22 نوفمبر، 2024 11:33 ص
Search
Close this search box.

ايران شرطي الخليج النهاية الطبيعية لولاية الفقيه

ايران شرطي الخليج النهاية الطبيعية لولاية الفقيه

بعيدا عن الخوض في الجدل المتوارث داخل الاوساط الحوزوية او حتى الشعبية عن ضرورة وجود ولاية الفقيه كعقيدة راسخة في المذهب الامامي الاثني عشر ام لا ،وطبيعة الخلاف الدائر بين مدرسة اقحام السياسة بالدين ،وبين تلك التي ترى ان تبتعد كليا عن السياسة والحكم لعدة اسباب(منها الايمان بان الدولة الاسلامية الشيعية لابد ان يقودها امام المعصوم،اي عقيدة دولة المهدي المنتظر)،
سنجد ان الفرق بين تجربة السيد الخميني(رحمه الله)المرجع، وقاىد الثورة الاسلامية في ايران(١٩٧٩)،وبين السيد الخامنئي خليفته الصاعد للولاية تحت قاعدة الضرورة والمصلحة العامة بعد ابعاد الشيخ المنتظري(رحمه الله)،قد لعبت دورا مهما في تقوية دولة الاول،واضعاف قيادة الثاني للدولة النووية تدريجيا…
هناك قاعدة عامة يعمل بها الطواغيت والحكام الظلمة منذ اقدم،هي ابقاء الرعية او الشعب دون مستوى الوعي الحقيقي،في حالة من التعمية الاجبارية،ولهذا كانت الكنائس والمساجد او الاديان عموما تحارب العلم الطبيعي، وتستهدف علماءها،اي ان احد اهم ركائز استمرار الحكم بعد القمع هو الرهان على بقاء تخلف وجهل العامة،
وما ان تنفتح تلك النوافذ لاية امة او شعب ،حتى تجد انها تزحف نحو قمة هرم السلطة بالعنف والثورة، بينما في ايران الامر مختلف عن بقية الشعوب المجاورة لها،امة وشعب ذو تاريخ وحضارة عريقة،لهم من العلم والمعرفة الشيء الكثير،لايختلفون عن تجربة الشعوب العملية الحية،وكأنها اقرب للشعب الالماني(وكأنه فعلا عرق اري واحد)،
الذي لاتهزمه او تكسره الكوارث والحروب او الانهيارات الاجتماعية والسياسية الكبيرة،اي لاتتيه ولاتضيع ارادة هذه الامة كثيرا بعد السقوط في الهاوية،عكس بقية الشعوب التي تزيد من خسارتها ومصاعبها وازماتها كوارث اخرى،لتبقى اسيرة الفوضى والخراب والنزاعات الداخلية،
هذه الثقة العالية بالنفس لاتسمح للهواجس من ان تقف عائقا امام مسيرة الاصلاح والتغيير،ولاتزيد من احتمالية تفكك الدولة والمجتمع مستقبلا،لان حضارتهم وموروثهم اقوى من هذه المخاوف المشروعة احيانا،الا ان بلادهم صنعت لهم دولة الامة منذ العهد الصفوي،من هنا هم لايكترثون كثيرا للنتائج المحتملة من التغيير السياسي التدريجي في بلادهم..
العلم والمعرفة والانتقال الى مصاف الدول النووية لم يتم بعقلية او ادارة الحرس الثوري او ولاية الفقيه،انما بالاجيال العلمية الاكادبمية المنفتحة،وما هذا التراشق والتنافس والمناوشات بينهم وبين الاصلاحيين،الا بداية النهاية لهذا الكيان الثقيل على المجتمع وعلى الاصلاحيين تحديدا،بعد ان ازداد الرفض العالمي له ،واعتباره اقرب للمنظمات الشعبية المسلحة (التي يطلق على اغلبها دوليا
منظمات ارهابية )التي يدعمها في المنطقة على طول مايسمى بشريط الهلال الشيعي ،فخروج تلك الاعتراضات الى العلن وبالاخص بعد الحصار الاقتصادي الدولي، وانهيار العملة، والخسائر المادية الكبيرة في سوريا ولبنان، وسباق او برامج التسليح المكلفة،وحادثة الطائرة الاوكرانية،
وازمة وباء كورونا ،واخرها القصف الخطأ للقارب الايراني في المناورات الخاصة،وانهيار اسعار النفط،
جعلتهم (اي الاصلاحيين)يتندرون وينتقدون منظر السلات الغذائية الرمضانية الموضوعة في مرقد السيد الخميني بشكل واسع(وهم كانوا من قبل يعترضون على هذا الاسراف في البناء منذ اللحظات الاولى للشروع به بعد وفاة قاىد الثورة)،بعد ان تم قمع احتجاجاتهم الشعبية السابقة بقوة..
المشكلة التي لم تنتبه اليها جماعة الحرس الثوري المتشدد القديم(جماعة ولاية الفقيه)،هي مرحلة مابعد خاتمي وجناح مير حسين موسوي ومهدي كروبي،من انها تعد بداية انقسام الشارع الايراني فعليا بين مايسمى بالاصلاحيين والمتشددين (الاصوليين)،ومن ان اسقاط جدار العزل هذا لن يتم على ايديهم في نهاية المطاف..
الطبيعة الايرانية طبيعة اجتماعية مادية،الفقر والحصار وتوقف التجارة والاعمال عندهم تعني ازمة حقيقية لاتختلف كثيرا عن ازماتهم ومعاناتهم قبل اسقاط نظام الشاه،فضلا عن ان شخصية السيد الخامنئي وصفاته ومكانته الحوزوية لايمكن اعطاءها قدسية كاملة كما كانت للسيد الخميني،
فقد حكم ايران بالكاريزما الاصولية الثورية الايرانية،التي افل بريقها ووهجها ،وقل مفعولها وقوتها وتأثيراتها النفسية والروحية على الشارع،بعد كل هذه السنين الطويلة من العزلة والحصار الاقتصادي الدولي،الذي انتعش قليلا بعد2003عبر نافذة الانقاذ(العراق)،ولكن الانخراط الطويل نسبيا بالازمة السورية،واندلاع الثورات الشعبية في العراق ولبنان (ومقتل الجنرال سليماني) ،واستفراد الروس بالملف السوري ،والترويج لاحتمالية استبدال الاسد بغية تحريك عجلة المفاوضات بين المعارضة وحرس السلطة القديم،ادت الى عودة التصريحات المحذرة من احتمالية الانفجار الشعبي مجددا هناك(تحذيرات خاتمي الاخيرة من احتمالات اندلاع موجات عنف شديدة)،مع غياب الرؤية الاصلاحية الاقتصادية والسياسية المطلوبة….
القوى العظمى تعرف جيدا ان اسلوب الحصار الاقتصادي قادر على تدمير اية دولة مهما كانت قوية، اولديها كما تعتقد موارد الاكتفاء الذاتي ،فمعاناة الشعب الايراني غير مسبوقة،ولم تكن حتى اقرب لمعاناتهم ايام الثورة واندلاع الحرب الايرانية العراقية،وكما هو معروف ان قمة هرم السلطة الشمولية دائما هي من يتحمل تبعات ومسؤولية كل صغيرة وكبيرة في الدولة والمجتمع،وبما ان سلطة المقدس تضعف مع الانفتاح والتطور العلمي الحضاري،اصبحت نغمات اوتار المذهب والطائفية ، وتفكك وشائج العلاقة المقدسة بين رجال الدين(المرجع) والشعائر والطقوس الشيعية ،لوجود شبهات فساد وطبقية بين اوساط تلك الدوائر سواء كان على مستوى الحقوق الشرعية او اموال الدولة المجهولة المالك،وكذلك زيادة وعي الاجيال الحالية واندفاعها بقوة نحو الحضارة التكنولوجية،وتفاعلها مع شبكات التواصل الاجتماعي،بات من المستحيل ابقاء نظام الهيكل ونموذج الحكم التقليدي الابوي الديني القديم على حاله،وهذه من السنن الطبيعية في التطور والتغيير..
لماذا ايران مهمة:
لان هذه الدولة كانت تأريخيا ولازالت مصدر قلق للشعوب العربية المجاورة لها،وحتى البعيدة عنها، فهي تختلف عن تركيا بطول الحدود والمنافذ البرية والبحرية والجوية،والتداخل المذهبي والتجاري والثقافي معهم،ولان ولاية فقيه هي مصدر تشكيل الجماعات الشيعية المسلحة المرتبطة بها،كما فعلت الوهابية مع الجماعات الداعشية السلفية الارهابية،ومع ان الفرق كبير بين الارهاب والجبهة المواجهة والمتصدية لهم،الا ان قوة وحجم سلاح هذه الجماعات العقائدية هي المشكلة،وكذلك انخراطها بالعمل السياسي المحلي،جعل منها قريبة نسبيا من تجربة الحرس الثوري الايراني،وهي تجربة استنزاف متعبة ومهلكة لدول وشعوب المنطقة،وتعد سببا رئيسيا في ابقاء لغة واسلوب الصراع المتبادل بينهم وبين الاخرين،
مما لاشك فيه ان مايطلبه الشعب الايراني او العراقي او السوري او اللبناني وحتى اليمني،هو ابعاد النظام السياسي لهذه الدول عن فوهات البنادق العقائدية او المقدسة،والذهاب الى مرحلة بناء دولة المؤسسات الديمقراطية الحديثة،وقد سمع الجميع تهديدات قائد الحرس الثوري الجديد (بعد مقتل سليماني)بأن جميع محور المقاومة في المنطقة سيرد على امريكا،غاب عنه ان النظام العالمي الجديد لم يعد مقبولا عنده تلك الاساليب في التعاملات الدولية،وهو على اعتاب مرحلة جديدة يراد لها ان تظهر للعلن بعد الانتهاء من جائحة كورونا…
بدء السيد الخامنئي عهد ولاية الفقيه وهو لم ينل درجة الاجتهاد بعد،ولعل العقل الجمعي الحوزوي والشيعي الشعبي لايرسم هالة مقدسة حول رجل الدين الا بعد ان ينال صفة او لقب المرجع الاعلى،فضلا عن المشهور في الاوساط الدينية نظرية التحاسد بين رجال الدين(او مايطلق عليه عرفا عندهم العلماء)،
بمعنى ان ولاية الفقيه يمكن لها ان تتكيف مع ظروف استثنائية معينة(كما حصل في ثورة اسقاط نظام الشاه،وعند الاضطرابات وانتشار الفوضى، اوغياب مراجع التنافس كما في العراق ،وانفراد السيد السيستاني بزعامة الحوزة والمرجعية)،ولكنها تخفت وتتراجع او تختفي تدريجيا مع غياب الحاجة الفعلية لها(مع العلم ان هناك مدارس فقهية شيعية معارضة بشدة لنظرية ولاية الفقيه كالفرقة الشيرازية اضافة الى اغلب المراجع الشيعة الاخرين)،فألقوة العسكرية والنووية والدرجة العلمية الايرانية،قطعت مشوارا طويلا بعيدا عن الطريقة الابوية البدائية المعتادة في ادارة الدولة،ومن الطبيعي ان الفجوة تتسع بين التيار الاصلاحي العلمي،وبين التيار الاصولي الغارق في تراث الغيبيات والماورائيات الاسطورية،
وهذا الامر نفسه انعكس على ماحدث لاجيال مابعد2003في العراق، واعتمادهم رفع شعار”باسم الدين باكونه-سرقونه الحرامية”،اذ بات من المستحيل فرض الايديولوجيات والافكار الموروثة المغلقة على اية امة او شعب،حتى مع صعود المد اليميني المتطرف في عقر دار الحضارة الغربية،الا ان الحضارة العلمية التكنولوجية هي كاسحة عملاقة لهذه الظواهر السلبية ولتلك الانتكاسات الجانبية،ولايمكن اعتباره تراجع حضاري عالمي…
لقد اصبحت الجبهتين الشيعية الثورية،والوهابية السلفية الارهابية في صدام واضح مع الحضارة الانسانية الحديثة،وهي اليوم تشكل عبئا ثقيلا على شعوبها والمنطقة وعلى المجتمع الدولي،مع التأكيد على اهمية القضية الفلسطينية ،واعتبار القوة العسكرية النووية الاسرائيلية هي ايضا جبهة مفتوحة لزعزعة امن واستقرار المنطقة،الا ان التجربة والتاريخ اثبت ان الحلول العسكرية لاتجدي نفعا،بل هي مجرد ادوات ضغط لتقديم المزيد من التنازلات بين الجانبين ،من اجل الجلوس على طاولة الحل السلمي الشامل بينهم،جدير بالاشارة الى ان مايسمى بخارطة ترامب (صفقة القرن)الاحادية، لانهاء النزاع الاسرائيلي العربي،انعشت امال اجنحة المقاومة الاسلامية بابقاء الاوضاع الحالية على ماهي عليه الان،ولكن هذه التدخلات بدأت تزعج الشعب الايراني لتكاليفها الباهضة،ونتائجها غير المضمونة او الواضحة…
ان الامر لايتعلق بنقد عقيدة او نهج سياسي معين،انما يؤكد على حقيقة ان المنطق العقلي العلمي لابد ان يتقدم على المنطق الاجتهادي الديني او العقائدي،بمعنى اخر ان اساليب الادارة والحكم في الديمقراطيات المشروطة(اي التي يتم السيطرة على مسارها عبر دوائر الهيمنة اواصحاب كلمة الفصل والقرار النهائي فيه)،او حتى في الانظمة الملكية او الجمهورية الاستبدادية،لم يعد امامها خيار ثان غير ضرورة الاصلاح المتاحة لهم حاليا او المسير نحو الانتحار والدمار الشامل (الذهاب الى الصدام مع الشعب حتى اخر نفس او اخر جدار حكومي قائم)،
فهذه الدول والمنطقة عموما لايمكنها ان تنهض دون الاستقرار السياسي والامني الكامل فيها،بوجود اليات عمل تكاملية، وشراكات واتفاقات اقتصادية وتجارية وثقافية حقيقية، تنهي حالة القطيعة والتوتر والتنافس المفتعل بينهما،
يبقى السؤال الاهم مرة اخرى،
هل تشكل ولاية الفقيه تهديدا واقعيا للدول العربية،بالطبع يمكن اعتبارها كذلك،ان كانت هي ايضا مرفوضة في الداخل الايراني،وابقت على خطوط الدعم اللوجستي لحركات المقاومة العربية(التي من المفترض ان تكون دائما مشروطة ومؤقتة)،والاستمرار بالتدخل بقوة في الشأن الداخلي السوري والعراقي ،كما تفعل بعض دول الخليج(حرب اليمن الوحشية خير دليل، وكذلك في ليبيا)،
علما ان نهاية ولاية الفقيه سواء قبل رحيل السيد الخامنئي او بعده، لايعني مطلقا نهاية عقلية شرطي المنطقة،او انهم سيقبلون باضافة تسمية الخليج العربي الى مايطلقون عليه بالخليج الفارسي،بالعكس فهذه مصالح دول اقليمية متداخلة ومتوارثة،ومايعنينا بالطبع هو ان يفهم شيعة ايران والعراق ان نجاحهم في بناء ديمقراطيات علمانية(ملتزمة بثوابت المجتمع) ناجحة،عبر بناء دولة المؤسسات المتطورة،التي ترفض لغة العنف، ومصطلحات الجهاد ، وتصدير الثورة، وصناعة جماعات المقاومة او المليشيات،لانها اصبحت مرفوضة داخليا، فضلا عن انها اصبحت تهمة دولية جاهزة للادانة،وهي تقود بالتالي نحو الفساد والفشل والفوضى ومزيد من التعقيدات الداخلية والخارجية..
هل كان على ايران ان تقف مع الشعب السوري(قبل دخول الارهاب الى هناك) بدلا من القتال الى جانب الاسد طويلا؟
هل كان عليها مساعدة شيعة العراق على بناء الدولة والمؤسسة العسكرية والامنية الرسمية، بدلا من مهادنة الطبقة السياسية الفاسدة او التواطؤ معها،وتقديم الدعم المفتوح بتشكيل الجماعات العقائدية المسلحة والكثير من المليشيات الغامضة،ان الاخطاء التي حصدت ارواح ابناء البلدين في الحرب عام1980_1988،ثم انتهت بتجرع السم وانهاءها،هي نفسها تتكرر مع مايحدث بعد2003،التقديرات والتصورات والحسابات الخاطئة…
التاريخ معلم الاجيال الاول،وهو مدرسة التجارب واخذ الدروس والعبر، الاصرار على تجاهل الاحداث والتحليلات العلمية الواقعية،قد يأخذ الجميع الى حافة الهاوية

أحدث المقالات