18 ديسمبر، 2024 7:38 م

ايران ، هل حان وقت تغيير المسار !

ايران ، هل حان وقت تغيير المسار !

يبدو ان العقوبات الامريكية التي فرضت على ايران بعد انسحابها من ما يعرف بالاتفاق النووي الايراني باتت تأتي أوكلها سياسيا . بيد ان تأثيرها المادي كان قد بدا واضحا منذ الحزمة الاولى من العقوبات التي فرضتها ادارة ترامب في الشهر الثامن من العام المنصرم والتي كانت تتناول الجوانب التجارية والحد من قدرة ايران على شراء الدولار الأمريكي . وازدادت حدّتها بعد تنفيذ الحزمة الثانية من العقوبات في تشرين الثاني الماضي والتي استهدف قطاع المال والطاقة. هذا مع احتمال ان تعيد ادارة ترامب فرض العقوبات على أفراد كانوا في السابق ضمن قائمة عقوبات وزارة الخزانة الأمريكية . هذا يعني ان الاقتصاد الايراني في جميع جوانبه ، وبالذات في مجال قطاع الطاقة والنفط ، سيرجع الى ماكان الوضع عليه خلال فترة العقوبات وربما الى أسوء من ذلك . ( تشير بيانات البنك المركزي الايراني الى ان انتاج النفط بعد رفع العقوبات الامريكية قد وصل الى 3,75 مليون برميل يوميا بعد ان كان في حدود 2,7 خلال فترة العقوبات ، وتقول وكالة بلومبرغ ان نسبة نمو الناتج المحلي الاجمالي قد ارتفعت الى 13% بعد رفع العقوبات في حين كانت نسبة النمو محدودة جدا ولم تتجاوز في افضل حالاتها 3% خلال فترة العقوبات ). وفي محصلتها النهائية ، فان آثار هذه العقوبات ، كما هو متوقع ستزيد من تدهو الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والانسانية على المستوى الداخلي، الأمر الذي سيوسع الفجوة بين الشعب الايراني والنظام ، هذا من ناحية ، وستشل من قدرة النظام على تمويل وكلائه من أحزاب وحركات واشخاص وأعلام ومؤسسات وما يصرفه على المجندين له في العراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرها من الاماكن من ناحية ثانية.
ايران التي كان خطابها السياسي لايكف عن اظهار العداء لأمريكا واسرائيل و دول الخليج العربية ، بدا هذه الايام أقلّ حدة ، بل ومسالما الى حدّ ما أيضا ، والاّ كيف نفسر قول الرئيس الايراني حسن روحاني : انه مستعد لأقامة علاقات ودّية مع الولايات المتحدة (خطاب روحاني في حفل استقبال رؤساء البعثات الدبلوماسية في طهران بمناسبة مرور أربعين سنة على الثورة الايرانية ). وانّنا في ايران نتطلع الى علاقات اخوية وودّية مع الجميع ولم نكن البادئين باي عدوان في المنطقة ( وكالة الانباء الايرانية في 17/2/2019 ) . وماذا يعني ان يقول نائب رئيس البرلمان الايراني علي مطهري ، إن سياسة نشر المذهب الشيعي التي تتبعها ايران في المنطقة قد أثرت على سياستها الخارجية. وأن النهج السياسي الإيراني يتضمن مشاكل كبيرة سواء داخل ايران أو خارجها ، وأن سياسة توسيع النفوذ في المنطقة، عبر التشيع، ليس نهجا سليما . ويجب علينا إعادة النظر في سياستنا الخارجية، وتقوية علاقاتنا مع باقي الدول العربية والإسلامية (وكالة أنباء الطلبة الإيرانية، بمناسبة الذكرى الـ40 لإندلاع الثورة الإسلامية ) . ثمّ ماذا يعني الاتفاق بين التحالفات الشيعية الاكثر تأثيرا في مجلس النواب على دفع مشروع قانون يتعلق بتموضع القوات الامريكية في العراق وأعدادها ونوعيتها ، بعد ان كانت اصواتها ترتفع عاليا بالمطالبة بأخراجها من العراق بقوّة السلاح ، وهل حدث هذا التغيير من تلقاء نفسه أم بهمس من ايران .
مسرح الاحداث في المنطقة يترتب بشكل هادي على يد من كانوا وراء سوتشي ووارشو ، وستكون ايران دولة عاقلة وستكون واحدة من الدول الاقليمية الرئيسية ، ولن يسمح لها ان تكون الدولة الرئيسية فيها، وسينحسر نفوذها في سوريا وفي اليمن وفي لبنان وفي اي مكان خارج حدودها .انّ هذا التغير في الخطاب السياسي ما كان ليتمّ من دون ممارسة الضغوط الامريكية الاقتصادية عن طريق العقوبات التي فرضتها على ايران وحشدّت لها دوليا ، والضغوط السياسية عن طريق عزل ايران دوليا وأقليميا . وما كان ليتم من دون موقف الرئيس بوتين الحاسم بشأن انهاء الصراع في سوريا.
حقيقة ما تريده ادارة ترامب من هذه العقوبات ، هو ضرب الثورة الاسلامية الايرانية في الصميم ، بحيث تجعل منها حدثا يأكل نفسه داخل حدود أيران . فالثورة الاسلامية الايرانية قائمة على فكرة الثورة المستمرة التي لايمكن ان تعيش وتزدهر الاّ بتصديرها الى ما خلف الحدود ، وتموت ان بقيت في موطنها . وهذه العقوبات ان لم تسقط النظام في ايران عن طريق الشعب ، فانها ستجبره على تغيير سلوكه . وكلا الخيارين ينهي الثورة الاسلامية الايرانية . اذ ليس في حسابات ادارة ترامب الدخول في حرب مع ايران للأجهاض على ثورتها.