9 أبريل، 2024 10:03 م
Search
Close this search box.

ايام لا تنسى من قصص الحرب..

Facebook
Twitter
LinkedIn

معارك شرق البصرة
الجزء الثالث

شرحت للطبيب المعالج واذكر كانت رتبته مقدم الوضع الذي مررت به واستشهاد ابن عمي الملازم حسن وذهابي معهم الى القرية ثم الى مقبرة الدفن وطلبت منه اذا كان بالإمكان ان أشاركهم بمجلس العزاء ولكن الطبيب رفض ذلك رفضاً قاطعا وقال لي لقد حصل مستجد في اصابتك ولا اخفيك سرا اذا قلت لك ان هناك شظية اخرى كبيرة لم تظهر في التصوير الشعاعي وانها من النوع المتحرك وقد قطعت احد الاوردة الموجودة في الرجل اليسرى ولولا عنايه الله لك لاستمر النزيف كثيرا وخاصة انك كنت في قرية بعيدة عن المستشفى والحمد لله استطعنا السيطرة على الحالة وانت الان في وضع جيد ولكنك بحاجة الى راحة تامة لمدة من الوقت…
لم تمضي ساعات حتى قام بزيارتي الاهل وقسم من الاصدقاء الذين يسكنون المدينة لان ابناء قريتي كانوا مشغولين بمجلس عزاء الشهيد وكانت الدموع هي اللغة التي يعبر بها الزائرون عن مشاعرهم وخاصه بعد العملية الجراحية الثانية والتي يبدو انني تعرضت لحالة من النزيف القوي وهذا الامر قد تطلب من الاطباء بإعطائي اكثر من ثلاثة قناني من دم وهذه القناني لا اعرف من اين مصدرها وكل ما اعرفه انها من متبرع مواطن عراقي نعم انها رابطة الدم…..تربطنا جميعا مع رابطة الوطن المشترك..
لا اتذكر كم هي المدة التي بقيت فيها في المستشفى والتي كانت في احد الردهات وتسمى ردهة الجراحة العامة وهذه القاعة كانت مخصصة للإصابات القوية فلقد كان يرقد في سريره عن يساري مقاتل برتبة نائب ضابط من اهالي منطقة عقره وكانت لهجته تدل على انه من اخواننا الاكراد في ما كان في السرير الآخر على يميني يرقد جندي مكلف اسمه شمعون وهو من اهالي قضاء الحمدانية ناحيه برطلة وكانت تجمعنا ردهة واحدة كون اصاباتنا من النوع الاول ومازال فيها خطورة …
كلنا كان يجمعنا وطنا واحد ويجمعنا رابط مشترك واحد ونعيش تحت خيمة واحدة اسمها العراق لا نميز بين هذا وذاك ولا بين قومية واخرى ولا نعرف ما هي المذهبية نعرف الاديان نعم ولكننا لا نعرف ما هي المذاهب هذه الامور كلها دخلت على البلاد حديثا…
وبعد اسبوع تقريباً من رقودي في المستشفى تحسنت حالتي الصحية واذكر ذلك اليوم الذي جاءني الطبيب ومعه شخص يرتدي الزي الزيتوني وعرفني فيه الطبيب بانه من حضيره استخبارات المستشفى وبعد ان صافحني ابلغني الطبيب بان صحتي اصبحت جيدة جدا وبإمكاني الخروج اليوم ولكن الشخص الذي معه قال لي انه يحمل برقية سرية جاءتهم من مديرية الاستخبارات العامة يطلبون حضوري في العاصمة بغداد وبالتحديد في القصر الجمهوري حيث حددوا لنا وقت الساعة العاشرة صباحاً في اليوم الثاني وقال ان الموضوع يتعلق في تكريمكم من قبل القيادة العامة للقوات المسلحة وسلمني البرقية حتى اذهب بها الى هناك.. لم يفرحني الموضوع كثيرا بسببين السبب الاول انني جندي مكلف ولا يعني التكريم لي شيء وكل ما اتمناه هو نهاية المعارك حتى يتم تسريحي من الخدمة في الجيش والعودة للحياة المدنية والسبب الثاني الإصابة التي سببت لي على ما يبدو أعاقة في اليد اليسرى حيث ان الاطباء شرحوا لي بالتفصيل حالتي الصحية العامة وتبين ان العصب الزندي في اليد قد تعرض الى القطع وقد تم ربطه في عملية جراحية سريعة على ما يبدو داخل مستشفى البصرة العسكري وان اثنان من اصابع اليد اصبحن عاجزات كلياًّ عن الحركة…وكذلك المشاكل الجراحية في ساق الرجل ومصيره المجهول…
في هذه الاثناء ابلغت الشخص الذي زارني من القرية التي كان مشغول اهلها جميعا في مجلس عزاء الشهيد بانني سوف اذهب الى بغداد وشرحت له الاسباب…
انتظرت في المستشفى الى الساعة العاشرة مساءً بعدها لملمت اوراقي والفحوصات والصور الشعاعية ووضعتها في استعلامات المستشفى لحين عودتي من بغداد…
وتوجهت الى كراج بغداد وكانت هناك ازمة نقل حادة لكثرة العسكريين الذين يلتحقون الى وحداتهم العسكرية والتي كانت اغلبها في جنوب العراق.. توجهت الى محطة القطار القريبة من الكراج وكان هناك جنود من الانضباط العسكري في باب المحطة استعنت بهم كونني مصاب واحمل معي اجازة مرضية لمساعدتي في الحجز الذي كان مزدحم ايضاً.. وصعدت في القطار الذي تشبه مقطوراته من الداخل مقهى شعبي متنقل فتسمع الضجيج وبائع الشاي واخواني المقاتلين وهم يتناقشون بالأمور العامة واغلبهم قد أخذ راحته بالكامل فقد نزع حذاؤه والجوارب دون ان يعير اهتمام لرائحتهم الكريهة… سار بنا القطار من الساعة الحادية عشر مساءً حتى لحظة وصولنا في صباح اليوم التالي.. ونزلنا في المحطة العالمية في العاصمة بغداد وكانت قريبة جدا من كراج ومرآب العلاوي الشهير الذي يضم كل حافلات النقل لأغلب المحافظات العراقية وبقيت هناك لقضاء الوقت بعدها استفسرت من احد الاخوة الموجودين في الكراج عن استعلامات القصر الجمهوري فابلغني بانها قرب جسر الجمهورية بوابة وزارة التخطيط فاستقليت سيارة اجرة كونني لا اعرف التنقل جيدا بين مناطق العاصمة بغداد وعند وصولي المنطقة المذكورة نزلت من السيارة لأرى امامي بناية كبيرة مدهونة باللون الاحمر ويبدوا انها وزارة التخطيط واستفسرت من الحراس الموجودين والذين يرتدون زياً عسكرياً خاص وقاموا بتوجيهي بالذهاب الى غرفة الاستعلامات وعند دخولي هناك استقبلني ضابط برتبة ملازم اول تدل ملامحه على انه من ابناء منطقة جنوب الموصل وبعد ان ابرزت له البرقية استفسر مني عن عنوان سكني فأبلغته بانني من منطقة جنوب الموصل وقال انا ايضا من اهالي الشرقاط وقضاء الشرقاط كان في حينها تابع لمحافظة نينوى ادارياً قبل ان تصدر التعليمات في تسعينات القرن الماضي بضمه الى محافظة صلاح الدين… جلست في الاستعلامات نصف ساعة تقريبا وقد وصل عددنا اكثر من عشرين شخص عندها اتت سيارة من نوع باص صغير وصعدنا فيها وكانت كل زجاج الشبابيك فيها مظلل ولانعرف اين نسير وربما ربع ساعة او اكثر قليلا نزلنا امام قاعة كبيرة قد بنيت بطريقة معمارية فاخرة…

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب