17 نوفمبر، 2024 1:23 م
Search
Close this search box.

اهمية دراسة العلاقات الدولية وانعطافتها التاريخية

اهمية دراسة العلاقات الدولية وانعطافتها التاريخية

باتت من أهم فروع العلوم السياسية اليوم في المعاهد والجامعات للدراسات هي العلاقات الدولية وهي من التخصصات التي لا يمكن الاستغناء عنها في الروابط بين الامم و من خلالها يمكن دراسة وتحليل الظواهر السياسية بكل أبعادها النظرية والواقعية لمن يتخصص في هذا العلم و بيان القدرة على التأثير في سلوك الآخرين للحصول على النتائج التي يتطلبها العامل السياسي، كما تعد أساسا محوريا لمعرفة مدى إمكانيات الدول وقدراتها على أن تكون مؤثرة في السياسة الدولية بمقدار القوة الاقتصادية وحجم الثروة الباطنية أو المنتجة والموقع الجغرافي الاستراتيجي وعدد السكان والمساحة الجغرافية والموقع والقيم الثقافية وطبيعة القيادة السياسية، وغيرها من المحددات و بطبيعة الحال السياسة الدولية ببيئة متجددة تواكب الأحداث والتفاعلات التي يشهدها النظام العالمي على المستويات السياسية، والاستراتيجية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية. عليه، يمكن القول بأن العلاقات الخارجية للدول تتغير وتتكيف باستمرار مع التغييرات الخارجية والداخلية على حد سواء.

وتعريف العلاقات الدولية ليس مسـألة سـهلة كما يتصورها البعض بل هي في غاية الصعوبة والتعقيد ، على الـرغم من الجهود الكبيرة التي بذلت عنـدما انبثـق نظـام الـدول القوميـة الحـديث إلـى حيـز الواقـع اثـر التوقيـع علـى معاهـدة وسـتفاليا الشـهيرة عام 1648 لانهاء ( حرب الثلاثين عاماً منتصف القرن 17) وحتـى يومنـا هـذا، يصـعب علـى الدارسـين والبـاحثين إعطـاء تعريف جامع للعلاقات السياسية الدولية على الرغم من عدم وجود تعريف له يتفق حوله جميع الباحثين والمختصين، فإنّ الاطلاع على بعض التعاريف يوضح لنا أنّ العلاقات الدولية ظاهرة واسعة من المبادلات المتداخلة التي تجري عبر الحدود الوطنية، كما ان انبثاق العديد من المدارس لها يجعل من الصعوبة بمكان إغفال الدور الايجابي لكلّ مدرسة لفهم الظاهرة الدولية وتفسريها ودراسة تحولاتها وتطوراتها، وتعمل كلّ مدرسة على تفكيك جانب مهم منها وتعيد تركيبه و فقاً لفرضياتها التي لا تتوافق بالضرورة مع ما تنطلق منه المدرسة الاخرى،

وهناك تعاريف تتقارب فيما بينها وتتباعد من جهات اخرى فيقـول ستانلي هوفمان في تعريفه ((إن حقـل المعرفــة للعلاقــات الدوليــة يعنــي العوامــل والنشــاطات المــؤثرة فــي السياسات الخارجية وفي قوة الوحدات الأساسية المكونة لعالمنا ))،

ولقد سعت جميـع الدراسـات وخاصـة فـي بـداياتها إلـى محاولـة معرفـة طبيعة هذه العلاقات وتباينت نظرة الباحثين والمفكرين حولها وفيما إذا كانت تتسم بالفوضوية او العقلانية ، ويؤكدون على أن السمة الغالبة على المجتمع الدولي هي الفوضى، فيما نجد رأياً متفائلاً، يشير إلى أن هناك ما يكفي من المؤشرات والدلائل الواقعية التي تؤكد على عقلانية في الكثير من الحالات في العلاقات الدولية ومجالهـا لاسـيما المتداولة فـي الدراسـات الجامعيـة وهـذا يتضح تماما عندما يشير ((الفريـد زيمـرن )) إلـى ((أن دراسـة العلاقـات الدولية تمتد من العلوم الطبيعية من جهة إلـى الفلسـفة الأخلاقيـة مـن جهة ثانية ))، ويعرّف جون بورتون العلاقات الدولية بأنّها: “علم يهتم بالملاحظة والتحليل والتنظير من أجل التفسير والتنبؤ”، ويعرّفها رينولدز: ((“أنّها تهتم بدراسة طبيعة وإدارة والتأثير على العلاقات بين الأفراد والجماعات العاملة في ميدان تنافس خاص ضمن إطار من الفوضى وتهتم بطبيعة التفاعلات بينهم والعوامل المتغيرة المؤثرة في هذا التفاعل)).

إن الانتقادات التي واكبت تطور نظرية العلاقات الدولية، وبغضّ النظر عن مصادرها، وعن المدارس المستهدفة بها، لا تنتقص في حقيقة الأمر من أهمية وجدّية الجهود المعرفية المتراكمة في هذا الخصوص، كما أنها لا تحدّ من قيمة العلاقات الدولية كعلم، بقدر ما تحيل إلى دينامية هذا الحقل المعرفي وتطوراته، ومواكبته للمتغيرات التي تشهدها الساحة الدولية في جوانبها التعاونية والصراعية.

ان العلاقات الدولية تنطوي ابعادها النظرية والتفاعلية على قدر كبير من الأهمية في عالم اليوم في ضوء التحولات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والفكرية،، مع تشابك هذه العلاقات وتطورها على مستوى الفاعلين، والقضايا، والأولويات، ووسائل الاتصال. غير أن الأمر لا يخلو من صعوبات وتعقيدات، خصوصاً في ما يتعلق بتناول هذه العلاقات كتفاعل اجتماعي بأبعاده المختلفة أو بالتعاطي معها بوصفها حقلاً معرفياً.

ان الحقائق والوثائق التاريخية تثبت بأن دراسة العلاقات الدولية كمادة قائمة بذاتها من هذه العلوم لم تتخذ طابعا عملياً إلا اواسط الاربعينات من القرن الماضي بعد ان شهد هذا القرن انعطافا حـادا فـي تفسير العلاقات الدولية بنظرية أطلق عليه المدرسة الواقعية وهي بأعتقاد الكثيرين من افرازات الحرب العالمية الثانية وهي التي فرضتها، وان هذه النظرية تعد نفسها أكثر النظريات اتصالا بـالواقع الـدولي وتعبيـرا عـن تعقيداته ، واتخذت خلال تلك الفترة الوجيزة نسبياً مكانة هامة طغت على الأفرع الأخرى لهذا العلم، ويرجع ذلك إلى الحيوية والديناميكية التي تتسم بها موضوعاتها ، فضلا عن الأهمية التي اكتسبتها تلك المادة جراء التقدم التكنولوجي الهائل في كافة المجالات خاصة في مجال الاتصال والمعلومات والمواصلات والتسلح.

في الحال تتميز حركة المجتمع الدولي بكونها دائمة مستمرة ومتسارعة بتواجد الدول لحاجة البعض الى البعض الاخر و إن العلاقات بين الدول على مستوى الساحة الدولية تخضع في احكامها الى القواعد القانونية المنظمة للعلاقات الدولية بين أعضاء المجتمع الدولي، وما يحتويه ميثاق هيئة الأمم المتحدة من احكام صادقت عليها اغلب دول العالم تجنبا لحدوث اي من الحروب او التخفيف من شدة الازمات، وتحقيقا لمسعى السلم والامن الدوليين، وبما تفرضه الاتفاقيات الدولية التي يتم عقدها في هذا الإطار.

الدول العقلانية المنتظمة بسلطاتها هي الجهات الفاعلة التي تسعى إلى تحقيق المصلحة الذاتية لبلدانها وزيادة أمنها وفرصها في البقاء والدفاع عن استقلاله وسيادته اكثر من غيرها ، كما ان المنهجية العلمَّية في دراسة المواطنة والهويَّة الوطنية تستلزم التنقيب في الاسباب والعوامل الكامنة وراء تفاقم العلاقات السياسية وتقويمها نحو الافضل ، والبحث في الخطوط الخلفَّية التي تقوم بتغذية اشكالاتها، ، و يُعدّ التعاون بين الدول طريقة لزيادة أمن كل دولة على حدة و يجب أن تستند هذه العلاقات على المصلحة الوطنية قبل المصالح الشخصية لحكامها ومريديهم ولكن ان هويّة الاوطان يحددها ابناؤها المخلصين و الشعوب تكون منتصرة عندما تستطيع فرض نفسها على بقية العالم بالطفرة العلمية والتكنولوجية المتسارعة وبالاعتماد على الثورة المعلوماتية والاتصالاتية التي سادة العالم بوصفها الثقافة العالمية المدعومةً التي يكاد يكون الغرب منتجها الوحيد ومحتكر امتلاكها دون سواه، وتبقى الرموز واللغة والجغرافيا هي الوجه الحقيقية للهوية العالمية التي هي فوقية وجامعة، دون أن تنزلها اي مقامات تنظيرية مهما اطرتها وبالتالي هي ثقافة واسعة الابواب في السياسة الحديثة .

أحدث المقالات