17 نوفمبر، 2024 11:32 م
Search
Close this search box.

ان عفواً يا حضرة الببغاء أنت مردداً ليس إلا  

ان عفواً يا حضرة الببغاء أنت مردداً ليس إلا  

المثـقـف من المفاهيم البارزة في الميادين العلمية و المعرفية  لما لها من أهمية كبيرة ونتاجاً مؤثراً في عالما عبر العصور ولاسيما الحديثة منها , وفي ذات الوقت يعتبر نقطة حساسة للكثير ممن يصبو إلى التمتع بـ أناقة وجمال تلك الفضيلة العليا , ولكن لايزال هنالك سوء فهم لهذا المفهوم يتوجب تصحيحه بشكل مسند علمياً .  

تعد كلمة ‘مثقف’ بمعناها الاصطلاحي الحالي من التعابير الحديثة التي دخلت لغتنا العربية , فهذه الكلمة لم تكن مألوفة عند القدامى وعبر أزمنتهم المختلفة فلم نجد في كتابات الأولين ما يشير إلى استخدام هذه الكلمة بمعناها المقصود حاليا , ومن الناحية اللغوية فلأهل اللغة والنحو  شانهم  بكلمة (مثقف) واشتقاقاتها وأصولها  والتي تبتعد  عن المعنى الاصطلاحي المعروف حاليا  فهم يشتقون هذه الكلمة  من ( ثقف الرمح ) أي شذبه وصقله وجعله  حسنا معتدلا مستقيما في منظره ,ويمكن ملاحظة إن المثقف هو ليس المتخصص، وهو ليس الخبير، ويمكن القول بأن هناك مثقف شامل ومتكامل لحد  ما، ومثقف متعدد المواهب، ومثقف منحصر في بعض العلوم , ومنهم من يعرف المثقف على أساس العارف بجميع العلوم أو على الأقل بشيء من مجمل ما هو متداول ومعروف , أو يراد معرفته .. لكنني سوف أدلوا بتصوري فيما بعد بدقة أكثر, وأحاول إيجاد تفسير لمسألة هل يمكن إطلاق مصطلح المثقف على كل من حمل أو نقل نوعاً أو بضع أنواع من العلوم والمعرفة . أم أن المصطلح وسام لا يرفعه إلا أشخاص قلائل لديهم إمكانيات العبقري والفيلسوف المجتهد في علوم زمانه .  فلا بد من طرح الاستفهام التالي  ” من هو المثقف الحقيقي ؟؟ ”     

  زيد من الناس لم تساعده الظروف الحياتية للحصول على تحصيل دراسي عالي ولكنه في الوقت نفسه مبدعا و لديه نتاجاً فكرياً رائعا ويتميز بإمكانيات عقليه عليا  ولكنه ليس مثقفا حسب الادعاء المتعارف لكونه غير مختص أكاديميا , يفهم من ذلك ان لديه  ” قابلية عقليه ” تمكنه من خلق أفكار ذات تطبيق عملي قد يتفوق على طرح ذوي التحصيل الدراسي . فلا يمكن حصر الثقافة ب كمية المعلومات التي يمتلكها المرء تساعده في ذلك القدرة على القراءة و الكتابة والحفظ و الاسترجاع , يمكن ملاحظة استخدامي لفظة ” قدرة ” وليس ” قابلية ”  يفهم من ذلك , نحن نمتلك القدرة على القراءة و الكتابة و  الفهم و الحفظ ولكن هل بمقدورنا ان نمتلك القابلية العقلية لإنتاج و توليد أفكارا خالصة في مصنع العقل و بـ موادنا الخام من غير استيراد من المصانع الأخرى . فلا بد من معرفة المرء لنفسه أولا إذن يجب يكون من أهم مساعي المثقف لتطوير قابلياته وقدراته و ذاته الثقافية هو السعي لمعرفة نفسه  فيتحول من مردد للعلوم و الأفكار إلى منتج لها , ولسيد البلغاء الإمام علي “ع” قولا في ذلك : ” العلم علمان علم مطبوع وعلم مسموع ولا ينفع المسموع إذا لم يكن المطبوع .  العلم المطبوع هو العلم الذي ينبع من طبيعة الإنسان وجبلته، العلم الذي (لم) يتعلمه الإنسان من آخر ثم يقول : لا  ينفع المسموع إذا لم يكن المطبوع ، أي إن ترديد علوم الآخرين  ليس لها مرتبه عليا في فضيلة العلم إن لم تكن خالصة من إنتاج عقل المثقف .   

   فالثقافة ليست ” ببغاويه ” معتمدة في الأصل على النقل و الترديد ولكن أناقتها قد تتوقف عند مولدها الأول حتى بأبسط موادها الخام , ولابد من الإشارة إن الخوض في هذا الموضوع الهام بهدف  تصحيح المفهوم لدى البعض وليس بقصد التركيز على الجانب السلبي لإعطاء جرعات محبطه للشخص , دائما هناك فرصه لدى الإنسان لامتلاك هذه الفضيلة ما دام التكوين البشري يتصف بالمرونة فيمكن للإنسان أن يربي نفسه وينمي عقله ويخضعه للمران , فليست التمرينات مقتصرة على التمرين البدني لتربية العضلات الجسمية وتمرين نفسي لتربيه العضلات النفسية فهنالك العديد من التمرينات العقل ية لتربية القابلية العقلية وتشحذها وتصقلها لتجعلها قادرة على الخلق و الإبداع حتى في مقتبل العمر , فجميع الملكات الإنسانية كأغصان الأشجار لينه يمكن ثنيها و تقويمها مادامت طريه ومرنه ولكن يصعب تقويمها إذا يبس غصنها .

أحدث المقالات