23 ديسمبر، 2024 3:22 م

ايران هي الفاعل في تفجير ناقلات النفط في بحر عمان !!

ايران هي الفاعل في تفجير ناقلات النفط في بحر عمان !!

بغض النظر عما قلناه في مرات عديدة سابقة من طبيعة الخلافات السياسية والتوافقات الجيوستراتيجية الايرانية – الامريكية فأنه من الواضح ان حدة التوتر تزداد .

بات واضحاً الان وبشكل مؤكد ان جدول اعمال الخلافات يكمن في ثلاث قضايا هي : تعديل الاتفاق النووي ، تقييد التسلّح الصاروخي من حيث الكم والمدى وتعديل سياسات ايران الاقليمية في بعض مواقع الاحتكاك المحتملة بين النفوذين الاسرائيلي والايراني في المنطقة .

تنتهج الولايات المتحدة تكتيكاً طويل المدى نسبياً يستند الى عنصرين : الردع من خلال توفير وجود عسكري مؤثر وقابل للزيادة مع تطور الاحداث من شانه اجبار ايران على التفكير مرات عديدة اذا ماارادت التعرض ” لمصالح او قوات امريكية ” في المنطقة (مع ترك مساحة رمادية بشأن مصالح وأمن ” الحلفاء ” في منطقة الخليج العربي ) ، وهو ماكان موضع تهديد من قبل بعض أذرع ايران ، ويبدو ان الردع قد أتى نتائجه ، فلم نعد نسمع اصواتاً في هذا المجال .

اما العنصر الثاني فهو العقوبات الاقتصادية وإغلاق النظام المصرفي الدولي في وجه ايران بهدف تصفير صادرات ايران النفطية وحرمانها من مواردها المالية ، اضافة الى تضييق نطاق التعاون التجاري والاقتصادي بينها وبين الشركاء الدوليين الى أقصى الحدود ؛ هذه العقوبات تبدو فاعلة هذه المرة ، علماً انها تستهدف ، اضافة لايران ، الاطراف الثالثة التي تتعامل معها من الدول والشركات . لقد ظهرت اثار هذه العقوبات بشكل موجة عاتية من التضخم وانهيار قيمة العملة المحلية وعجز كبير في تعاملات السوق بالعملات الصعبة ، وهذا ينعكس بشكل مباشر على المواطن الايراني الذي يشكل بدوره عامل ضغط على النظام ، ويوفر عناصر اضافية وفاعلة لزعزعة استقراره ، الى جانب زعزعة مكانة ايران وعلاقاتها بحلفائها بسبب عجزها عن مواصلة دعمهم بالمال والقدرات الاخرى ، اخذاً بالاعتبار ان نسبة كبيرة من عناصر هؤلاء الحلفاء قد اتخذوا حمل السلاح مهنة لهم مقابل ماتوفره من مردود يؤمن معاشهم وأسرهم ، وَمِمَّا يزيد من فاعلية العقوبات عدم مرونة الاقتصاد الايراني واعتماده بشكل كبير على ايرادات النفط ، فضلاً عن استشراء الفساد وهيمنة الحرس الثوري على قطاع كبير من الاقتصاد مما يجعله عرضة مباشرة للضغط خاصة بعد تصنيف الحرس منظمة ارهابية . لقد فشلت الجهود الاوروپية في فتح أبواب التعاملات مع ايران من خلال نظام تعويض خاص ، لكنه نظام غير فاعل وربما كان الاوروپيون غير راغبين جدياً في تفعيله لانهم لايخفون تضامنهم بلغة دبلوماسية مغلفة مع بعض الطلبات الامريكية خاصة تلك التي تمس قضايا التسلّح الصاروخي والسياسات الاقليمية الايرانية .

اما ايران فانها كما يبدو واضحاً اصبحت تواجه ظرفاً مختلفاً عما الفته في السابق ؛ لم تعد قادرة على الالتفاف على العقوبات لانها عقوبات مركبة موجهة للاطراف الثالثة بالدرجة الاساس وليست موجهة لها حصراً او مباشرة رغم ان هدفها هو كذلك . كان ظريف يفاخر قبل شهر بان ايران قد اعتادت على التعامل مع العقوبات الامريكية ، بل وصل الى القول بان ايران حازت على ” الدكتوراه ” في قضية الالتفاف على العقوبات الامريكية ، ولكن الايرانيين فوجئوا بسرعة ومستوى استجابة الاطراف الثالثة للعقوبات ، كما ثبت لهم بشكل قاطع الان بان اوروپا والاطراف او الكتل الدولية الصديقة مثل البريكس وشنغهاي عاجزة عن تقديم عون جاد يعوض او يخفف من تأثير العقوبات ، وبالتالي فان التأثيرات الاقتصادية والسياسية الداخلية للعقوبات تتجه للتصاعد ، ويزداد ضغطها بشكل يومي على معاش المواطنين مع مايحمله ذلك من احتمالات تجدد الاحتجاجات الشعبية على غرار ماحصل خلال الثورة الخضراء عام ٢٠٠٩ .

نحن اذاً امام معادلة طرفاها على علاقة متناقضة مع حد المعادلة الأساسي وهو الوقت . الولايات المتحدة التي تناور على تأثير العقوبات تقترب من تحقيق هدفها كلما طال الوقت ، بينما هو عكس الموقف بالنسبة للنظام الحاكم في طهران .

فما هي أوراق ايران للتعامل مع الموقف ؟!

يمكن لايران ان تقبل عاجلاً بالشروط الامريكية غير القابلة للتفاوض او التعديل كما يبدو من رسالة ترامپ التي نقلها رئيس وزراء اليابان الى القيادة الايرانية واصبح مضمونها مفهوماً وواضحاً من طبيعة الرد الذي الذي أعلنه المرشد ونقل بالصوت والصورة لاول مرة في تاريخ لقاءات المرشد بالوفود الأجنبية . لكن هذا القبول معناه ان كامل نفوذ ايران الاقليمي ، وربما نظامها السياسي الداخلي ، سيواجهان احتمالا كبيراً بالانهيار ؛ اما اذا اختارت ايران اللجوء الى خيار عسكري معلن ومفتوح لمواجهة الضغوط الامريكية كالعمل على إغلاق مضيق هرمز – ان كان ذلك يقع ضمن قدراتها الفعلية – اوإلتحرش بالملاحة في باب المندب فانها تكون قد اختارت الحرب المباشرة مع الولايات المتحدة وحلفائها وتوابعها في المنطقة ، فضلا عن ذلك فان العالم باكمله واوروپا واليابان والصين وبقية زبائن نفط الخليج العربي سيكون موقفهم بالضد من الطرف الذي يبدأ حرباً او يهدد الملاحة في المنطقة وحولها .

لم يتبق امام ايران للتعامل مع قضية الوقت التي تبدو في منتهى الالحاح غير ورقة الضغط الوحيدة المتاحة أمامها وذلك من خلال المبادرة الى عمليات تخريب محدودة ومنتقاة بدقة تضع العالم بين الشك واليقين حول هوية الفاعل ، لكنها ستكون رسائل خطيرة تبعثها الى اسواق النفط العالمية . لقد سجلت أسعار النفط ارتفاعاً وصل الى حوالى ٤٪‏ فور ورود اخبار اعمال التخريب التي طالت ناقلتي النفط في خليج عمان ثم تراجع بعد ان اتضحت ان حدود العملية محدودة وليس مؤكداً انها سوف تتكرر ، كما بادرت شركة فرونتلاين اليابانية وشركات التأمين الكبرى بالتلميح الى دقة الموقف وانها ستكون اكثر حذراً في تعاقداتها في منطقة الخليج العربي مما قد يعني زيادة في ارقام التأمين ، والمعروف ان النفط هو من المواد التي لايسمح بنقلها ااو تفرغها في اي ميناء في العالم مالم تكن مؤمنة .

ان تكررت هذه العمليات فمن غير المرجح ان تواجه بردود فعل عسكرية لان ذلك يقع في دائرة المحظور التي تبنتها مختلف الاطراف والتي تشير الى عدم رغبة اي من الاطراف بالانخراط في حرب قد ثبدأ محدودة ولكنها سوف تتدحرج مثل كرة الثلج وقد تتحول الى حرب شاملة تصيب أضرارها الجميع ، وسوف تقوم القوات البحرية للولايات المتحدة وحلفائها بتكثيف اعمال حراسة السفن وخاصة ناقلات النفط مما يمنع ايران من الأقدام على مجازفة ارتكاب عمل تخريبي مكشوف ، كما ان الولايات المتحدة لاتبدو متعجلة في حسم الموقف طالما بدأت العقوبات تؤتي ثمارها ، خاصة وان الرئيس ترامپ يبدأ قريباً حملته لتجديد ولايته لرئاسة ثانية في انتخابات ٢٠٢٠ وليس من مصلحته خوض الحملة وهنالك أكفان جنود تصل البلاد جراء حرب في الخليج ، لكن بقاء الوضع على حالته الراهنة ووضوح رجحان كفة إجراءاته العقابية ضد ايران دون ان ينخرط في حرب مباشرة سيشكل رصيداً هائلاً له في صفوف الناخبين .

قد تحاول ايران تنشيط الوساطات الدولية لتجنب حرب تعرف على وجه اليقين نتائجها الكارثية على نظامها واقتصادها المنهار ومستقبل نفوذها الاقليمي ، لكن هذه الوساطات ستواجه حائلاً صلباً مادته الاساسية هي الشروط الامريكية ، اما الترويج عن احاديث من قبيل ان ترامپ تراجع عن موقفه الصلب وانه بات يركز الان على قضية الملف النووي فهو كلام لامعنى له والصلة له بالواقع ،، لقد كانت اجابة المرشد خامنئي على رسالة ترامپ التي نقلها رئيس الوزراء الياباني كفيلة بفضح مضمون الرسالة الامريكية ، الى جانب ما يبدو من عصبية وانفعال الخطاب السياسي الايراني الذي يوحي بان الايرانيين ينتابهم شعور اكيد ان هذه المرة مختلفة عن سابقاتها وان ترامپ لن ينزل عن شجرته ،، ونحن قد نسأل : مالذي قد يدفعه لذك ؟! الجواب هو لاشيء ، والوقت يعمل لصالحه والعقوبات تؤتي ثمارها ، وهو في اطار مساعيه لضمان فوز مؤكد في الانتخابات الرئاسية لن يرضى باقل من رضوخ إيراني كامل لطلباته ، ولو عاد الايرانيون الى مراجعة الموقف فانهم سيجدون ان مايعرضه ترامپ عليهم ليس سيئاً الى درجة كبيرة ، فما يعرضه ترامپ هو قيود على التسلّح والبرنامج النووي مع نفوذ في الاقليم لايشكل تهديداً لأمن الحليف الرئيسي وهي اسرائيل . شخصياً لا اعتقد ان في نية ترامپ اجراء تعديل جوهري على موقفه من امكانية بقاء نظام بشار الأسد ودور لايران في سوريا ولبنان بعد تحول حزب الله الى حزب سياسي محدود التسليح مع ادماج المليشيات المسلحة في العراق وسوريا في القوات المسلحة الرسمية بشكل فعلي بما يجعلها موضع سؤال فيما لو تصرفت كمليشيات خارج نطاق سلطة الدولة . لكن العقبة الكأداء التي تحول بين ايران والقبول بذلك هي تركيبة النظام وهيمنة القوى الأيديولوجية الطائفية المتطرفة التي حولت المنطقة الى فوضى خارجة عن السيطرة .

يبدو لي ان ايران تقف على مفترق طرق ، وهي تواجه ابواباً موصدة في كل الاتجاهات . لم تعد الظروف تشابه تلك التي كانت عام ٢٠١٢ . في حينها بدأ العد التنازلي باتجاه عقد الصفقة النووية . لكن الصفقة تلك ادت غرضها المتوخى في حينه وهو نزع قدرات محددة من المشروع النووي بحيث تحول بينه وبين امكانية التحول الى مشروع صناعة سلاح ، ولو انحرفت ايران عن الهدف فإنه ستتم ملاحظة ذلك ، مع فرصة مناسبة من الوقت المتاح للمجتمع الدولي لاكتشاف اي انحراف عن البوصلة المحددة لمسيرة المشروع النووي . لقد تم غض النظر في حينه تكتيكياً من قبل الولايات المتحدة عن بقية القضايا مثل التسلّح الصاروخي والنفوذ المخرب في المنطقة ، وقد ان الاوان لاعادة فتح الملف من جديد بعد ان نزعت من بين أيدي ايران ورقة التهديد باعادة احياء المشروع النووي وزيادة التخصيب ؛ ان ذلك من شأنه ان يقلب مواقف اوروپا وبقية المجتمع الدولي ضد ايران ، وستجد نفسها تعاني من عزلة قد لاتختلف عما عاناه العراق خلال سنوات الحصار الشامل التي سبقت الاحتلال ، مع الفارق بين قدرة نظام الرئيس صدام حسين على البقاء متماسكاً فيما لاتبدو اوضاع ايران على ذلك القدر من القوة والتماسك ، اخذاً بالاعتبار حجم سكانها وحجم احتياجاتهم المعيشية الاساسية ،،

هل يفهم الايرانيون الموقف على صورته الصحيحة ام يواصلون العناد والغرق في لجة احلام اليقظة الامبراطورية ، اخذاً بالاعتبار ان اللجوء مجدداً الى ورقتهم الوحيدة المتاحة وهي أسعار النفط العالمية لن تمر بسهولة ، وقد تكون فتيل الحرب التي ستصيب الجميع بدون شك بأضرار يمكن ترجمتها الى ارقام ، لكن ضررها على ايران سيكون مصيرياً ؟!!