اثارت زيارة وزير خارجية تركيا داود أوغلو الى أربيل ثم مدينة كركوك واجتماعه بمحافظ كركوك وبعض كبار المسؤولين فيها ، ردود افعال متناقضة فقد وصفت بالخطيرة والمسيئة لهيبة الدولة وتدخلا بالشؤون الداخلية للعراق وعدم احترام الحكومة المركزية او مراعاة التقاليد الدبلوماسية ، فيما نظر لها البعض على انها جاءت في اطار تبادل الخدمات والتشاور بشأن تطور الاحداث في سوريا ودور كردستان العراق في بعض الملفات الاقليمية .
زيارة اوغلو تأتي في أجواء ملبدة بغيوم الاختلاف والتناحر والخلاف المتصاعد بين حكومة الأقليم وبغداد وهو ما اعطى زخما تأويليا وتصعيدا يقوم على مقتربات الخلافات السابقة ويضفي عليها اشكالية تضع العلاقات الدولية طرفا في ملفات الخلافات الداخلية وهو مايشكل خطرا حقيقيا على البلاد برمتها وخصوصا على كردستان العراق الذي يعاني وباستمرارية زمانية ومكانية من الاعتداء وعدم الاعتراف التركي ناهيك عن جدل الصراع الكردي – التركي الذي يقوم على سحق ومصادرة كافة الحقوق القومية للمواطن الكردي ومانتج عن ذلك من صراع دموي كان الخاسر والمضطهد فيه العنصر الكردي .
ان قوة حكومة كردستان على المستويين الاقتصادي والسياسي والتنموي جاءت في سياق حال الدولة العراقية وماشهدته من تغيير في النظام السياسي بعد عام 2003اضافة الى الاستقرار الامني والاداري الذي وفر بيئة انموذجية للتطور والاستثمار وحينما برزت الخلافات بشأن الثروة النفطية والمناطق المتنازع عليها والتمثيل الاداري في هيكلية الدولة والموقف من الاحداث في سوريا ، فأنها ناتج طبيعي لغياب فلسفة الدولة ومنهجيتها الثابتة في العلاقات الدولية وضعف الاداء الحكومي والبرلماني في انجاز الملفات التي تورد الخلاف واشكاليات المصالح ولعلل الأزمة السياسية الاخيرة التي كتفت البلاد جعلت غالبية القوى السياسية تستيقظ على نطاليب ونداءات مهمة لانجاز الملفات وايجاد علاجات مناسبة لها في أطار استقصاء اصلاحي يستدعي مشاركة الجميع بهدف ردم الفجوات بين الشركاء السياسيين وانتخاب خارطة طريق وآفاق للحلول وليس التصادم والجدل البيزنطي الذي يعيق التقدم ويكرس الفوضى والعداء ، ولانأتي بجديد اذا قلنا ان قوة كردستان وفاعليتها تاتي من قوة العراق وتماسك صفوف الشركاء السياسيين بهدف اعلاء شأن المصالح الوطنية على المواقف الشخصية واعتبار العراق اكبر من الاحزاب والعناوين المؤقتة والطارئة ، وهذا مايجعل الرؤية الأستراتيحية تؤشر الى خسارة حكومة اقليم كردستان حينما تعتقد انها قادرة على مجاراة العلاقات مع تركيا بمعزل عن العراق ، واذا حصل ذلك فان كردستان ستكون الطرف الاضعف بالمعادلة وتلك الحقائق يدركها الساسة الكرد قبل غيرهم وهو ماتحفظه دفاتر الذكريات التاريخية للآضطهاد والمعاناة الكردية ويكفي الان ان نطلع على يوميات المناضل الكردي عبد الله أوجلان لنكتشف حجم المرارة و الفجيعة .
اذا كانت حكومة اقليم كردستان الموقرة تفكر بأزعاج حكومة المالكي وتبدي سلوكا اضافيا بمشاكستها وعدم الاكتراث لمواقفها وسياقاتها ، فأنها تقدم على اضعاف دور حكومة الاقليم نفسه في استضافة وزير خارجية تركيا ، ليس في تجاوز العرف الدبلوماسي وحسب وانما في عدم التكافؤ بين حكومة اقليم صغير ناشئ و دولة كبيرة مثل تركيا تسعى لبسط هيمنتها على الشرق الاوسط والتمدد فيما حولها سياسيا وجغرافيا واقتصاديا في استيقاظ واضح لحلم الامبراطورية العثمانية .
واذا عدنا للذاكرة الشعبية فأن العراقيين بعربهم واكرادهم وتركمانهم وكل اطياف الشعب في ريبة من جميع حكومات دول الجوار بلا استثناء لانها مصدر الاحتلال والمصائب والارهاب والمفخخات ، ومن هنا تتشكل قطيعة نفسية تنعكس انتخابيا مع من يجاهر بالاعتماد على القوى والدول الخارجية ، ولهذا فأن سلوك حكومة كردستان باستضافة الوزير التركي يعطي نقطة لصالح المالكي بخلاف ما كان يريد ، وتلك من اخطاء عدم الاحتراف السياسي .
[email protected]