بعد الفشل الذريع للسيناريو الامريكي في العراق وسوريا،والذي كان وراءه سياسة اوباما وحزبه في الكونغرس ومجلس النواب ،يجيء السيناريو الامريكي الجديد بلباس اخر هو الستراتيجية الامريكية الجديدة او ما يسميها البعض تغيير اللعبة في العراق والمنطقة كلها ،فما هي اللعبة التي بدأ يلعبها اوباما وماهي الظروف التي اضطرته لتغييرها ،وكيف نواجهها ونفشلها ،هذه الاسئلة وغيرها نحاول ان نجيب عنها في مقالنا هذا، بعد ان كشفنا في مقالنا السابق (نظرة الى الستراتيجية الامريكية) عن ماهية هذه الستراتيجية وخطرها على المنطقة، ففي العراق كان السناريو الامريكي واضحا انتج عنه وبسببه ظهور تنظيم الدولة الاسلامية كقوة فرضت واقعا جديدا على الارض ،لم تحسب له ادارة اوباما ولا حكومة المالكي التي مهدت له اي حساب ،وهذه اولى بواكير الفشل واكثرها خطورة على مصالح امريكا ليس في العراق فحسب بل في المنطقة والعالم (خطاب ابو بكر البغدادي امس وهو يهدد امريكا بالويل والثبور مثالا)،ثم هزيمة وفشل جيش المالكي في الموصل والانبار وصلاح الدين في مواجهة عناصر وتنظيم الدولة وتسليمه هذه المحافظات له بكل اسلحته وعتاده ودباباته وطائراته وهمراته وغيرها ،جعل ادارة اوباما في وضع لاتحسد عليه عربيا وعالميا ،واوقعت نفسها في شراك فشلها ،فلم يعد امام اوباما الا طريقين احلاهما مر ،الطريق الاول هو الذهاب الى النهاية في مواجهة تنظيم الدولة الاسلامية الذي يحقق انتصاراته بقوة على الارض في العراق وسوريا ،بتحشيد دولي لمقاتلته على ارض العراق ،وهذا ما تفعله الان وتهيء له بكل قوة ،واما الطريق الاخر الاكثر ايلاما وهو اعلان الهزيمة امام عناصر الدولة الاسلامية وتركها تسقط المحافظات العراقية الواحدة تلو الاخرى تمهيدا الى دول اخرى كالسعودية وغيرها كما اعلن بذلك ابوبكر البغدادي في اخر خطاب له وقال( بأن السعودية هي الهدف الاهم )،وتهدد المصالح الامريكية في كل العالم وتنفذ مشروعها التي اعلنته من قبل اعلان الخلافة الاسلامية في العالم ،وهو مشروعها التي تعمل عليه منذ سنوات ،لذلك وبغية مواجهة عناصر الدولة الاسلامية ،ارسلت ادارة اوباما مئات المستشارين العسكريين لحكومة المالكي قبل عام ،ودعمت مشروع المرجعية الشيعية في النجف (الحشد الكفائي)،وكذلك اطلقت يد ايران بكل قوتها الاجرامية في العراق من خلال تواجد الحرس الثوري وفيلق القدس وميليشات بدر والعصائب وسرايا السلام وحزب الله العراقي وبقية الميليشيات الطائفية ،التي يقودها قاسم سليماني وهادي العامري ،كأحتلال ايراني مشرعن امريكيا ومدعوما امميا ،ومع هذا لت تستطع كل هذه المجاميع والجيوش والميليشيات ان تدخل الفلوجة مثلا او ان تحسم الوضع في الانبار ،بالرغم من اعلان المالكي انذاك (حسم المعركة في غضون اسبوع)،والسبب دائما كما اوضحنا في اكثر من مقال فساد المؤسسة العسكرية كلها حتى وزيرها ،اضافة الى عدم امتلاك الجيش للخبرة والكفاءة والمهنية(كان ومازال تعامله طائفيا مع المواطنين لذلك خسر اهم سند له هو الشعب)،كون اغلبه من الميليشيات (الدمج)،وقيادة عسكرية فاشلة يقودها قادة فاشلون امثال (كنبر والغراوي وغيدان وفي مقدمتهم قائدهم الفاشل حكوميا وعسكريا نوري المالكي)،والذي اعطى اوامره لقادته بالانسحاب من الموصل وتسليمها لتنظيم الدولة الاسلامية ،اليوم تحاول ادارة اوباما الفاشلة ،ان تغير اللعبة بعد ان غيرت حكومة المالكي ،وجاءت بحكومة العبادي،وان تنقذ ما يمكن انقاذه في العراق وقد سبق السيف العذل ،فاول قرار اتخذه العبادي هو الغاء مكتب القائد العام للقوات المسلحة ،الذي كان بؤرة الفساد المالي والعسكري والاداري،وطرد عناصره خارج المنطقة الخضراء ،واتخذ بعدها اجراءات حقيقية جريئة كانت كلها ،باوامر امريكية مباشرة، من قبل المستشارين الذين وصلت اعدادهم الى اكثر من (1000) مستشارا عسكريا ،كان اخرها واقواها هو احالة الفاشلين والفاسدين واتباع وجواسيس المالكي في وزارة الدفاع الى التقاعد او الى مواقع اخرى ،وهذا كان اصعب القرارات واخطرها على العبادي ،بل واهمها ،وهي ابعاده نفوذ ويد المالكي الطولى في وزارة الدفاع التي كانت تهدد حكومة العبادي (بالانقلاب) الذي اعلن عنه العبادي نفسه قبل اسبوعين ،والذي كان ومازال يخطط له نوري المالكي بدفع ودعم من ايران ،مع تغييرات اخرى مهمة وخطيرة في الاجهزة الامنية والاستخبارية وكلها كانت تابعة للمالكي وجلاوزته ،وولاؤها الكالمل له،ومن اجراءاته الاخرى بتوجيه امريكي هي الانفتاح على (سنة العراق) في المحافظات المنتفضة ،وهكذا اشعلت امريكا الحرب الاهلية الطائفية في العراق على يد نوري المالكي،وجعلت ابناء البلد يتقاتلون فيما بينهم ،وجاء حيدر العبادي والحرب الاهلية قائمة –حشد طائفي- ضد ثورة العشائر والفصائل المسلحة معها ممن كان في ساحات الاعتصامات والمظاهرات تحديدا عدا تنظيم الدولة الاسلامية ،وهكذا اختلطت الحرب واصبحت كما ارادتها امريكا وايران(شيعية-سنية) ،في المحافظات التي يجري فيها القتال وهي الانبار وصلاح الدين وديالى وكركوك،ووقع السيناريو الامريكي في فخ لم يخرج منه ،هذا السيناريو اليوم امام خيارات صعبة جدا ،وهي اي ادارة اوباما وبعد تولي الحزب الجمهوري مقاليد الحكم والقرار الامريكي ،قد قلب الموازين والطاولة على رأس اوباما وادارته وعلى رأس حكومة العراق ،لذلك اعلن اوباما قرارات سريعة وتغييرات سريعة وسيناريوهات جديدة ،منها (ضرورة تغيير نظام الاسد اذا اردنا القضاء على داعش)، وارسال جيش الى العراق للقتال البري في الربيع القادم (لتحرير الموصل كمعركة حاسمة فيها)، وارسال المزيد من المستشارين الامريكان الى العراق،مع تأسيس خمسة قواعد جوية فورا في العراق ،والطلب من رئيس وزراء العراق حيدر العبادي لجم وتحجيم عمل الميليشيات وعدم السماح لها في دخول المدن والعبث بأهلها وسرقة اموالهم وممتلكاتهم بطائفية ،واجراءات سريعة لمصالحة وطنية حقيقية ،والغاء قرارات اجتثاث البعث(الرئيس معصوم اعلن هذا بتوجيه اوباما)،واتخاذ اجراءات فورية بهذا الاتجاه تمهيدا الأعادة المكون السني الى الحكم والمشاركة الحقيقية في اتخاذ القرار كما اعلن اوباما بنفسه هذا واعتبرها (المظلومية السنية المهمشة)،اذن وكما ترون تغيرت اللعبة الامريكية 180درجة بعد المالكي ،واعترافها بالفشل والنكوص وارتكاب اخطاء قاتلة لها في العراق ،كان لها نتائجها الكارثية على سمعة امريكا عالميا ،وهذا ما أكده اعضاء الحزب الجمهوري في الكونكرس الامريكي في اجتماعه الاخير ،انها مرحلة تغيير الادوار ،والرابح الاكبر دائما هو ايران التي تتمدد شرقا وغربا دون رادع ،اللعبة الامريكية الجديدة في العراق اتظروها في الربيع القادم ،لعبة ولكنها قذرة بكل المقاييس لانها ستهدر دماءا عراقية كثيرة ،والله يحفظ العراق واهله ……..