بمبادرة من أهالي منطقة سوق الشيوخ، نظم مهرجانها الأول في “رحلة نيسان” كناية عن أهمية التواصل بين النخب الثقافية العراقية مع هذه المناطق التي تحتاج الى رعاية من نوع خاص في زمن افتقر الى نظرة الدولة الابوية الحنونة !!
وكان سبق المبادرة في التنسيق لكلية الاعلام في جامعة بغداد لتنظيم وفدا من الأكاديميين وزملاء مهنة المتاعب الذين شدوا رحالهم صوب الناصرية بانتظار معرفة الجديد عن اهوارها بعد ان ضمت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، الأهوار الواقعة في جنوب العراق، وهي مسطحات مائية جففت بالكامل تقريبا خلال حكم صدام حسين، إلى قائمة التراث العالمي، سيما وان الاخبار تنذر بموسم فيضان.
وهكذا كان الوفد في ربوع كرم أهلنا في سوق الشيوخ وخرجت مدراسها في صفوف طويلة تحت حرارة شمس نيسان لترحب بالقادمين بتحية وكلمات تنبه بان هذه المنطقة من أوائل مناطق الحضارة البابلية والسومرية، حتى كلمات الترحيب في بداية المهرجان كانت تفوح بعبق هذه الحضارة وعبارتها السومرية، ولفت انتباه الحضور ذلك الصوت الشجي لقارئ القران الكريم العم أبو جمال ، والد الدكتور جمال الحمداني أستاذ الهندسة المدنية الذي قدم ورقة بحثية في الجلسة العلمية للمهرجان ، تحدث فيها عن التخطيط الهيدولوليكي لأهوار سوق الشيوخ منبها الى وجود ملاذات حضرية كجرز يمكن استغلالها كمضافات سياحية اذا ما احسن استخدامها من قبل ذوي الاختصاص .
في كلمته، أشار الدكتور هاشم حسن، عميد كلية الاعلام الى أهمية التراث السومري وامكانيات ترجمته كبرامج ثقافية وسياحية ومنها ادامة العمل بمفردات هذا المهرجان منوها الى الدور المفترض ان ينهض به المثقف العراقي في شتى المجالات بهذه المنطقة والانطلاق من قدرات الانسان البسيطة لإنجاز ما تعجز الدولة بمؤسساتها عن تحقيقه والرقي الحضاري بهذه المنطقة التي انطلقت منها شرارة الحضارة الأولى منذ فجر التاريخ .
فيما قدمت الدكتور رنا الشجيري التدريسية في كلية الاعلام اضاءات تاريخية عن الحضارات العراقية القديمة مؤكدة على أهمية العمل الجاد والدؤوب في إعادة الواقع الحضاري لهذه المنطقة واحياء تراثها الحضاري ، وتخللت المهرجان فعليات شعرية وحديث لاحد شيوخها عن مفردات لغوية ما زالت تحتفظ بأصواتها السومرية تتداول في مناطق الاهوار لا يتعارف عليها حتى اهل المدن ، ولم يتخف الفن المسرحي عن هذا المهرجان حيث قدم شباب المنطقة مقطعا مسرحيا مؤثرا عن حالة جريح الحرب الذي فقد كلتا قدميه دفاعا عن الوطن ،وعلى الرغم من بساطة العرض الا انه ترك في نفسي انطباعا بان هؤلاء الشباب يمتلكون حسا معرفيا بفنون المسرح كلما يحتاجونه احتضانهم من جهات رسمية .
وفي رحلة الهور كانت شمس نيسان تحكي اهازيج الاستقبال الذي ظهر في الهوسات التي انطلقت منها الحناجر عبر المشاحيف وهي ترحب القادمين من بغداد ،لكن ذات الشمس تكشف حقائق مهمة عن إمكانات مفتوحة للاستثمار السياحي مقابل اهمال ربما ، أقول ربما متعمدا من الجهات ذات العلاقة ،، وتبقى رحلة نيسان نموذجا يتطلب الديمومة في العمل وتراكم الإنجاز لعل وعسى ان يكون المهرجان خلال عامه المقبل اكثر حيوية ومشاركة من اطراف حكومية وشركات السياحة من القطاع الخاص ، فصناعة تاريخ الغد تحتاج التلاحم مع اليد السمراء وليس انتظار تطبيقات البرامج الحكومية … اما مهمة المشاركين في هذا المهرجان من بغداد والناصرية والحلة ستكون اكبر واثقل لحمل رسالة الحضارة واستلهام وجودنا الجديد في تلك الوجوه السمراء لأطفالها وهم يلوحون بالإعلام العراقية ،من اجل مستقبل هؤلاء لابد من العمل المثابر في خطوات فاعلة نحو بناء مفردات المهرجان للعام المقبل، وهي دعوة تتكرر للجميع بمد أيديهم لأحضان الحضارة والانطلاق بها للمستقبل فهل من مجيب ؟؟