ماهي احتمالات المستقبل في اليمن بعد ان سيطرت مليشيات جنوبية تتبع مايسمى المجلس الانتقالي والحزام الأمني بقيادة عيدروس الزبيدي ونائبه ابن بريك على العاصمة المؤقتة عدن ، وقد بدا واضحاً ان ذلك تم بتخطيط وأوامر اماراتية وبموافقة السعودية . تم اخراج ممثلي الشرعية وسلطة الرئيس هادي من المشهد ، وذلك يفرض وقائع جديدة على الارض . قبل الخوض في احتمالات المستقبل يتعين علينا فهم السياق العام الذي قاد الى هذا الوضع .
بعد انقلاب الحوثي واستيلائه على السلطة في صنعاء بدأت قوات التحالف العربي بقيادة السعودية ، وبناءاً على طلب السلطة اليمانية الشرعية برئاسة عبد ربه منصور هادي ، عملية ” عاصفة الحزم ” في الخامس والعشرين من شهر مارس / اذار عام ٢٠١٥. ، وبدات الحملة بضربات جوية مكثفة نفذتها بشكل أساس الطائرات السعودية والإماراتية مع مشاركات رمزية لبعض الدول مثل المغرب . وفِي الثاني والعشرين من شهر اپريل/ نيسان من نفس العام اعلنت قوات التحالف تحقيق أهدافها بتدمير القوة الرئيسية للحوثيين ، وان عملياتها دخلت مرحلة جديدة تحت مسمى ” اعادة الأمل ” .
بغض النظر عما تحقق فعلاً ومالم يتحقق ، فانه من الملاحظ ومنذ لحظة البدء غموض العلاقة بين السلطة الشرعية اليمانية وقوات التحالف العربي التي يفترض بها ان تكون بإمرة القيادة اليمانية ، وان تكون قوة إسناد ودعم على اساس ان الاهداف الستراتيجية للحملة العسكرية هي اهداف الجانب اليماني التي تتلخص بعبارة ” استعادة الشرعية ” ، وبعكسه فانها تتحول الى قوة احتلال اذا انتهجت برنامجاً يتعارض مع هذا الهدف . الامر الاخر هو الطبيعة الهلامية للتحالف الذي تشكل وفقاً لإعلانات الناطق الرسمي باسمها من عدد غير قليل من الدول بدت مواقفها غير متسقة مع موقف التحالف مثل مصر التي فتحت ابوابها امام الحوثي وظلت تدعو لحل سياسي ينطلق من الامر الواقع ، كما لم يلاحظ قيام البحرية المصرية ، وهي قوة مهمة في البحر الأحمر ، باي نشاط على سبيل المشاركة في الحصار البحري لمنع المعونة الايرانية من الوصول الى الحوثي . وَمِمَّا ينبغي الالتفات اليه هو التغييب المتعمد – كما يوحي تطور الاحداث حالياً – لتصور ستراتيجي واضح للتدخل واهدافه المباشرة او النهائية ، مع عدم وجود تقدير زمني واقعي للعملية ؛ هذا الوضع ادى بشكل عام الى اعطاء الانطباع بان كلاً من السعودية والإمارات تنفذان حملة عسكرية لتحقيق اهداف تتعلق بخدمة مصالحهما ، وهي لاتخلو من اطماع ذات طابع ستراتيجي – تاريخي نجمت عن معطيات جغرافية اليمن ، ولو استعرضنا مجرى العملية بعد عام ٢٠١٥ لرأينا ذلك بكل وضوح .
بعد تحرير عدن وإعلانها عاصمة مؤقتة للبلاد ومقراً لحكومتها توجهت السلطة اليمانية الشرعية لاعادة تأسيس السلطة ومؤسساتها فيها ، لكن مساعيها باءت بالفشل وتعذر على الرئيس هادي العودة والإقامة بشكل دائم من اجل ادارة المناطق المحررة ، فقد واصلت كل من السعودية والإمارات تنفيذ عمليات عسكرية تسببت في تدمير البنية التحتية للبلاد بحجة استخدامها من قبل الحوثي لاغراض عسكرية ، كما تم التلكؤ في استكمال تحرير بعض الاهداف الحيوية التي بدت في متناول اليد مثل تعز والحديدة رغم أهميتهما الستراتيجية بالنسبة لمستقبل البلاد .
في النطاق الجغرافي الذي وقع تحت سيطرة الامارات بالكامل وهو معظم محافظات الجنوب عدا اجزاء كبيرة من محافظتي حضرموت والمهرة بسبب وجود سعودي مكثف فيهما .
في عدن قامت الامارات بتاسيس مليشيا ” الحزام الأمني ” التي باشرت بفرض نفسها قوة مهيمنة في المدينة بديلاً عن سلطة الشرعية ، والى الشرق انشأت مليشيات النخبة الحضرمية ومن بعدها مليشيا النخبة الشبوانية ، وهنالك تقارير دولية تفيد بان عناصر من القاعدة وداعش وجدت طريقها للانضمام الى هذه القوات المليشياوية بموجب اتفاق موله طرفا التحالف مالياً ، وفرضت هذه المليشيات نفسها سلطة بديلة عن قوات الشرعية تحت ذريعة محاربة الارهاب ، وفِي سقطرى يجري تنفيذ ذات السيناريو مع تلميح الى ان لهذه الجزيرة صلات قبلية واجتماعية تاريخية مع الامارات .
بلغ تعداد المليشيات الاماراتية في اليمن حوالى خمسين الف عنصر – تقدرها بعض المصادر بتسعين الفاً- لكن الغريب انها ، باستثناء عدن ، قد أُنشئت في محافظات لم يكن للحوثيين وجود فيها ، ورغم وجود بعض عناصر المرتزقة الأجانب في تكوينها الا انها من ابناء اليمن بشكل عام ، فلماذا لم تتم إضافتها الى بنية الجيش الوطني مهما كانت الاهداف المعلنة من وراء انشائها ؟! هذا سؤال لايفسره غير جواب واحد وهو انها وجدت من اجل تنفيذ اجندة اماراتية وليست يمانية ، واهداف الامارات واضحة وهي ذاتها السائدة على موقف الامارات في كل الاقليم من منطقة قناة السويس الى مضيق هرمز مروراً بضفتي البحر الأحمر وسواحل اليمن وعمان المطلة على بحر العرب : منع قيام اي ميناء قادر على منافسة موانئ الامارات ذاتها ، وإعاقة قيام سلطات وطنية مستقرة في اي من دول الاقليم كلما كان ذلك متاحاً .
قدر تعلق الامر باليمن ، يعتقد البعض ان عداء السعودية والإمارات لقوى ثورة ١١ شباط / فبراير ٢٠١١ بسبب طابعها الديمقراطي ووجود قوى إسلامية تتصدر مشهدها ، وخاصة حزب التجمع اليمني للإصلاح ، هو السبب الكامن وراء السعي لتكييف الاوضاع بالشكل الذي يؤدي الى زعزعة استقرار حكومة هادي التي أنتجتها الثورة كنوع من الحل التوافقي الذي يحظى بقبول يمني شعبي عام ، لكن السياق العام للأحداث يوحي بتفسير اخر مفاده ان طرفي التحاف الفاعلين على الارض ، السعودية والإمارات ، تحركتا منذ بدء الحرب نحو تحقيق هدف اخر له جذور تاريخية يتمثل في اعاقة قيام دولة يمانية مستقرة وقوية من خلال العودة الى تقسيم اليمن وخلق مراكز قوى متعددة في محافظات اليمن الجنوبية التي تحول دون تأسيس سلطة شرعية قوية وموحدة فيها لاتخاذها مرتكزاً وقاعدة للانطلاق نحو الشمال باتجاه صنعاء وانها الانقلاب الحوثي ؛ تبعاً لذلك فانه من غير المستبعد ان ينتهي المشهد بتسوية مع ايران تعترف بدورها في الجزء الشمالي من اليمن . وفقاً لصحيفة واشنطن پوست فان تلك الصفحة قد بدأت فعلاً بانسحاب الامارات وترك مناطق نفوذها بايدي مليشيات أسستها وتقوم بتمويلها ، وكانت اولى بوادر نشاطها هو طرد الحكومة الشرعية من عدن المدينة الوحيدة التي شهدت لفترة محدودة وجوداً للشرعية على الارض .
بلغت تكاليف الحرب بالنسبة للسعودية حتى الان وفق افضل التقديرات حوالى ٧٢٥ مليار دولار ، وربما تجاوزت مائة مليار بالنسبة للامارات ، وهما الطرفان الوحيدان المنغمسان في عمليات التحالف الى جانب السودان الذي اكتفى بتقديم حوالى ثلاثين الف مقاتل توزعوا على الجبهات التي تشغلها السعودية والإمارات وتحملتا نفقاتهم .
ماذا كان سيحصل لو ان جزءاً من هذه الاموال قد تم إنفاقه على برامج تنمية حقيقية في اليمن ، او لو تم انفاق ماهو اقل بكثير منها لو تم قبول اليمن عضواً في مجلس التعاون الخليجي لتسهيل اندماجه بشكل كامل وعملي في الاطار العام لنموذج الحياة السائد في مجتمعات مجلس التعاون … كم من الفرص كانت ستجدها ايران مفتوحة أمامها لو تم الانفاق على ذلك بدلاً من انفاقها على تدمير اليمن وسحق بنيته التحتية الضعيفة اصلاً ؟!!
اياً كانت المحصلة النهائية للأحداث فمن الواضح من خلال المعطيات المتوفرة ان بقاء الحوثي قوة عسكرية – سياسية معترف بها في اليمن بات امراً مؤكداً خاصة وانه قد حظي بالاعتراف الاممي من خلال المفاوضات التي قادتها الامم المتحدة وآخرها جولة ستوكهولم .
هنا يتعين علينا ان نسأل من الخاسر ومن الرابح ؛ لاشك أبداً في انها ايران التي زرعت الحوثي هنالك وحولته من قوة قبلية منزوية في صعدة الى طرف سياسي رئيسي في صنعاء ولم يعد تخطيه ممكناً ، وبدت كل النفقات التي بذلت والتضحيات بالدماء التي سفكت وكأنها قد كُرست منذ اللحظة الاولى لانطلاق عمليات عاصفة الحزم واعادة الأمل نحو تكريس ذلك وفرضه كحقيقة واقعة على الارض ، رغم ان الحوثي لايمثل بتوجهه المذهبي الطائفي آية نسبة سكانية ذات بال حتى في اوساط اتباع المذهب الزيدي في البلاد ؛ بدت وكأنها عملية اهداء وتبرع بثلث سكان اليمن ليكونوا تحت زعامة الحوثي وفرضه لنفسه ممثلاً عنهم شاء من شاء وابى من ابى .. الايحق لنا بعدها ان نقول ان ايران تنتصر بدمائنا واموالنا وسلاحنا ؟!!