من سخريات القدر السياسي في العراق , ان يخرج نائب هيئة الحشد الشعبي (ابو مهدي المهندس) ويتهم بشكل مباشر كلا من اسرائيل وامريكا بوقوفهما خلف قصف مواقع الحشد الشعبي , ويكيل اليهما سيلا من التهديدات بالرد عليهما بالمثل, وبعد ساعتين يخرج السيد (فالح الفياض) والذي يفترض انه رئيس هيئة الحشد الشعبي ليخفف من نبرة نائبه التصعيدية . ويتخذ موقفا مغايرا تماما لموقفه , وكاننا في هيئتين , وحكومتين , بل وفي دولتين .
فبعد تعرض مواقع للحشد الشعبي الى قصف من مصادر وصفت من قبل الحكومة العراقية بانها (مجهولة) , ومن قبل مليشيات الحشد بانها (اسرائيلية) , تعالت اصوات معروفة التوجهات داخل العراق , تطالب بالرد على تلك الهجمات بالمثل .
والامر لا يحتاج للكثير من الفراسة لمعرفة من يقف وراء تلك الاصوات العالية وما اهدافها .
فلقد نجحت ايران في ممارسة (التصعيد الناعم) مع امريكا في ازمتها الحالية معها , والتعامل بحذر معها حتى في تصريحاتها التهديدية بان تترك فيها مجالا للمناورة السياسية , اما المواقف التصعيدية فتكون من حصة اذرعها في المنطقة بعيدا عن حدودها , سواء في العراق او لبنان او اليمن او سوريا , وهذا ما يفسر حدة اللهجة التي نسمعها من امراء حرب الفصائل المسلحة في العراق خلال الايام الماضية .
وقد اثبتت ازمة قصف مواقع مليشيات الحشد الشعبي وردود الافعال التي نتجت عنها , ان كل ما يقال عن ان هذه المليشيات تنضوي تحت خيمة المؤسسة العسكرية العراقية ما هي الا محض اكاذيب , فكيف لضابط في الجيش العراقي مثلا ان يهدد دولة ويفتي في طريقة الرد عليها حتى وان كانت معادية ؟ دون اي اعتبار لوجود مؤسسات سياسية حكومية هي من يجب ان تتخذ هذه المواقف السياسية . خاصة وان الدستور العراقي ينص على وجوب ابعاد المؤسسة العسكرية عن كل توجه سياسي .
دعونا ننصب انفسنا مدافعين عن الشيطان ونقيم الامور من وجهة نظر المقابل : –
هل من المنطق ان نعاتب اسرائيل وامريكا على ضربهم لمواقع مليشيات تعلن جهارا نهارا , بمناسبة وبدون مناسبة , في وقوفها ضمن ما يسمى بمحور المقاومة في المنطقة ضد امريكا واسرائيل , ذلك المحور الذي تتبناه وترعاه ايران , ثم ناتي ونعاتب اسرائيل وامريكا ونلومهم ونؤلب الشارع ضدهم اذا ما قصفوا مواقع تلك المليشيات ؟ مع ان الموقف الرسمي العراقي والذي يفترض ان هذه المليشيات تنضوي تحت اشراف مؤسسته العسكرية يتخذ موقف الحياد في سياسة المحاور في المنطقة .
ان كانت هذه المليشيات عراقية بحق فيجب عليها الالتزام بمواقف الحكومة العراقية وسياساتها , اما اذا كانت مصرة على الوقوف ضمن محور المقاومة فالباب مفتوح امامها على مصراعيه لتنفيذ تهديداتها خارج العراق , سواء في سوريا او في المناطق التي يسيطر عليها حزب الله في جنوب لبنان , فهي مناطق اقرب لاسرائيل وبامكانها تنفيذ تهديداتها بالشكل الذي تريده هناك ( والله ومحمد وعلي وياهم) , فالعراق ليس حكرا على مكون واحد لكي يتصرف بمصير مكوناته الباقية كما يشاء , فما بالك بشريحة مسلحة من مكون .
ان ما تفعله هذه المليشيات هو نفس ما كان يفعله صدام حسين ايام حكمه لكن من الزاوية المعاكسة , فصدام جعل من العراق البوابة الشرقية للدول العربية في قتاله مع ايران مضحيا بمئات الالاف من العراقيين في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل , واليوم تحاول هذه المليشيات جعل العراق البوابة الغربية لايران في قتال اسرائيل وامريكا نيابة عن ايران . وكان الشعب العراقي مشاريع قتل جاهزة لهذا وذاك حسب الطلب دون اي اعتبار للدماء التي ستسال وللخسائر التي سيتكبدها كل العراقيين دون استثناء .
كما ذكرنا سابقا .. ان كانت اسرائيل هي من ضربت هذه المواقع , فهي لم تضربها لانها مليشيات عراقية وانما لكونها اذرعا جاهزة لايران , وان كان ينبغي على جهة ان تنبري للدفاع عن تلك المليشيات والرد على القصف الاسرائيلي المفترض لها فهي الحكومة الايرانية وليست العراقية .
والسؤال هنا …هل ايران مستعدة للدفاع عن تلك المليشيات ضد اسرائيل بعد ان قصفت مواقعها ؟
الجواب معروف للجميع ولا يحتاج للكثير من العناء , فمن المستحيل على ايران الدخول في قتال مع اسرائيل دفاعا عن تلك المليشيات , لان الرؤية الاعتبارية الايرانية لتلك المليشيات لا تتوازى ابدا مع مصالحها القومية العليا , فهذه المليشيات في نظر ايران بيادق تحركها وفق مصالحها تلك , ولا يمكن لهذا الدور ان ينعكس , ففي عالم السياسة يبقى البيدق بيدقا , والضحية تبقى ضحية , لا ترتقي الى ان يضحى من اجلها .
لقد تجاوزت الاحداث سياسة مسك العصا من الوسط , وآن للحكومة العراقية ان تحدد موقفها , فاما ان تنجر الى المعسكر الذي يقبع فيه هذه الفصائل وتتخندق مع ما يسمى بمحور المقاومة , او ان تتخلى عن ضعفها امام تلك المليشيات وتفرض عليها الانصياع الحقيقي لاوامرها وتوجهاتها السياسية , فاصرار هذه المليشيات بوضع نفسها وصية على توجهات الشعب العراقي سيدفع بالبلد كله الى اتون حرب الخسارة فيها محسومة سلفا , حينها لن يجدي اللطم شيئا لللطامين , ولا البكاء شيئا للبكائين .