرائيلية السريّة التي تجري خلف الكواليس والتي لم يتم كشفها من قبل. كما يؤّكد الكتاب في سياقه التحليلي إلى أنّ أحداً من الطرفين (إسرائيل، وإيران) لم يستخدم أو يطبّق خطاباته النارية، فالخطابات في واد والتصرفات في واد آخر معاكس.
و اللعبة السياسية التي تتّبعها هذه الأطراف الثلاث، في تفسير العلاقة الثلاثية، وأن ما نراه أو نسمع عنه من سجال من خلال الشعارات والخطابات الاستهلاكية وذلك كرافعة سياسية وتموضع ديبلوماسي فقط. فهي تستخدم التصريحات الاستفزازية ولكنها لا تتصرف بناء عليها بأسلوب متهور وأرعن من شأنه أن يزعزع حلفائها اسرائيل وامريكا، وعليه فيمكن توقع تحركات إيران وهي ضمن هذا المنظور “لا تشكّل “خطرا لا يمكن احتواؤه” عبر الطرق التقليدية الدبلوماسية.
و حقيقة أنّ إيران وإسرائيل تتنافسان ضمن دائرة نفوذهما في العالم العربي وبأنّ هذا التنافس طبيعي وليس وليدة الثورة الإسلامية في إيران، بل كان موجودا حتى إبان حقبة الشاه “حليف إسرائيل”. فإيران تخشى أن يؤدي أي سلام بين إسرائيل والعرب إلى تهميشها إقليميا بحيث تصبح معزولة، وفي المقابل فإنّ إسرائيل تخشى من الورقة “الإسلامية” التي تلعب بها إيران على الساحة العربية ضد إسرائيل.
فإن السلام بين إسرائيل والعرب يضرب مصالح إيران الإستراتيجية في العمق في هذه المنطقة ويبعد الأطراف العربية عنها ولاسيما سوريا، مما يؤدي إلى عزلها استراتيجيا. ليس هذا فقط، بل إنّ التوصل إلى تسوية سياسية في المنطقة سيؤدي إلى زيادة النفوذ الأمريكي والقوات العسكرية وهو أمر لا تحبّذه طهران.
و انّ اجتماعات سرية كثيرة عقدت بين إيران وإسرائيل في عواصم أوروبية اقترح فيها الإيرانيون تحقيق المصالح المشتركة للبلدين من خلال سلة متكاملة تشكل صفقة كبيرة، تابع الطرفان الاجتماعات فيما بعد وكان منها اجتماع “مؤتمر أثينا” في العام 2003 والذي بدأ أكاديميا وتحول فيما إلى منبر للتفاوض بين الطرفين تحت غطاء كونه مؤتمرا أكاديميا.
وأنّ المسؤولين الرسميين الإيرانيين وجدوا أنّ الفرصة الوحيدة لكسب الإدارة الأمريكية تكمن في تقديم مساعدة أكبر وأهم لها في غزو العراق العام 2003 عبر الاستجابة لما تحتاجه، مقابل ما ستطلبه إيران منها، على أمل أن يؤدي ذلك إلى عقد صفقة متكاملة تعود العلاقات الطبيعية بموجبها بين البلدين وتنتهي مخاوف الطرفين.
وبينما كان الأمريكيون يغزون العراق في نيسان من العام 2003, كانت إيران تعمل على إعداد “اقتراح” جريء ومتكامل يتضمن جميع المواضيع المهمة ليكون أساسا لعقد “صفقة كبيرة” مع الأمريكيين عند التفاوض عليه في حل النزاع الأمريكي-الإيراني.
ومن الضروري كشف من العلاقات السريّة بين هذا المثلّث الإسرائيلي – الإيراني – الأمريكي. ولا شك انّه يعطي دفعا ومصداقية لأصحاب وجهة النظر هذه في العالم العربي والذين حرصوا دوما على شرح هذه العلاقة الثلاثية دون أن يملكوا الوسائل المناسبة لإيصالها للنخب والجمهور على حدٍ سواء وهو ما استطاع “تريتا بارسي” تحقيقه في هذا الكتاب في قالب علمي وبحثي دقيق ومهم، ولكن ما لم يتم إيصاله للقارئ العربي والمسلم فسيظل الكثير من شعوبنا يعيش في أوهام النصرة والنجدة الإيرانية للقضايا الإسلامية والعربية وعلى رأسها قضية فلسطين.
ما بين إيران وأمريكا وإسرائيل: الموت للعرب فقط
وبين هذا وذاك تصل المنطقة الى ما نراه ونشاهده اليوم. من هذا المنطلق من خلال مسلسل المساومات الايرانية-الأميركية منذ العام 2001 مرورا بالعرض الايراني السري الذي تقدمت به إيران العام 2003 الى الولايات المتحدة للتفاوض عليه – والاتفاق النووي عام 2015 والذي تم بموجه إطلاق يد إيران في المنطقة مقابل الخدمات “الجليلة” التي أدتها لأميركا في احتلال أفغانستان، والعراق، واستطاعة إيران بالملف النووي وحزب الله والمليشيات في العراق، وسوريا، واليمن، ولبنان، كورقة للضغط من أجل جر أميركا للموافقة للعودة إلى الاتفاق النووي بعد خروج الرئيس ترامب من الاتفاق، وكيف سعت أميركا إلى تجريد إيران من أوراقها قبل طرح الموضوع للنقاش، وصولا إلى التطورات التي تجري اليوم على أرض الواقع، بعد إعلان الرئيس جوزيف بايدن عن رغبة في العودة إلى الاتفاق، وإلغاء اعتبار الحركة الحوثية ضمن الحركات الإرهابية ، الأمر الذي يوضح تهالك الإدارة الأمريكية الجديدة لاحتواء إيران ضمن مشروعها في منطقة الشرق الأوسط، رغم استفزاز إيران لأمريكا في العراق من خلال استهداف السفارة الأمريكية ومعسكراتها في العراق بأطلاق الصواريخ عليها دون رد فعل يذكر، ويؤكد ما جاء في كتاب التحالفات السرية آنفا، من العلاقات الاستراتيجية ولا يمكن أن تتخلى أمريكا وإسرائيل عن إيران لأهميتها في زعزعة الاستقرار في المنطقة، ولإبقاء خيوط اللعبة بيدها، تحركها متى تشاء لابتزاز المنطقة!! وليس أدل على ذلك من الرسائل التي تشير دائما إلى وجود علاقات سرية بين الجمهورية الإيرانية وإسرائيل. فعلى سبيل المثال، يقول افرايم كام وهو أحد أشهر الخبراء في مجال الاستخبارات والباحث في مركز جافي للدراسات الاستراتيجية في جامعة تل أبيب”، في دراسة له أعدها بتكليف من وزارة الدفاع الاسرائيلية: ” أن إيران من ناحية عملية لا تعتبر إسرائيل العدو الأول لها ولا حتى الأكثر أهمية من بين أعدائها… وعلى الرغم من الخطاب السياسي الايراني المناكف لإسرائيل إعلاميا، إلا أن الاعتبارات التي تحكم الاستراتيجية الإيرانية ترتبط بمصالحها ووضعها في الخليج وليس بعدائها لإسرائيل، وهي تبدي حساسية كبيرة لما يجري في دول الجوار”.
وكذلك ما صدر من معهد media البحثي الإسرائيلي في تقرير مهم له بعنوان إيران بحاجة إلى إسرائيل للباحث زيو مائور جاء فيه: ” أن إيران لا تشكل أي خطر على إسرائيل ولا تريد تدميرها، بل هي في حاجة لإسرائيل وتعتبرها مكسبًا استراتيجيًا مهما حتى تظل قوة عظمى في المنطقة… وهي تستغل وتستخدم اسرائيل كذريعة لتحقيق أهدافها ولدعم مكانتها الإقليمية ولنشر مبادئ الثورة الإيرانية تحت شعار معاداة إسرائيل”.. إن التصريحات الدعائية الإيرانية ضد الولايات المتحدة الأميركية أيضا هي من باب الاستهلاك الإعلامي فقط”.
هذه هي حقيقة العلاقة بين إيران وإسرائيل وأمريكا، وهناك شواهد كبيرة جدا تؤكد وتدعم هذا التوجه لدى عديد من الأطراف بما في ذلك الإيرانية والإسرائيلية والأميركية. ظن البعض مؤخرا أن الحرب بين إيران وإسرائيل قد تندلع بين لحظة وأخرى بعد رفع التزامات طهران في برنامجها النووي وزيادة نسبة التخصيب. ومما زاد في تأزم الوضع بين طهران وتل أبيب هو الموقف الأمريكية من العودة إلى الاتفاق النووي، هذه الأجواء المحمومة جعلت الكثيرين يتوقعون أن تشتعل الحرب بين إيران من جهة وأمريكا وإسرائيل من جهة أخرى، فالحقيقة لا تجدها في وسائل الإعلام ولا في التصريحات السياسية النارية، بل تجدها على أرض الواقع، ولو نظرنا إلى ما فعلته إسرائيل وإيران على الأرض، نجد أن الطرفين حلف واحد يتقاسم العالم العربي.
فبدلا من أن تظل إسرائيل البعبع الوحيد للعرب في المنطقة، تتقاسم العداء مع إيران، بحيث يخف الضغط على إسرائيل. ولو نظرنا الآن لوجدنا ثمرات هذا الاتفاق على الأرض؛ ألم يصبح غالبية العرب ينظرون إلى إيران على أنها أخطر عليهم من إسرائيل؟ وبالتالي، فإن كل العداء هذا الظاهر بين الصهيو- صفوي مجرد ضحك على الذقون. أما الخوف الإسرائيلي من الوجود الإيراني في سوريا ولبنان فقد أصبح نكتة لا تنطلي على أحد.
تستفيد أمريكا من إيران، باعتبارها حاجزًا أمام الصين في الوصول إلى مصادر الطَّاقة في بحز قزوين والخليج العربي، كما استفادت منها بنفس الطريقة مع الاتحاد السوفييتي قبل انهيار الشيوعيَّة. غير أنَّ ذلك لم يطمئن إسرائيل في مخاوفها من امتلاك إيران لسلاح النووي والصواريخ البعيدة المدى، وتعي إسرائيل بأنَّ تطوير إيران القدرتها على تخصيب اليورانيوم بكميَّات كبيرة، وبدرجات عالية، يعني وصول الصراع إلى مرحلة اللاعودة، كما أنَّه يمنح إيرانَ ميزة على حسابها، في ظلِّ ترقُّبها نشأة نظام جديد في المنطقة، قد يكون لنظام ملالي الزَّعامة فيه. ومع إصرار إيران على تنفيذ مخططها التوسُّعي بالسَّيطرة على الشَّرق الأوسط، تجتهد أمريكا في تأسيس نظام جديد يتعارض مع التوازن الطبيعي، وعلى احتواء إيران وتكليفها لخدمة مشروعها في المنطقة.
إن جمهورية إيران الإسلامية صناعة غربية بحتة، وأنها تابع مطلق لمصدر الصناعة. وهذا ما يؤكده الدعم الذي واكب قيام ثورة الخميني غربيا وإلى جملة من الأحداث التي تعطي مؤشرا بهذا الاتجاه. وان أي موقف أو حدث بين الطرفين خارج إطار هذه الرؤية هو من قبيل المسرحية والرتوش الضرورية للتأكيد على أن العلاقة القائمة بين هذين الطرفين هي علاقة العداء المستحكم، وهي صورة يرغب كلا الطرفين صناعتها لدى أتباعه وفي المنطقة لتحقيق مآرب أخرى.
وبالرغم من أن إيران ضمن محور الشر الذي أعلنه الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش عقب الحادي عشر من سبتمبر، ورغم استمرارها في برنامجها النووي وصناعتها العسكرية للأسلحة بعيدة المدى، ورغم اتهامها بأعمال إرهابية على صعيد الخارج، ورغم النظر إليها باعتبارها تهديدا للأصدقاء، إلا أنها لم تتعرض لأي هجوم أمريكي، فمصلحة واشنطن تحجيم طهران واعادتها الحارس والمنفذ للمشرع الأمريكي في المنطقة وليس القضاء عليها.
ورغم كثرة تهديدات إسرائيل بتدمير إيران خلال ساعات معدودة، وللمرة الألف تصرح إيران بأنها مستعدة لتدمير إسرائيل دون تنفيذ فعلي من الطرفين، والعلاقات الحقيقة بينهما هي التعاون وليس العداء، فقد صرح ديفيد ليفي – وزير الخارجية اليهودي في حكومة نتنياهو- قائلا: إن إسرائيل لم تقل في يوم من الأيام إن إيران هي العدو ويقول الصحفي اليهودي أوري شمحوني: إن إيران دولة إقليمية ولنا الكثير من المصالح الاستراتيجية معها، فإيران تؤثر على مجريات الأحداث وبالتأكيد على ما سيجري في المستقبل، إن التهديد الجاثم على إيران لا يأتيها من ناحيتنا بل من الدول العربية المجاورة، فإسرائيل لم تكن أبدا ولن تكون عدوا لإيران.)
وعلى أرض العراق منذ 18 عام، إيران التي احكمت سيطرتها على العراق بعد في احتلاله بتخويل من أمريكا، تتعاون وتنسيق مع الموساد الإسرائيلي وكافة الأجهزة الاستخبارية الأخرى، وتعلم أن هناك وجودا صهيونيا، بل مشروعا صهيونيا” تقوم به قوات الاحتلال الأمريكي والشركات اليهودية على أرض العراق لتمزيقه إلى دويلات طائفية وعرقية، ونهب ثرواته ومقدراته، فلماذا لا تعمل على محاربة الوجود والتغلغل الإسرائيلي تحت غطاء الخبراء والضباط والجنود والشركات؟
إن أمريكا تعلم ان العنصر الفارسي في إيران أقل من النصف وهنالك قوميات أخرى تريد الانفصال، ولهذا السبب أمريكا تمنع أي دعم خارجي للأقليات القومية أو للمعارضة السياسية في الداخل الإيراني حفاظاً على وحدة إيران حتى وإن كان الدعم كردّ فعل على التدخلات الإيرانية التي تضغط من خلال ميليشياتها على دول المنطقة.
مما يعني أن استراتيجية أمريكا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما تلاها من احتلال أفغانستان والعراق مؤشر على دعم إيران من أجل الهيمنة على عدد من الأقطار العربية، وأن ما حصل للعراق، وسوريا، ولبنان، واليمن، ليس إلا خطوة في بداية الطريق، كما أن مشروع الفوضى الخلاقة الذي طبق في دول الربيع العربي ليس إلا جزء من مخطط إضعاف الدول العربية وتدمير جيوشها وإحلال الميليشيات الإرهابية بدلا عنها والقائمة تطول على المدى البعيد، لذلك لا أحد يتأمل من الدول العربية، وخصوصًا في العراق والخليج العربي، أن تحميهم أمريكا من بطش ذوي القربي حتى لو تطوعوا كدروع بشرية للدفاع عن سفارتهم في بغداد لأن أمريكا هي من جاءت بالفصائل الموالية لإيران على ظهر دباباتها لتسلمهم السلطة في العراق.
إن الأشقاء العرب الآن شعروا مثل الأمريكان أنهم ارتكبوا جريمة بحق العراق، وأن الأوضاع السيئة في العراق انعكست على دول الخليج، والتواجد الإيراني في العراق والمليشيات التابع له اصبحت تهددهم، فالمملكة العربية السعودية ودول الخليج لم يكن لديهم مشاكل مع ايران قبل 2003، لأن العراق كان هو السد المنيع والمدافع عن الأمة كلها، والذي تصدى لإيران وافشل مشروعها التوسعي في المنطقة، وكان يمثل حارس البوابة الشرقية للوطن العربي، ولوضع حد للتوسع الإيراني وتحجيم الدور الإيراني ومواجهة خطر المثلث الإيراني، الإسرائيلي، الأمريكي، الذي شعاره هو الموت للعرب، يتطلب من الدول العربية تصحيح الخطأ الذي ارتكبوه بحق العراق، والعمل على مساندة العراقيين في طرد الاحتلال الإيراني، وإقامة حكم وطني للعراق هو الكفيل في إفشال مشروع التحالف الغادر في كل المنطقة العربية.
وأخيرا أيها العرب لابد من الانتباه أن هذا المثلث يسخر منكم من خلال الشعارات الزائفة، ولو كانت إسرائيل تخشى من إيران وميليشياتها الطائفية في سوريا، لما سمحت هي وأمريكا لتلك الميليشيات بدخول سوريا أصلا، ومن سلم العراق، لإيران على طبق من ذهب، لا يمكن أن يعرقل التغلغل الفارسي في سوريا، ولبنان، واليمن، لا يمكن أن يسمح لإيران بإنشاء مائة حزب كحزب الله في كل هذه الدول.