19 ديسمبر، 2024 4:54 ص

الجبال تتميز دائما بقممها .. ومن غير هذه القمم تصبح الجبال مجرد سفوح ، والسفوح ليست كالقمم ، هكذا علمتنا الحياة ، وعلماء الامة هم القمم ، وكل من اكتسب خبرة وتراكمت لديه مجموعة خبرات في اي مجال واي قطاع يصبح عالما ، وليس من المعقول ان تجري ازاحتهم عن مواقعهم لمجرد توفير فرص عمل للاخرين من جيل الشباب الذين يبحثون عن عمل ، المعادلة لا تتم بهذا الشكل ، ففي الدول المتقدمة لا يُستغنى عن خدمات ذوي القدرات المتراكمة من الخبراء والمختصين لمجرد وصول احدهم الى نهاية السن القانونية للخدمة العامة ، بل ان معظم هؤلاء يوظفون كمستشارين بمختلف اختصاصاتهم ، ويتم الرجوع اليهم في كل التفاصيل وعند وضع الخطط وتنفيذها .

واذا كانت الموارد البشرية ثروة وطنية مثل باقي الثروات لذلك يبدو أن قرارات الاصلاح ستأخذ بتيارها الجارف كثيرا من هؤلاء بسبب اجراءات متعجلة لم يتسن دراستها بدقة ، وستفقد البلاد فيما اذا طبقت الاجراءات كثيرا من الكفاءات العراقية ، سواء في الجامعات العراقية او في الوزارات والمؤسسات غير المرتبطة بوزارة ، ولابد من وجود بدائل وحلول أخرى لتوفير فرص عمل لشريحة الشباب ، وليس ازالة من تم بناؤهم ( لبنة لبنة) على مدى (25) و (30) عاما حتى اصبحوا شامخين ، فنتخلى عنهم لتقادم الزمن عليهم ، مع ان عطاءهم لم ينقطع وامكانياتهم مستمرة في التصاعد وانتاجهم العلمي غزيرا لم ينضب .

الله سبحانه وتعالى وهو ادرى بعباده وقدراتهم عندما بعث النبي محمد (ص) وكلفه بحمل الرسالة اختاره لهذه المهمة وهو بعمر (40) عاما ، وليس قبل ذلك ، ولهذا دلائل مهمة ، ثم انه عليه الصلاة والسلام لم تنته مهمته بعد بلوغه الستين من العمر ، او الواحد والستين بل استمر رسولا منظرا وقائدا متوقدا حتى وفاته عليه السلام عام 11هـ وقد بلغ عمره الشريف 63 عاما . ولو قدر الله سبحانه امتداد عمره الى سنوات اخرى لبقي قائدا للامة وهاديا لها .

ولم يكن عطاء العلماء المسلمين في اول شبابهم ، بل أن بواكير نتاجهم بدات بعد نضجهم في عمر متقدم ، وكانوا يزدادون عطاء وألـقا كلما تقدم بهم العمر ، وكان نتاجهم الادبي والعلمي والفكري رائعا في السنين الأخيرة من عمرهم ، وجل العلماء المعاصرين أمثال طه حسين ، ومصطفى جواد ، وعلي جواد طاهر ، و حسين علي

محفوظ ، وعلي الوردي ، وغيرهم ، الذين وافاهم الاجل كانو ماضين في مشوارهم حتى اخر ايامهم .

ومازال الدكتور مهدي الحافظ ، والدكتور حسين امين ، والدكتور محمد حسين آل ياسين ، والدكتورمظهر محمد صالح ، واساتذه كبار في الطب والهندسة والفيزياء والكيمياء واللغة والادارة والمال والاقتصاد ، والاختصاصات الاخرى في جامعاتنا ومؤسساتنا العلمية كافة ، يمسكون راية العلم ويرفعونها عاليا ، حتى اصبحوا هم الرايات والاعلام فكيف يمكن التخلي عن هؤلاء وامثالهم ؟؟

واذا اردنا ان نجدد الدولة العراقية ونزج بالطاقات الشابة الى ميادين العمل وتسليمهم زمام الأمور ليكونوا قادة المستقبل فهذا لا يبرر لنا ان نضع هؤلاء مقابل هؤلاء فنُضيع المقاييس ونُذهب القيم .

لابد لحل منطقي لهذه المعضلة والا سنجد انفسنا قد ضيعنا الكفاءات وستنطلق هذه الطاقات مهاجرة حيث سيتلقفها الغرب ويوفرلها عيشا هنيا رغيدا آمنا وفرصا جديدة للابداع ، الحل هو استحداث مجالس مستشارين في كل وزارة ، تحتضن هؤلاء ونترك لهم الخيار في ترك الخدمة في أي وقت يشاؤون .

انهم علماء فاخشوهم ، انما يخشى الله من عباده العلماء .

أحدث المقالات

أحدث المقالات