23 ديسمبر، 2024 2:10 م

اوروك .. وامنيات رسام تجاوز الثلاثين

اوروك .. وامنيات رسام تجاوز الثلاثين

يتألق الشعر باللغة السلسة الشفافة الخارجة من خيال يجنح نحو العفوية مبتعدا عن التكلف . انه يغدو كطيف سماوي لامرئي يتسلل الى الروح بخفة ناشرا فيها دفقا من المتعة المفقودة في العالم الواقعي ، وواضعا اياها على سطح موجة من النشوة اللذيذة لتصعد وتهبط مع حركة نهر القصيدة حتى  النهاية .
وبسبب هذا وجدنا ان اكثر الشعر سلاسة هو الذي ركب ظهر القرون وعبرها واحدا بعد الاخر فارضا روعته على ذائقة كل جيل جديد ، على العكس من الشعر المركب المعتم جدا الذي تعامل مع اللغة على اساس انها سلاسل ومعادلات كيمياوية تمنح شاعرها امتيازا فكريا وثقافيا ومعرفيا لايتوفر لدى الاقران .
أؤكد هذه القناعة الخاصة دائما كلما اخترقتني قصيدة عذبة  واجبرتني عاطفتي على التفاعل معها لتحلق بها مع لحظات التلقي الى عوالم متخيلة اروع مافيها انها غير معروفة الملامح والابعاد .
وفي ديوان ((اوروك ياسليل التعب )) للشاعر علي الشيال وجدت مثل هذه القصيدة  بين عدد كبير من القصائد التي لاانكر تفاعلي مع بعضها كونها قصائد اتخذت منحى وجدانيا مؤثرا ارى انه من اهم سمات القصيدة الشعرية .
هذه القصيدة هي((أمنيات رسام تجاوز الثلاثين ))  التي كتبها بصورة سيل من الومضات ترابطت مع بعضها موضوعيا واختلفت في حجم كثافتها  اللغوية .
حيث وجدتها تسحبني عاطفيا عن نكد الواقع وكابته المتكررة وتدمجني مع عالم فراشاتها المشغوفة بجمال الحبيبة ..تلك الحبيبة التي اراد الشاعر ان يحميها حتى من ارق واجمل الكائنات البريئة :
ارسم زهرة وارميها خلف خطاك
كي تحميك من الفراشات .
انها فتنة الشعر وجاذبيته حين تبثه ذات تخفي تحت بساطتها عمقا شعريا كبيرا قد يطفو عليها بشكل  جملتين تعجان بجمال المحبوبة والزهور والفراشات والغيرة الذكورية والحب العذري .
نعم كان النص لوحة انكسار في مضمونه ، حكت هزيمة احلى حقبة عمرية يمر بها الفرد ، لكن اللغة الثقيلة التي كثيرا مارافقت هكذا نصوص ازاحتها لغة مغرية شفافة خففت من قرف السواد ومايتدثر تحته من يأس وتشاؤم :
ارسم بيتا بلانوافذ
حتى لاتتسرب رائحة الجوع
              .
ارسم مقابر جماعية واصرخ عاليا
لماذا تركتموني وحيدا
           .
ارسم قضبانا وسجونا
كي أتذكركم
       .
ان هذه القصيدة تمارس مع المتلقي المولع بالسهل الممتنع  جاذبية اللوحات التشكيلية ذات الالوان المبهجة والمحتوى الحزين ، فهي تقربه منها من خلال مغناطيس الجمال المباشر الواضح ثم تتركه يغوص خلف سحر اللون باحثا عن معنى المعنى لكي تكتمل متعتها وفائدتها عنده .
ارسم سماء بلاقمر واكتفي بسمرتك
هنا الحبيبة تغدو قمرا ، والقمر يصبح موضع تساؤل : هل هو الامرأة ؟هل هو الوطن ؟  هل هو الحلم الذي لاينزل الى ارض الواقع ابدا ؟
ارسم عيونا بلادموع وأهديها اليك .
وهنا تحل العيون محل الحياة التي يتمناها المحب لحبيبته لتأتي الاسئلة :
هل عجز المحب عن ايقاف دموعه حتى يستنجد بالرسم ؟ هل يبحث عن سعادة الحبيبة حتى على حساب شجن روحه ؟ هل ختم على حياته بشمع الاسى الابدي فأراد ان يمنحها حياة خيالية فحسب ؟
ان انطباعات الرسام هذه هي عبارة  لوحة تشكيلية متعددة  الافكار والاشكال والالوان ، قد تمنح نفسها من النظرة الاولى للمتلقي ، لكنها تجبره عند التفاعل معها  على البحث عما اختبأ تحت سطحها من مضامين اخرى .