يوم 10 أيار 2016 كان يوما داميا بالنسبة لبغداد بكل معنى الكلمة , ما جرى فيه يجب ان لا يمر مرور الكرام . لو امعنا بالنظر بالاحداث التي حدثت فيه , لوجدنا بكل وضوح وحيادية ما يأتي :-
1. وقوع ثلاثة انفجارات كبيرة في يوم واحد بأوقات متقاربة ( مدينة الصدر , مدينة الكاظمية المقدسة , شارع الربيع في حي الجامعة ) لا يمكن ان تحدث مثل هذه الانفجارات الا بوجود مقر مسيطر واحد لديه امكانيات يصعب توفرها لدى افراد او ميليشيات محلية صغيرة .
2. تم انتخاب المناطق بدقة لتحقيق اهداف طائفية وسياسية مدروسة .
3.حجم الخسائر البشرية والمادية كان كبيرا وغير متوقع .
4. لم توضح المصادر الحكومية بدقة كيفية حدوث الانفجارات بل اكتفت بالقول انها من فعل انتحاريين ارهابيين وسيارات مفخخة .
5. بالنظر لوجود تقصير واضح وجلي من قبل الجهات الرقابية والامنية الحكومية فقد اخذت تلك الجهات تتبادل توجيه تهم التقصير واللامبالات فيما بينها , وقد وصل الامر الى حد المهاترات .
6. في الايام التالية وما بعدها, وقعت احداث في ( بلد والتاجي ) تشبه في حجمها الكبير واهدافها ما حدث يوم 10 ايار .
لقد جرت تلك الاحداث الدامية في اعقاب اقتحام المتظاهرين المطالبين بالاصلاح اسوار المنطقة الخضراء ووصولهم الى ابواب البرلمان ودخولهم الى مكتب الرئيس وصالة النواب , مما ادى الى وقوع خسائر بسيطة في اثاث ومقاعد الصالة .
كان السيد مقتدى الصدر هو الداعي الى التظاهر من اجل الاصلاح , لكنه لم يدعو علنا الى اقتحام البرلمان , الا ان القسم الاكبر من المتظاهرين والمقتحمين كانوا صدريين .
على الرغم من مضي عدة اشهر على بدء المظاهرات الشعبية , فان الشعارات التي رددها المتظاهرون , كانت تطالب بالاصلاح وسقوط الساسة الفاسدين فقط , ولم تتعد تلك الشعارات المطالبة بالاصلاح الداخلي , لكن الملفت للنظر ان المتظاهرين , واكثرهم صدريون , رددوا لاول مرة يوم اقتحام البرلمان هتافا معاديا لايران ( ايران برة برة ) .
لقد فاجأ هذا الهتاف كل المراقبين والمحللين , لأن المعروف عن السيد مقتدى الصدر قربه من ايران , ولهذا فان الجميع ( محللون وسياسيون ومتابعون ) توقعوا أن لا يمر هذا الحدث مرور الكرام , وعلى الخصوص الساسة الذين يعرفون ايران حق المعرفة .
في ذات الوقت فان ماجرى في ذلك اليوم اثلج صدر حلفاء السيد الصدر في التحالف الوطني الشيعي , لانه سيتسبب في نهاية سريعة لتصدر مقتدى الصدر الحملة الشعبية لمكافحة الفساد , الذي كانوا هم من أرسى اسسه ونشروه في كل مفاصل الدولة . لقد كانوا هم ( حلفاء الصدر ) اول من تصدى وعارض كل محاولات الاصلاح وفي مقدمتها المظاهرات الشعبية , فما الذي حدث ؟
في اليوم التالي مباشرة ردت ايران على نداء ( ايران برة برة ) بطريقة ايرانية تقليدية مقززة , كشفت فيها عملائها وأغاظت العراقيين , فقد اوعزت الى عصابة ( عصائب اهل الحق ) برفع علم ايران والتجول بالسيارات داخل بغداد لأفهام الشعب العراقي ان ايران ليست برة وان لها عملاء يرفعون علمها رغم انف الحكومة العراقية الساكتة عما يجري في عاصمتها رغم انف المظاهرات المطالبة بطردها برة , كما اوعزت الى احد عملائها السياسيين بالتصريح ( انا لا أؤيد تدخل ايران في سيادة العراق , ولكن يجب ان لا ننسى ان كلاهما موالين لاهل البيت ) , لاحظ
عزيزي القارئ ان هذا السياسي يقول ( انا لا أؤيد ) ولم يقل ( أنا أعارض ) .
أما السيد مقتدى الصدر فقد سحب نوابه من بين النواب المعتصمين داخل مجلس النواب من دون ذكر الاسباب , فشجع ذلك القرار بعض المترددين من النواب المعتصمين على الانسحاب ايضا ففقد التجمع النصاب . وهكذا وصلت عملية الاعتصام الى طريق مسدود بفعل قرارات السيد مقتدى .
في اليوم الثاني ترك السيد مقتدى داره وتوجه الى مطار النجف صحبة اثنين من رجال الدين لم تذكر اسمائهم ليستقلوا طائرة ايرانية متوجهين الى ايران .
لما كانت خطوة السيد مقتدى تلك غير متوقعة في خضم الموقف السياسي المتأزم في العراق , فقد اصدر مقره بيانا أوضح فيه ان السيد القائد ذهب الى ايران لزيارة اقربائه الذين اشتاق اليهم , وأنه سوف لن يلتقي بأي مسؤول ايراني , وانه ذهب الى قم وليس طهران .
لقد أصاب الوهن المظاهرات الشعبية واصبح اقتحام مجلس النواب عملا تخريبيا يحاسب عليه القانون , واصبح المطالبون بالاصلاح هم الفاسدون وصار المالكي هو من يقرر ان المتظاهرين مخربون , أما العبادي فقد هدد بمقاضاة المتسببين في فتح ابواب مجلس النواب , وتولى قادة التيار الصدري كحاكم الزاملي التصريح نيابة عن السيد القائد .
أما نحن فلا نعلم ان كانت ايران هي برة برة , أم ان السيد مقتدى ما زال برة برة .