9 أبريل، 2024 6:37 م
Search
Close this search box.

ايام لا تنسى من قصص الحرب.. معارك شرق البصرة

Facebook
Twitter
LinkedIn

الجزء الثاني

وكان النقل يتم يوميا في الليل لنصل في صباح اليوم التالي الى العاصمة بغداد وما ان وصلنا حتى قاموا بتجديد الضماد وتعقيم الجروح وابقونا في المستشفى لحين المساء واذكر الساعة العاشرة مساءً ركبنا بسيارات خاصة انا ومعي عدد من المصابين الى مدينة الموصل وقد وصلنا الى مستشفى الموصل العسكري عند الفجر ومازلت اتذكر ذلك الأذان وصوت المؤذن المميز وكأنني اسمعه اول مرة وكان المستشفى يقع على ضفاف نهر دجلة فاستقبلونا الكادر الطبي بحفاوة بالغة وادخلونا الردهات كلا حسب اصابته وقاموا ايضا بتبديل الضمادات واجراء اللازم مع اعطاءنا علاج نستخدمه في بيوتنا كوننا مجازين مرضياً حسب الاجازة الممنوحة لنا من مستشفى البصرة العسكري…
وانا اهم بالخروج من المستشفى شاهدت عدد ليس بالقليل من شباب قريتنا وتفاجأت بسبب مجيئهم وعندما رأوني اتوني مسرعين وهنئوني على سلامتي فسألتهم ملهوفاً والخوف في قلبي عن سبب تجمعهم هنا ومجيئهم منذ الصباح الى المستشفى فكان الجواب كالصاعقة عندما اخبروني باستشهاد ابن عمي الملازم حسن الذي تخرج من الكلية العسكرية قبل شهرين وكان من اعز اصدقائي… وان مركز الشرطة في منطقتنا قد ابلغهم بالخبر وطلب منهم الذهاب الى المستشفى لاستلام جثة الشهيد..التي اوصلتها وحدته من قاطع العمارة الى المستشفى لأن الشهيد قد كتب عنوانين في وحدته العسكرية احدهم بيت اقاربه في المدينة والثاني عنوان سكنه في القرية….
نزلت الدموع بغزارة وتنحيت جانبا وجلست على الارض وانا اقول لماذا يا حسن لماذا يا حسن كنت اتأمل ان اراك في هذه الاجازة الطويلة التي منحوني اياها بسبب اصابتي….لقد كان خبر استشهاده بالنسبة لي خبر محزن جدا ولكنها ارادة الله وانا اعرف ان المعارك تحصد بالأرواح ولا تفرق بين هذا وذاك المعارك التي يفتعلها السياسيون لتحقيق مآربهم الخاصة ويعطونها سببا وجيها بانها معارك للدفاع عن الوطن وعن المقدسات وهي في الحقيقة اكذوبة سياسية نتيجة اخطاء بشرية واصابة القادة بمرض داء العظمة وهاهي المعاركٌ لا ترحم ويذهب ضحيتها الالاف وربما الملايين من الارواح من الطرفين..
وها أنا مصاب وابن عمي امامي في صندوق لا اعرف ان كان فيه جثة كاملة ام بقايا بسيطة من جسده…
بقيت معى شباب القرية رغم اصابتي لحين استلامنا جثة الشهيد لنتوجه بعدها الى قريتنا في منطقة جنوب الموصل
هذه المنطقة التي قدمت المئات من الشهداء في هذه المعارك…….وبقيت كل الطريق وانا اتذكر ذلك الشريط الذي مررت به قبل يومان شريط المعارك وجثث الاصدقاء الذين تشوهت وجوههم والاصدقاء الذين اصيبوا اصابات بليغة وذكرياتي معهم وذكرياتي مع الشهيد حسن الذي انهى دراسته الإعدادية بتفوق وكان معدله يسمح له في الدراسة في كلية الهندسة ولكن الظروف الصعبة والمعيشة الضنكَ تجبر الشباب على ان يذهبوا للتطوع في الكليات والمعاهد العسكرية من اجل الحصول على امتيازات معينة وضمان مستقبل مادي افضل…
وما ان اقتربنا على مسافة قصيرة من القرية حتى شاهدنا الجموع تركض تجاه السيارة التي تحمل الصندوق الذي فيه جثة الشهيد وكلما اقتربنا اكثر شاهدت الرجال والنساء وهم يلطمون على رؤوسهم لفقدان هذا الشاب الذي كانوا يتمنون له حياة ومستقبل أفضل….
اتجهت السيارة التي كنت اجلس فيها مع السيارات الاخرى الى منزل الشهيد حسن وهناك كان ينتظرنا امٌ مفجوعةً واخوات قد مات حلمهن الى الابد بسبب فقدانهم لابنهم الوحيد حسن مأساة ومأساة ومأساة.. ان تفقد العوائل فلذات اكبادها وهم في ريعان الشباب…
ما اجبرك ايها الموت وانت تسمع ولولاة هذه المرأة المسكينة الضعيفة التي ربت فتعبت وسهرت الليالي من اجل ان ينهي ابنها دراسته الاعدادية ليكمل دراسته الجامعية ويحصل على وظيفة يعيش منها هو واسرته….
لحظات لا يمكن نسيانها ونساء القرية جميعها تولول والرجال تبكي… وما ان شاهدني احد المقربين لي وانا اجلس بالسيارة حتى صرخ بأعلى صوته هذا عبد الكريم انه مصاب ايضا نزلت من السيارة وقد نسيت جراحي واصابتي لهذا المصاب الجلل الذي امامي ثم بدأ رجال القرية بمصافحتي مهنئينني على سلامتي…
ثم توجهت مع جموع القرية بأكملهم شيبا وشبابا نساء واطفال وهم يحملون جثة الشهيد متوجهين الى المقبرة الموجودة في اطراف قريتنا والتي تقع على تلة عالية وما ان وصلنا هناك حتى جرت مراسم الدفن حيث ان القبر كان جاهزا ومهيأ لاستقبال جثة الشهيد….
وداعا يا حسن وداعا يا حسن كان أملنا بك ان تصبح في يوماً من الايام قائداً عسكرياً تخدم اهلك واقربائك ولكنها الاقدار قد ذهبت بك الى مصيرك المحتوم وانت في عز شبابك…
افتقدت والدتي في هذه الاثناء لأنني لم اراها اثناء التشييع ولم ارى اي احد من افراد عائلتي وربما من الصدمة الكبيرة قد نسيت حتى عنوان منزلنا فناديت ابن عم لي كان واقفاً بقربي وسألته عن السبب بعدم وجود اهلي اثناء التشييع فقال لي والله لا اعرف من اين أبدأ ولكن لابد لك ان تعرف فلقد استشهد ابن خالتك حسام الذي يسكن في القرية المجاورة لقريتنا وكل افراد عائلتنا قد ذهبوا هناك لمواساة اهله ومشاطرتهم احزانهم وانهم لا يعرفون باستشهاد ابن عمي الملازم حسن…
يا لها من مصائب ويا لها من مصائب هذا ابن الخالة الذي يتكلم عنه هو صديقي منذ الطفولة وكنا لا نفترق الا في الفراش مساءً رغم ان قريته تبعد مسافة عن قريتنا……..
ما هذه المصائب والويلات يا رب العالمين اين اتوجه وانا اتكلم مع جراحي ومع المقبرة التي دفنت فيها ابن عمي هل اذهب الى المقبرة التي دفن فيها ابن خالتي وصديق عمري ما هذه الويلات يادنيا الاحزان لماذا تدفعين بشبابنا الى المقابر وغيرهم يعيش في النعيم في باقي الدول لماذا المعارك ولماذا ولماذا ولماذا اسئلة كثيرة تدور في عقل كل انسان دون جواب لأننا لسنا اصحاب قرار بل نحن مجرد وقود وحطب لهذه النيران التي لا نعرف متى سوف تنطفي ويعود الشباب الى بيوت اهلهم ويقومون بممارسة حياتهم الطبيعية… لا أعرف اين اذهب الان فقد اشتدت علي آلام الجراح خاصه وانني منذ الصباح اعيش لحظات الحزن وكوابيس الموت…
مع هذه اللحظات لم اشعر الا وانا ارتطم على الارض فلقد فقدت الوعي نتيجة نزيف الجرح الموجود في رجلي اليسرى والذي لم انتبه اليه الى ان مددت يدي فوجدت الدماء تسيل فيها ولم افق على نفسي الا وانا في احد ردهات المستشفى العسكري وبعد افاقتي ابلغوني بان احد الشرايين في رجلي اليسرى بدأ بالنزيف الحاد نتيجة الوقوف كثيرا وانهم قاموا بإجراء عملية جراحية مستعجلة واستطاعوا ايقاف النزيف ولكن الامر يتطلب البقاء في المستشفى لحين التأكد من انقطاع النزيف وقد يستغرق الامر اسبوعاً كاملاً…

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب