ابتداءً أضم صوتي مع أغلبية العراقيين المعترضين على مؤتمر ( السلام والاسترداد )، والأمر يرتبط بموقف تضامني تاريخي مع قضية فلسطين السلبية من أعتى دكتاتورية فاشية احتلت أرض فلسطين وقتلت أهلها وهجرت الملايين منهم، في واحدة من أبشع جرائم القرن العشرين الممتدة الى الآن بمشاريع الاستيطان والتهجير وقضم الأرض بعنجهية السلاح الصهيوني وضعف الموقف العربي الرسمي .
الوطنية ومشاعر البعد القومي العروبي الذي نتحدث به بصفتنا عراقيين، ينبغي أن يتوفر على واقعية في السؤال عن فحوى هذا المؤتمر ، وإذا جاء لجس نبض المجتمع العراقي وردود افعاله، أم هناك توجه من قوى سياسية ومجتمعية من داخل وخارج أقليم كردستان تؤيد تطبيع العلاقة مع اسرائيل، وتجد فيها مصالح متعددة وفي مقدمتها حماية الأقليم من التهديدات الخارجية .
لانأتي بجديد إذا تحدثنا عن مشاركات الكرد في الثورة الفلسطينية ودعمها بالمال والأرواح والموقف السياسي الثابت من حق الشعب الفلسطيني ولا أحد يمكن أن يزايد في هذا الشأن، لكن متغيرات الواقع السياسي صار يفرض على الأقليم حكومة وقوى مجتمعية موقف أشبه ب( المنزلة بين منزلتين) حسب وصف المعتزلة أي “لاكافر ولامؤمن”، وماعسى حكومة الأقليم أن تفعل وهي مهددة وجوديا من قبل تركيا وايران، دون وجود حماية عراقية تقيها من الاعتداءات اليومية من قبل الجارين الاسلاميين، بل ثمة ” عجز وصمت من حكومة المركز في بغداد “، واتهامات ونقد جارح دأبت عليه وسائل اعلام شوفينية وطائفية عراقية ضد الاكراد وحكومة اقليم كردستان !؟
لا احتضان من دول الجوار الاسلامي تركيا وايران، فصواريخ الدولتين وجيوشهما تزور الاقليم بنحو يومي وهناك تهديدات رسمية صريحة باجتياح الاقليم، وهو أمر غير مستبعد نظرا لجرائم الإبادة الجماعية التي تعرض لها أشقاءنا الكرد خلال القرن الأخير في كل من تركيا والعراق وايران وسوريا .
الواقعية السياسية تقترح أن تحافظ على كيانك (دولة ، اقليم) وتنمو وفق قواعد مساراتك وأهدافك ومصالحك التي تحقق ذلك، بمعنى آخر لاثوابت في السياسية ، الثابت هي المصالح التي تحافظ وتنمي وجودك ، وفق هذه المنطلقات تقيم الدول علاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية، وإذا كانت جغرافية أربيل السياسية وعاصمة أقليم كردستان تحددها فوهات المدفع لدول الجوار ، كيف لاتفكر بالعلاقة والتفاعل مع أطراف دولية قوية وفاعلة في المحيط الاقليمي لحماية وجودها ، ولكي يستقيم السؤال : أهي جريمة أربيل أم الدول التي تضطهدها وتهدد وجودها، دول الأقليم المجاورة دون غطاء وطني عراقي لحمايتها !؟
مايسمى ب(مؤتمر السلام والاسترداد) بالون اختبار وخطوة بامتصاص الصدمة لمشروع التطبيع ، لايكفي أن نشجب ونستنكر ماحدث بدوافع ومبررات بعضها صادقة واكثرها مستهلكة وتسويقية، بل ينبغي أن تتنبه قوى الداخل العراقي الفاعلة وكذلك تركيا وايران لأهمية الحفاظ على أقليم كردستان وعمق ارتباطه بما هو عراقي، وعدم دفعه للبحث عن دول داعمة لوجوده مثل اسرائيل وامريكا ودول خليجية وغيرها، فالدول تعطي بقدر ماتأخذ ، الأجدر أن تحتفي دول جوار الاقليم ( تركيا وايران) وهما مصدر التهديد الرئيس ، كما يحتفي العراق “الأم” بوجود كردستان قوة سياسية واقتصادية وإدارية صاعدة وناجحة، دون ابتزاز أو إملاءات وفروض طاعة وموالات وقصف يومي واجتياحات عسكرية حدودية، بل التعامل مع أقليم كردستان بكونه المركز الرسمي للهوية القومية الكردية الرشيدة التي تقف بمساواة مع بقية القوميات المجاورة، وبهذا استثمار نوعي لمشروع السلام وتجنب الأرهاب في دول الاقليم، وتحقيق المزيد من المصالح الاقتصادية للعراق وتركيا وايران، والأهم أن لا يدفع حكومة اربيل للبحث عن بديل دولي ساند أو اتفاقات دولية تضعها على خط العداء لهذه الدول وفق حساباتها وتقديراتها الاستراتيجية .