19 ديسمبر، 2024 1:50 ص

ترشُح ترامب للرئاسة مثل تحدي ثلاثي الاضلاع للديمقراطية الامريكية و فوزه في الانتخابات كان مؤشر علي فشل في التحدي الاول أي حصانة الديمقراطية الامريكية في وجه التدخل الخارجي( العدو الروسي تحديدا ) حاليا تلك المؤسسات ( الرسمية ) تخضع للاختبار حول المدي الذي يمكن ان تصمده في وجه تخبط سياساته و انتهاكها للقيم وللقانون؛ والتحدي الاخير هو تحدي للمجتمع المدني وللثقافة الديمقراطية التي تقبع الأن تحت وطأة المد الشعبوي، فامريكا التي قدمت نفسها لقرون علي انها ارض الفرص وارض الحرية و ارض الاحلام تغلق ابوابها الأن في وجه المهاجرين و اللاجئين و التجارة، ويشن رئيسها حملة شرسة ضد مؤسسات الصحافة و الاعلام!
بمبرر سلطة الرئيس لحماية الأمن القومي ارتكب البيت الابيض عدد من المخازي والموبقات منها فرض حظر علي دخول زوار من بلدان سكانها مسلمين في تمييز واضح علي اساس الدين؛ الي فرض رسوم جمركية وانسحاب من اتفاقات تجارية في تجاوز لقيم الاقتصاد الحر والعولمة التي ظلت امريكا الليبرالية تبشر بها عقابيل انهيار المعسكر الشيوعي، ثم الانسحاب من اتفاق ايران النووي وهو اتفاق سياسي وقانوني دولي، علاوة علي الانسحاب و التهديد والتلويح بالانسحاب من منظمات دولية ( اليونسكو ) واحلاف عسكرية ايضا ( الناتو )!
حماية الأمن القومي الاميركي مبرر فج اذا كان ترامب وحده من يحدد ويعرف الأمن القومي و يقرر ما الذي يمثل تهديدا له!
اذ يلاحظ ان ترامب يحصن كل اوامره التنفيذية وقراراته بسلطة الرئيس المطلقة لحماية الأمن القومي، وهو بذلك يريد تحصينها ضد النقد السياسي والصحفي وضد الطعون القضائية! ويلاحظ كذلك انه نجح الي حد كبير بسبب الضعف السياسي الذي ينتاب البرلمان بغرفتيه ( النواب والشيوخ ) وضعف معارضة الديمقراطيين والجمهوريين انفسهم والذين يحكم الرئيس تحت رايتهم!
لكن من جانب اخر فان المقاومة الحقيقية لسياسات و اوامر الرئيس الخرقاء تأتي من جهاز الدولة الاداري ( من ال FBI و من النواب العامين والمدعين بوزارة العدل و من سفراء وزارة الخارجية ووو الخ ) ومن المنظمات المدنية و من وسائل الاعلام المستقلة.. تلك الاجهزة الحكومية المستقلية المحائدة سياسيا و من المؤسسات المدنية، كل تلك الاجهزة حاليا تبني وتؤسس لقضية ضد الرئيس تمكن من تقديم ملف متماسك ضده ليؤسس لاجراءات عزل قانوني ودستوري داخل الاجهزة المختصة ( مجلسي النواب والشيوخ ) Impeachment ، او يؤسس لمزيد من الاضعاف السياسي للرئيس و لشعبيته تمهيدا لتقليص سلطته ونفوذه بعد هزيمة حزبه في انتخابات التجديد لمجلسي النواب والشيوخ في نوفمبر المقبل، واستعدادا لاسقاطه في انتخابات الرئاسة المقبلة في 2020م.
صحيح ان اجراءات عزل الرئيس دستوريا لم تنجح من قبل ضد اي رئيس في السابق الا ان ذلك لا يمنع نظريا من انه اجراء متاح؛ كما لا يحول دون ان يكون ترامب هو اول نموذج أي اول رئيس يتم عزله!
هذا اللقب ( اول رئيس امريكي يقع عزله )كان يمكن ان يكون من نصيب الرئيس ريتشارد نيكسون لكنه تنبه الي ضعف موقفه فتقدم باستقالته مفسحا الطريق لنائبه جيرالد فورد والذي استقل منصبه واصدر عفوا رئاسيا عن الرئيس السابق نيكسون!
حاليا تسير لجنة روبرت مولر بتؤدة تجاه اثبات الصلة بين الرئيس ترامب و التدخل الروسي في الانتخابات بعد ان انتهت من اثبات وجود ذلك التدخل، و متي ما نجحت في ذلك فان ولاية الرئيس ترامب ستصبح في حكم المنقضية، و ملف ضغط الرئيس علي نظيره الاوكراني و اجباره علي اتخاذ اجراء قضائي ضد نجل منافسه (جو بايدن) و استغلال المساعدات العسكرية الأمريكية كأداة لتنفيذ مصالح سياسية خاصة بموقف الرئيس السياسي و التنافسي الانتخابي يمثل ايضاً ملف مستقل صالح لتحريك اجراءات محاسبة الرئيس.
صحيح ان بعض المؤشرات الهامة ( خصوصا الاقتصادية ) تدعم حاليا موقف الرئيس ( معدلات بطالة منخفضة و سعر فائدة كذلك ومعدلات نمو ممتازة.. ) لكن امريكيا لم تكن يوما عظيمة بسبب قوتها المادية وارقامها فقط انما عظمتها أتت وتأتي دائما بسبب ما مثلته من قيم ومبادئ انطلاقا من تحرير العبيد الي المساواة في الحقوق المدنية بين السود والبيض الي دعمها لتحرير الشعوب ولحق تقرير المصير و انهاء الاستعمار الي الحريات السياسية والاقتصادية والدينية والثقافية، والصحيح ايضا ان ادارات امريكية متعاقبة كثيرة تنكرت لتلك المبادئ والقيم الا ان مامن ادارة تنكرت لها و احتقرتها مثلما فعلت ادارة ترامب لدرجة دفعت بعض موظفيها لتنظيم صفوف مقاومة ضد الرئيس داخل مكتبه البيضاوي! ومتي ما انتبه جمهور ترامب الي ان تلك الارقام أتت علي حساب القيم و انها مؤشرات لحظية لمدي قصير او متوسط سرعان ما تنقلب وترتد الي حضيض الازمة فانها ( جماهير ترامب ) ستكون اول المنادين بعزله او اسقاطه.
لذا وفي الغالب الاعم فان الرئيس ترامب وفي الراجح لدي سيعزل او يجبر علي الاستقالة مع مشارفة عهدته الاولي علي الانتهاء او قبلها باشهر معدودة، وان كان محظوظا فانه سيبقي ليكمل فترته ولكن بسلطة متزايدة لمجلس الشيوخ والنواب علي حساب سلطة البيت اﻷبيض! ولن ينجح في الوصول للسباق الرئاسي المقبل و إن وصل فلن يعود للبيت الأبيض مجدداً في كل الاحوال.

أحدث المقالات

أحدث المقالات