ايران دولة براغماتية بامتياز. وهي لها القدرة على ان تلعب اللعبة السياسية بجدارة وبذكاء. هذه القدرة ليست وليدة الساعة او هذه اللحظة التاريخية الحالية، بل انها تعكس العقلية الايرانية والروحية الايرانية اللتان توكنتا عبر آلاف السنين. حتى ايران الحالية، او ايران الاسلامية؛ لم تكن وليدة اللحظة التاريخية السابقة، في السبعينات من القرن العشرين، التي كانت مواتية لها، بل ان تلك اللحظة التاريخية كانت هي الوليدة الشرعية، وليدة الضرورة التاريخية؛ لكل تاريخ ايران وعلى وجه التحديد الحصري؛ تاريخ الفرس والذر( اتراك ايران) حتى تلك اللحظة التاريخية السابقة وليست الحالية، التي فجرتها شعوب ايران، او استثمرتها في عام 1978 لتكلل بالانتصار المدهش في الشهر الثاني من عام 1989؛ لتطرد شاه ايران وتسقط كامل النظام الايراني. هذا النظام الذي كان يوصف بانه شرطي الخليج العربي، او بالمعنى الدقيق لهذا التوصيف؛ انه المدافع عن مصالح امريكا في الخليج العربي، وعن مصالح الكيان الاسرائيلي بطريقة او بأخرى. حتى هذه الاكثر من سبعة قرون خلت؛ هي ايضا لم تكن وليدة هذه القرون، بل ان هذه القرون هي وليدة كل تاريخ ايران عبر آلاف السنين؛ تركز في تلك اللحظة التاريخية لينتج ثورة شعوب ايران على نظام الشاه. كاتب هذه السطور المتواضعة ليس بصدد البحث عن كل ما تقوم به ايران او ما قامت به ايران خلال اكثر من اربعة عقود. ايران الحالية لها ما لها وعليها ما عليها؛ لكنها تظل على الرغم مما عليها من مثالب، دولة اقليمية كبرى تحارب وحاربت السياسة الامريكية والاسرائيلية في القارة العربية وحتى في جوار قارة العرب. أما الحديث عن ان ايران تقول ما لا تفعل وتفعل ما لا تقول، وبالذات في المفاوضات الأخيرة بينها وبين امريكا. وهي مفاوضات كما تقول ايران عنها، غير مباشرة حول برنامجها النووي. ان هذا القول، قول لا يمت باي صلة الى الواقع الدولي والعربي والاقليمي في الوقت الحاضر؛ المنتج بالقليل على ارض الواقع، والمحمل بالكثير على صعيد المستقبل القريب،بالتحولات والتغيرات الدراماتيكية سواء المتفاعلة حاضرا، او التي هي في الانتظار، انتظار تلك التحولات والتغيرات وبالذات في النظام الدولي؛ وتغير قواعد الاشتباك سواء على الصعد العسكرية او على صعد الاقتصاد والتجارة وما إليهما. المسؤولون الايرانيون يدركون تماما؛ ان الاوضاع الداخلية في بلدهم صعبة للغاية، سواء على الصعيد السياسي او الاقتصادي؛ وبمعنى ادق؛ ان الوضع الايراني الداخلي هش للغاية وهم يعرفون هذا تماما؛ وان سبب الاسباب هو الوضع الاقتصادي، بسبب العقوبات الامريكية عليها. عليه فان همَالمسؤولون الايرانيون وبدون استثناء، سواء الادارة او المرشد الايراني؛ يعلمون علم اليقين؛ بان ايران لا يمكن لها ان تخرج من عنق الزجاجة، قبل انفجارها؛ الا برفع العقوبات الامريكية عنها، لكن ليس على حساب مصالح ايران الاستراتيجية، بالتضحية تكتيكيا بجزء منها على ان يكون في داخل بنية هذه التكتيكات، اسس المحافظة على عوامل وعناصر النهوض الاستراتيجي مستقبلا. هذا من الجانب الايراني، أما من الجانب الامريكي الاسرائيلي بصرف النظر عن كل ما تقول به اسرائيل او تهدد به؛ فهو في النهاية محض هراء. أن دولة الاحتلال الاسرائيلي او الكيان الاسرائيلي على انها؛ لسوف تضرب منشئات ايران النووية؛ هو ضغط وتهديد الغاية منه؛ هو تخويف ساسة ايران في عملية تخادم مبرمج بين الكيان الاسرائيلي وامريكا، حتى تتنازل بأكبر قدر ممكن من التنازلات في الذي يخص برنامجها النووي. عراقجي، وزير خارجية ايران، وعلى شمخاني التميمي، مستشار المرشد الايراني؛ والرئيس الايراني؛ اكدوا كلهم بان ايران لا تخضع للتهديد، وانها لن تتنازل عن دورة الوقود النووي، لكنهم من الجانب الثاني؛ اكدوا بان كل هذه الامور قابلة للتفاوض والحلحلة. ان الاتفاق الايراني الامريكي يلوح في الافق، وان ابرامه عملية وقت ليس ألا؛ في ايجاد منطقة وسط متفق عليها،او يتفق عليها الجانبان.. لماذا، ان الاتفاق النووي بين ايران وامريكا هو على الابواب؟ هناك موقفان، او قراءتان، امريكية وايرانية؛ امريكا تريد ان يكون الوضع في القارة العربية مستقر في الحدود الممكنة، اولا، وعلى وجه الحصر في القضية الفلسطينية وفي المناطق الأخرى الملتهبة في القارة العربية، لبنان، سوريا، اليمن، ليبيا، وغير هذه الدول؛ هذا لجهة القراءة الامريكية في نتائج ابرام اي اتفاق نووي مع ايران. ثانيا، هو التأكد، أو التحقق عمليا من عدم او ليس في قدرة ايران صناعة السلاح النووي في سنوات ما بعد الاتفاق. ثالثا، حسب القراءة الامريكية؛ هو ان الزمن كفيل بان يجعل جرف استقرار النظام الايراني يتأكل من الداخل. أما من جهة الجانب الايراني، اولا، تريد ايران من هذا الاتفاق؛ هو رفع العقوبات الاقتصادية الامريكية القاسية عليها؛ حتى تتمكن ايران من رص صفوفهافي الداخل، والتفرغ للبناء الداخلي كليا في استراحة محارب لا يتخلى عن طموحاته. وثانيا، تريد ايران ان تنفتح على القارة العربية، ليس سياسيا فقط، بل على كل الصعد.. في النهاية اقول؛ ان ايران وفي كل تاريخها، حافظت عبر برغامتيتها على جغرافيتها خلال اكثر من سبعة عقود. ما اشبه حاضر تاريخ ايران بتاريخها البعيد