19 ديسمبر، 2024 5:46 ص

اية ديمقراطية نجد فيها ضالتنا ؟

اية ديمقراطية نجد فيها ضالتنا ؟

إنها لخطوة عظيمة أن يتخذ هذا الوطن من الديمقراطية نهج حياة دستورية وسياسية واجتماعية وفكرية ـــــــ اذا كان صانع قرارناعراقبا حقا ـــ صحيح أن ديمقراطيتنا ستكون في طور النمو والتشكل لكن مقدماتها ومظاهرها حتى الآن تبعث على التفاؤل . ولاأبالغ إذا أقول أن الديمقراطية تفتح لنا آفاقاً رحبة شرط ممارستها بالشكل الأمثل لكنها باب جهنم عندما لايرقى أفراد السلطة والقرار و  المجتمع إلى المستوى الذي يؤهلهم لممارستها الصحيحة.
إن أساس الديمقراطية حرية الفرد ، فهذه حقيقة لكنها حرية يرافقها وعي شامل لحركة الحياة ، وعي يسير بنا عبر مسارب محددة فلانصطدم بغيرنا ولانطأ من هم في طريقنا إلى هدفنا . إنها حرية الفرد الذي يحس بالآخرين ويدرك مصالحهم وأساليب تفكيرهم ويتفهم وجهات نظرهم وإن كانت مخالفة.
وقد يتجنى أحدهم باسم الحرية على الذوق العام أو يطلق الأحكام جزافاً في حق الآخرين أو يسب ويلعن ويهدم ويكسر ويدمر أو يأخذ الاتجاه المضاد للتيار ليقال عنه أنه يطالب بالحرية والديمقراطية الحقة . كل هذا ليس من الحرية في شيء ، فارتكاب الأخطاء باسم الحرية يحولها إلى لعنة من لعنات الأبدية ، لكن الأمل كبير في المواطن العراقي الذي سيبتهج بالديمقراطية وسيحرص على رعايتها وتمتينها ويلعن استعداده للتفكير الديمقراطي ، وكذلك التصرف والسلوك ، فليس أجمل من أن تصبح الديمقراطية عنوان هذا البلد وتجعله واحة أمن ونظام وإنتاج يشد أنظار من حوله إليه ليحذوا حذوه . وليست الأمم الأخرى بأكثر قدرة منا على استيعاب الديمقراطية والشعور بالمسؤولية والتحضر والتطور.
نعم ، هناك العديد من الأمم التي أفرزت في وقت مبكر مفكرين نابغين كان لهم دور مهم في التأثير في أفراد مجتمعهم وبناء الكيان الاجتماعي والسياسي له ، لكن ذلك لايعني أن الاستعداد الفطري عند أفراد تلك المجتمعات مختلف عن استعدادنا نحن ، فالواقع الذي نراه لمجتمعنا أفرزته العديد من العوامل التي أثرت ومازال بعضها يؤثر حتى الآن سلباً في اتجاه تخلفه . لكننا قطعاً قادرون الآن على فهم موقعنا بين المجتمعات ومايستدعيه ذلك منا لنتمكن من الوقوف مع المجتمعات البارزة منها على خط التكافؤ.
إن لدى مجتمعنا العراقي العديد من النخب المتنورة الفاعلة المخلصة لمصالح مجتمعها والقادرة على أن تكون مصدر تنمية الأفراد وبالتالي أحد عوامل الوحدة الوطنية الشاملة ، وهي نخب تحترم العقل والمنطق وتنشد الديمقراطية.
ـ فأي ديمقراطية تلك التي نجد فيها ضالتنا في التقدم والتحضر والرقي ؟
إنها الديمقراطية المتمثلة في المشاركة الشعبية على الأصعدة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية . الديمقراطية الاجتماعية المطلوبة هي تلك التي نصل من خلالها إلى تبني سياسات اجتماعية واقتصادية تحد من التفاوتات الطبقية الحادة بين أفراد المجتمع وتؤدي إلى اعتماد معايير الكفاءة المرتكزة على المقدرة العلمية والعملية أساساً للاضطلاع بالمسؤوليات الرسمية . إنها الديمقراطية التي نأمل من خلالها إلى إشباع الحاجات الأساسية لجميع أفراد مجتمعنا وتطبق قواعد العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص . وهي التي تقود إلى الحد من سيادة أي منطق لاحضاري راسخ وتدعم التوجه إلى إعلاء شأن العلم والعلماء والفكر والمفكرين وتشجيع ملكة الإبداع والابتكار وإلى الحد من مظاهر الانتهازية والوصولية والنفاق الاجتماعي والمحسوبية . إنها الديمقراطية التي تحقق استقرار العلاقات الاجتماعية وتدعم التماسك الاجتماعي والتوجه إلى زيادة الإنتاج وصيانة الملكية العامة وتنمية الوعي الاجتماعي عند الأفراد.
أما الديمقراطية السياسية المأمولة ، فهي التي تقود إلى ديمقراطية الحكم المتمثلة في سلطة تنفيذية تدير البلاد بشكل موحد وحاسم ، وسلطة تشريعية توجه فعلياً السلطة التنفيذية وتراقبها بجدية ، وسلطة قضائية تشارك السلطة التشريعية دورها.
إنها الديمقراطية التي تضمن حرية عمل الأحزاب السياسية التي تصب جميعاً في بوتقة ازدهار الوطن ، وتطلق حرية الفكر والصحافة والإعلام في حدود القوانين التي يختارها ويقرّها المجتمع.
إن هكذا ديمقراطية ستؤدي حتماً إلى تنمية الفرد وتطوير دور المؤسسات الدستورية والسياسية للاضطلاع بمسؤولياتها منطلقة من ذلك من مصلحة الوطن والمواطن وإلى اتساع المشاركة الشعبية في مناحي الحياة السياسية وإلى تطوير الفكر السياسي وانتشار قيم الحوار الفكري البنّاء ، والتسامح السياسي وزوال مظاهر التعصب والانغلاق الفكري.
[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات