18 ديسمبر، 2024 9:18 م

اولويات الكاظمي في واشنطن بعد طهران!

اولويات الكاظمي في واشنطن بعد طهران!

على قدم وساق، تجري التحضيرات في كواليس بغداد وواشنطن لزيارة رئيس الوزراء العراقي المرتقبة الى الولايات المتحدة الاميركية في غضون الاسابيع القلائل المقبلة، حيث من المقرر ان يقوم مصطفى الكاظمي خلال وقت قريب بزيارة رسمية لواشنطن ضمن جولاته الخارجية التي بدأها بالجمهورية الاسلامية الايرانية في الحادي والعشرين من شهر تموز-يوليو الماضي، وستشمل دولا اخرى من بينها المملكة العربية السعودية، التي كان من المزمع ان تكون المحطة الخارجية الاولى للكاظمي، الا ان مرض الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز تسبب بأرجائها الى اشعار اخر.

ولاشك ان تلك الزيارة تنطوي على اهمية غير قليلة، نظرا لحجم التعقيدات والحساسيات في مسيرة العلاقات بين بغداد وواشنطن، ابتداء من عملية احتلال العراق تحت ذريعة الاطاحة بنظام صدام في عام 2003، مرورا بفرض حاكم مدني اميركي هو بول بريمر، ومرورا بسلسلة طويلة من الانتهاكات والتجاوزات والجرائم التي ارتكبها الجيش الاميركي والشركات الامنية الاميركية وفي مقدمتها شركة بلاك ووتر ضد المواطنين العراقيين، والدمار والتخريب الذي الحقته بالبنى التحتية والمنشات الحيوية للبلاد، وليس انتهاء بأيجاد ودعم الجماعات والتنظيمات الارهابية كالقاعدة وداعش، واستهداف الحشد الشعبي وقادته مرارا وتكرارا، والتي كان اخرها اغتيال نائب رئيس هيئة الحشد الشهيد ابو مهدي المهندس مع قائد فيلق القدس الايراني الشهيد قاسم سليماني، في الثالث من شهر كانون الثاني-يناير الماضي.

من غير الواضح حتى الان، ما هي اولويات القضايا والملفات التي ستطرح على طاولة لقاءات الكاظمي مع المسؤولين الاميركان في واشنطن، لكن من خلال مجمل الوقائع والمعطيات خلال الشهور القلائل الماضية، يبدو ان ملف الوجود الاميركي في العراق سيفرض نفسه، وسيكون المحور الاساس لمجمل المباحثات، والمثابة لكل القضايا والملفات الاخرى.

فهناك مطالبات شعبية واسعة بضرورة اخراج القوات الاميركية من البلاد، تصاعدت الى حد كبير مع انطلاق موجة التظاهرات الاحتجاجية السلمية في بفداد وعدد من المحافظات العراقية مطلع شهر تشرين الاول-اكتوبر الماضي، وازدادت حدتها بعد الاعتداءات المتكررة على قوات الحشد الشعبي في اكثر من مكان.

وترافقت المطالبات الشعبية، مع حراك سياسي-برلماني بهذا الاتجاه، تمثل بتصويت مجلس النواب العراقي بعد يومين من اغتيال المهندس وسليماني، على قرار يقضي بألزام الحكومة العمل على انهاء التواجد الاجنبي بأسرع وقت ممكن، وبالفعل فأن الحكومة السابقة برئاسة عادل عبد المهدي، اطلقت اشارات ايجابية بهذا الشأن، مما اثار حفيظة الاميركان، ودفعهم الى الضغط بصورة مباشرة لافشال تلك الحكومة واسقاطها.

ورغم تأكيدات الرئيس الاميركي دونالد ترامب وعدد من مساعديه بأهمية استمرار التواجد الاميركي في العراق، الا انهم كانوا يدركون حجم وطبيعة الضغوط الشعبية والسياسية العراقية، لذلك اتخذت واشنطن بعض الاجراءات من اجل امتصاص الغضب وتخفيف ردود الافعال الحادة، تمثلت بسحب القوات الاميركية من بعض القواعد العسكرية واعادة تموضعها في قواعد اخرى، والتصريح بالنيه بسحب تلك القوات بصوة نهائية من العراق الى قواعد عسكرية اميركية في بعض دول المنطقة.

وفي اواخر شهر اذار-مارس وبداية شهر نيسان-ابريل الماضي، اجلت واشنطن قواتها من ست قواعد عسكرية في الوسط والشمال وركزتها في ثلاث قواعد توصف بالمحصنة في الانبار وصلاح الدين واربيل، فضلا عن ذلك فأنها اعلنت مؤخرا سحب قواتها من قاعدتين عسكريتين في محيط العاصمة.

ولاشك ان هذه الخطوات جاءت بعد تعرض القوات الاميركية لضربات صاروخية من جهات مجهولة، باتت تشكل قلقا متزايدا لصناع القرار في البيت الابيض والبنتاغون.

الحوار الاستراتيجي الذي انطلق في الحادي عشر من شهر حزيران-يونيو الماضي بين بغداد وواشنطن عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، لم يكن مشجعا، لانه بحسب رؤية العديد من الساسة والمراقبين العراقيين، ابتعد عن الموضوعات والقضايا الجوهرية الاساسية، وراح يدور حول ملفات ربما اعتبرها البعض تأتي بالدرجة الثانية او الثالثة من حيث الاهمية والاهتمام والاولوية.

واذا كان الكاظمي يسعى الى مواصلة مسارات ذلك الحوار فينبغي عليه الاخذ بنظر الاعتبار مجمل الملاحظات والتحفظات المطروحة من قبل كل الاطراف، في ذات الوقت عليه ان لا يستكين للضغوطات والمساومات الاميركية، ولايصدق كثيرا وعود وتعهدات ساسة البيت الابيض، لان موضوعة السيادة الوطنية، تبقى تتصدر قائمة الاولويات، بصرف النظر عن اي حسابات خاصة، بعبارة اخرى ان كل ذلك يستدعي ان يتصدر ملف انهاء التواجد الاجنبي قائمة الموضوعات التي سيناقشها الكاظمي مع المسؤولين الاميركان، لانه من دون حسم هذا الملف بصورة تعيد كامل السيادة الوطنية للبلاد، ستبقى كل الملفات والقضايا الاخرى معلقة ومن غير الممكن حسمها، وسيكون الحوار الاستراتيجي بين الطرفين عقيما ولا جدوى منه اذا لم يرتكز ويتمحور حول مطلب خروج القوات الاميركية من البلاد، علما ان ذلك المطلب يعد احد ابرز مهام الحكومة الحالية الى جانب اجراء الانتخابات المبكرة واستعادة هيبة الدولة وتلبية مطاليب الشعب المشروعة للمواطنين.

وكما اشرنا في اوقات سابقة الى انه، بما أن العراق خاض تجربة مفاوضات ماراثونية طويلة مع الجانب الاميركي في عام 2007، أفضت الى ابرام الاتفاقية الامنية واتفاقية الاطار الاستراتيجي في عام 2008، ومهدت لإنسحاب القوات الاميركية من البلاد في نهاية عام 2011، فإنه من الضروري جدا اجراء مراجعات تفصيلية دقيقة لتلك التجربة وتشخيص نقاط قوتها لاستثمارها وتوظيفها في المفاوضات الجديدة، وكذلك تشخيص مكامن ضعفها لتجنب الوقوع بها مرة أخرى، واكثر من ذلك يجب تقييم تجربة الاستعانة بالولايات المتحدة الاميركية في محاربة داعش بعد اجتياحه الاراضي العراقية صيف عام 2014، وبيان الايجابيات والسلبيات التي انطوت عليها تلك التجربة، لان هذه المرحلة ربما كانت في بعض جوانبها ومحطاتها اخطر من سابقاتها، وهو ما يحتم على الكاظمي والوفد المرافق له وفريقه التفاوضي ترتيب اوراقهم بدقة وعمق قبل ان يجلسوا وجها لوجه حول طاولة التفاوض والنقاش مع الاميركان، سواء في واشنطن او بغداد او اي مكان اخر، علما ان ما سيطرح في واشنطن لن يكون بمعزل ومنأى عما طرح في طهران قبل بضعة ايام.