23 ديسمبر، 2024 4:19 ص

اهمية السلوك الأخلاقي في منظمات الأعمال

اهمية السلوك الأخلاقي في منظمات الأعمال

اصطفى الله سبحانه وتعالى سيدنا آدم (عليه السلام) وجميع الانبياء والرسل صفوة منتقاة ، تتقدم الصفوف لترسم موازين الأخلاق. وحملت جميع الاديان وما انزل من كتب سماوية لواء الأخلاق داعية لتبني خيره ونبذ شره والتمسك بالفضيلة ومجافاة الرذيلة. وعدَ المقوم الأخلاقي احد مقومات بناء الحضارات الأنسانية وشموخها ومنها حضارة وادي الرافدين.

ولابد من التمييز هنا بين الأخلاق والسلوك المحكوم بالقانون ، فقواعد القانون تنجم عن مجموعة مبادئ مشرعة وعن لوائح قانونية تصف الكيفية التي ينبغي ان يتصرف بها الافراد ، بحيث يكون هذا التصرف مقبولاً من المجتمع ويمكن المحاسبة عليه من قبل الجهات القضائية. في حين ان المعايير الأخلاقية تنطبق في جزئها الاكبر على السلوك غير المحكوم بالقانون ، كما ان القوعد القانونية تغطي السلوكيات التي لم تغطى بالمعايير الأخلاقية.

ان القوانين الحالية غالبا ما تعكس الاحكام الأخلاقية المشتركة ، لكن ليس كل الاحكام الأخلاقية تتجسد في قوانين ، فعلى سبيل المثال جميع الأخلاقيات التي تدفع لإنقاذ شخص من الغرق ليست محددة بالقانون ، أما عمليات السطو والقتل فإن المعايير الأخلاقية والقانونية تكون متداخلة فيها ، وببساطة فأن السلوك الأخلاقي هو ابعد من مسألة اتباع القانون. ولغرض اجتذاب والمحافظة على العاملين في عصر يستقطب فيه العاملين المؤهلين والجيدين على نحو مستمر ، فأن التعامل الأخلاقي يكون ضرورياً. ولغرض تحقيق النجاح ، فإن المنظمات ينبغي أن تعامل عامليها بأسلوب أخلاقي. وشيئاً فشيئاً اصبحت المنظمات تدرك هذه الحاجة ، وكانت الأستجابة بتوليفة متنوعة من البرامج لضمان المعايير العالية للأداء الأخلاقي للمدراء والعاملين كذلك. وبدأت المنظمات بإعداد مدونات أخلاق وإعلانات عامة عن القيم الأخلاقية والتدريب عليها ومكافأة العاملين على السلوك الأخلاقي الواضح ووضع الإجراءات الداخلية اللازمة للتعامل مع سوء السلوك. وحينما تكون اهداف وافعال المنظمة أخلاقية فإنها تخلق وبشكل تعاوني مشترك نظام المكافأة الثلاثي الذي تلتقي في اهداف كل من الفرد والمنظمة والمجتمع ، فالافراد يكونوا اكثر رضا في العمل حينما يكون هناك تعاون وعمل فرقي ، بالتالي فانهم يتعلمون وينمون ويساهمون. والمنظمة كذلك تكون اكثر نجاحاً لانها تعمل بشكل اكثر كفاءة. ولعل المستفيد الأكبر من نظام المكافأة الثلاثي هو المجتمع نفسه لانه يتمتع بسلع وخدمات افضل ، مواطنين اكثر قابلية وقدرة ، مناخ عام من التعاون والتقدم.

ان القرارات التنظيمية المتعلقة بما هو صحيح او خاطئ نادرا ما يكون من السهل اتخاذها من قبل المنظمات ، فهي متعارضة على الأغلب. وطالما ان المعيار الذي تستند عليه المنظمات في اتخاذ القرارات يشكل ارضية القرارات السابقة ، وبسبب ضغوط الوقت والانظمة الدينية والاجتماعية والقيم الاقتصادية الأوسع للمجتمع فان مثل هذه القرارات لا يمكن ان تكون بسيطة.

أن موضوع الأخلاق والسلوك الأخلاقي وفق نظرة موضوعية ينطوي على دلالات فكرية تحمل معان ذات الوان شتى. فضلاً عن تنوع منابع المعرفة التي حللت مسارات السلوك الأخلاقي ، كذلك اختلاف في مستوى التحليل ومقوماته في علم المنظمة ، وتوقع تعدد مظاهره في علم الادارة الأستراتيجية واتساع آفاقه والحاجة إليه مستقبلا في بناء وبلورة تصوراتها المثالية منها والواقعية بخاصة. والأخلاق هي معايير للتصرف والحكم الأخلاقي الذي يميز الصحيح عن الخطأ ، وبالتالي فإن الأخلاق هي قيم ومعتقدات وقواعد اخلاقية حاكمة للطريقة التي ينبغي ان يتصرف بها المهتمين بالمنظمة احدهم إزاء الآخر ، وهي تشكل جزء هام من القيم الثقافية للمنظمة. والمنظمة ليس بإمكانها ممارسة افعال تتسبب بالضرر لسمعتها ، ولا تسمح لعامليها بالإفادة من مواقعهم للقيام بأفعال غير أخلاقية. عليه فإن خلق ثقافة تنظيمية أخلاقية هي واحدة من الأولويات الرئيسة للمنظمة ، والمدراء يخلقون الثقافة الأخلاقية من خلال خلق الإلتزام الشخصي المؤيد للقيم الأخلاقية ونقله الى المرؤوسين. وجميع المنظمات من المتوقع ان تمنع وتتبع القيم الأخلاقية لأن مزايا السلوك الأخلاقي تعود بالنفع على المنظمة والمجتمع كذلك. وإن واحداً من أهم مؤثرات القواعد الأخلاقية هو تشريع المصلحة الشخصية ، ولفهم سبب الحاجة لتشريع المصلحة الشخصية ، لدينا مثال الأرض المشاعة وهي أرض مملوكة لكل من في المدينة أو الولاية ومن العادي ان يقوم اي شخص بإستخدامها لأنها مورد حر. عليه فإن جميع الملاك سوف يسيمون ماشيتهم على الأرض لتعزيز مصالحهم الشخصية ، بالنتيجة فإن الأرض ستكون قاحلة ومعرضة لتأثيرات الريح والمطر ، وإن السعي وراء المصلحة الشخصية تسبب بكارثة جماعية. نفس الشئ من الممكن ان يحصل في المنظمات ، فإذا ما ترك الأفراد على اهوائهم فإنهم سيسعون لتحقيق اهدافهم الشخصية ويضرون المهتمين بالمنظمة والعاملين والجمهور العام. وعلى نحو مشابه فان الاتحادات القوية ربما ترفع الأجور بشكل كبير جداً في المدى الطويل ، وبالتالي فإن المنظمة تصبح غير قادرة على التنافس. إن القيم والقواعد الأخلاقية تسيطر على السلوك المستند للمصلحة الشخصية والذي ربما يهدد المصالح الجماعية للمجتمع ، فهي تحدد اشكال السلوك المطلوب والنهايات المرغوبة كالصدق والعدالة.

والأخلاق هي فرع من فروع الفلسفة تحاول وضع مجموعة منطقية ونظامية من المبادئ التي تحدد ما هو سلوك أخلاقي وما هو ليس كذلك. والبعض يطلقون على الأخلاق الفلسفة الأخلاقية. علماء الأخلاق ناقشوا ايضاً المدى الذي يكون فيه النظام الأخلاقي مطلقاً او نسبياً ، فالإستبدادية الأخلاقية (اي المطلقة) تشير بأن نظام الأخلاق ينطبق على جميع الأفراد اينما كانوا وبشكل دائم ، ودعاة النسبية الأخلاقية يشيرون بأن السلوك الأخلاقي يكون كذلك متى ما قال الفرد او المجتمع ذلك ، دعاة النسبية ينظرون للأخلاق على انها تستند للمشاعر او الآراء الشخصية ويرفضون وجهة النظر التي تشير بأن الأحكام الأخلاقية لها مصداقية موضوعية. وفي منتصف الطريق بين الإستبدادية والنسبية فإن الأخلاق والأحكام الأخلاقية تعرضت لتغيرات طوال مسيرة التاريخ الإنساني ، وما هو صحيح او خاطئ في نقطة معينة من تطور النظام الاجتماعي ، ربما يكون خاطئاً او صحيحاً في نقطة اخرى من تطوره. وبحسب هذه النظرة فإن الأنظمة الأخلاقية تنشأ مع متطلبات النظام الإجتماعي بحيث أن الأفراد في ذلك النظام بإمكانهم سلوك الطرق التي يحكمون عليها أنها مقبولة . وفي السنوات الأخيرة ، فأن بعض الشركات تبنت مدونات للأخلاق والسلوك وهذه المدونات تتعلق بالسلوك الفردي وسلوك المنظمة كذلك. لكن ليس من السهل العمل بهذه المدونات في عالم اليوم الذي يتسم بأسواق العمل المرنة والشركات المرنة ، وقد أشار الكثير من المتخصصين الى الآثار الشخصية للعمل في الرأسمالية الجديدة ، وعبرَ عن تحفظاته حول طريقة التوظيف القائمة على المحاباة واللامبالاة وانه يتوجب على الافراد تقبل حقيقة التوظيف المؤقت لفترة قصيرة من الزمن إلا ان سعر هذا النظام سيكون باهظاً بالمعاني الإنسانية.

كما أشاروا الى الرشوة في بيئة الأعمال التي تعرف على انها عنصر هادف للتأثير في الموظف كي يؤدي واجباته بشكل لا أخلاقي مثل إبرام العقود غير السليمة او تجاهل لوائح السلامة او التلاعب الضريبي او فوائد مادية وغيرها ، لذا فإن هناك حاجة داخل كل منظمة لوظيفة تتولى مهمة التوعية بأخلاقيات الأعمال تشجع الإنسجام والتوائم بين القيم والسلوك في عصر المستهلك الأخضر والمستثمر الأخلاقي .

نحن بحاجة للتمييز بين السلوك الأخلاقي والسلوك غير الأخلاقي ، فالسلوك الأخلاقي هو ما كان متوافقاً مع المبادئ الأخلاقية الحسنة التي يقرها المجتمع ، أما السلوك غير الأخلاقي فهو ما كان غير متوافقاً مع القيم والمبادئ التي يقرها المجتمع .

ويمثل السلوك الأخلاقي نمط النشاط الذي يقوم به العاملون في المنظمة ويؤثر في فاعليتها بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، وتتمثل تأثيراته في الأداء وفي الأنتاجية ونسب الغياب وترك العمل

في المنظمة ، ويسلك الأفراد أنماطاً سلوكية متنوعة في المنظمة. فعلينا أن نراقب السلوك ومن ثم نحدد أسبابه ونحاول تفسير الأسباب التي تجعل الأفراد يسلكون مثل هذا السلوك ، فلو كان أحد المرؤوسين لديك هو شخص مشاكس ويمنع الآخرين من العمل ويشكل مصدر إزعاج لهم وبصورة متكررة ، فإذا استطعت فهم أسباب مثل هذا السلوك سيكون بإمكانك تغييره وتوجيهه ليسلك نمطاً إيجابياً أخلاقياً في المنظمة.

والتساؤل هنا هو إذا كانت هناك أسباب جيدة تدفع الأفراد والمنظمات لإتباع السلوك الأخلاقي فلماذا نشاهد الكثير من السلوكيات غير الأخلاقية ؟

إن الأسباب هي:

1- الزلل في أخلاقيات الفرد: بحسب النظريات فإن الأفراد يتعلمون المبادئ والقواعد الأخلاقية حينما ينضجون ، والأخلاق يتم تعلمها من العائلة والأصدقاء والمؤسسات الدينية والمدارس والجمعيات المهنية المتخصصة والمنظمات الأخرى. ويتعلم الأفراد من خبراتهم التمييز بين الصحيح والخاطئ ، عموماً إذا كان محيطك الذي تتعلم منه غير أخلاقي فإن سلوكك سيكون غير أخلاقي في الغالب والعكس صحيح ، ونفس الكلام ينطبق على الأفراد داخل المنظمة.

2- السعي المجرد وراء المصلحة الشخصية: نحن عادة نتحدى المسائل الأخلاقية حينما نقوم بوزن مصالحنا الشخصية مقابل التأثيرات التي ستتركها أفعالنا على الآخرين. والمنظمات ذات الأداء الإقتصادي السيء والتي تناضل من اجل البقاء ستمارس بإحتمالية اكبر الأفعال غير الأخلاقية وغير القانونية ، كما إن الكثير من المنظمات الأخرى ستقوم بذلك ايضاً إذا سنحت لها الفرصة.

3- الضغوط الخارجية: العديد من الدراسات وجدت بأن إحتمالية السلوك الإجرامي وغير الأخلاقي تزداد حينما يشعر الفرد بضغوط خارجية على الأداء ، فضغط حملة الأسهم على المدراء وإلا فقدوا وظائفهم ، يدفعهم للسلوك غير الأخلاقي ، وضغط المنافسين على المنظمة لغرض إجبارها لعقد إتفاقات غير أخلاقية كتثبيت الأسعار بقصد تحقيق الأرباح العالية بحجة عدم تأثر الزبائن بذلك ، والتكاليف الاجتماعية للسلوك غير الأخلاقي من الصعب قياسها لكن من السهل رؤيتها في المدى الطويل. فهي تنعكس بالمنظمات التي تعاني من سوء الإدارة ، وحينما يظهر منافس جديد يرفض الدخول في اللعبة فإن المنظمة ذات الإدارة السيئة ستبدأ بالإنهيار.